إن مسألة العلاقة بين العلم والفلسفة، فعلى عكس الفكرة السائدة، فُرزت مجالات متعددة من المعرفة على نحو متباين، ونُظر إلى كل مجال على أساس أنه علم له موضوعه الخاص في البحث، ولم تعد كذلك بعد فترة من الوقت، كاللاهوت الذي اعتبره الأكويني أعلى العلوم. وعلى الرغم من الحديث عن التباعد التاريخي الذي فصل العلم عن أصله الفلسفي، فإنه لا يمكن إلا أن نتفق على أن متعة الاكتشاف، لذلك نجد أن هناك على الدوام صلة وثيقة بين العلم والفلسفة، وفي الفكر القديم حينما كانت العلوم أجزاء من الفلسفة، لم تكن الصلة صلة جزء بكل وحسب، وإنما كانت فوق كل ذلك صلة اهتمام من الفلسفة الأولى، وفي الفكر الحديث بعد أن استقلت العلوم شيئًا فشيئًا عن الفلسفة، إذ عُنيت الفلسفة في نطاق اهتمامها المنطقي بالتعرف على مناهج العلوم، أو طرائق التفكير التي كفلت للعلوم تقدمًا مطردًا بعيدًا عن الفلسفة وطرقها، فنشأ في ذلك في أحضان الفلسفة فرع من الدراسات المنطقية هو الميتودولوجيا، تجاوزت الصلة بين العلم والفلسفة تلك الحدود، وبيان الارتباط بينها، وتنشأ الفلسفة من محاولات عنيدة يمارسها الإنسان للوصول إلى المعرفة الصحيحة، ذلك أن المعرفة التي يتقبلها الناس بالتسليم معيبة من ثلاث مآخذ: فهي أولاً تتعجل اليقين قبل أن تتوافر أسبابه، وإنك لتخطو الخطوة الأولى في سبيل الفلسفة، لتقيم معرفة تتميز بميلها إلى التجريب والدقة والاطراد والشمول، فإذا كان العلم يدرج الحقائق المتفرقة في قوانين تجمعها، فإن الفلسفة تأخذ منه قوانينه تلك، لم تكن الفلسفة يومًا منفصلة عن العلم، فالانفجار العلمي في القرن التاسع عشر، فلم نعد تستطيع الاستمرار في القيام بدور البشر الآلهة، فإذا كان خير أمارة للروح الفلسفية، فإنه بالمقابل، خير أمارة للروح العلمية هي أن يعرف المرء الفلسفة، ونظرة واحدة يلقيها المرء على تاريخ العلم والفلسفة منذ أيام ديكارت حتى أيام بوانكاريه،