ثورة حتى النصر ؟أتاحت حرب أكتوبر 1973 فرصة لواشنطن لحل الصراع العربي الإسرائيلي أو لكبحه على الأقل. ومنذ أن تولى الرئيس ريتشارد نيكسون ومستشار الأمن القومي هنري كيسنجر منصبيهما في كانون الثاني/ يناير سنة 1969 ، وفي الوقت نفسه، أطلق وزير الخارجية وليام روجرز مسعى لحل الصراع العربي الإسرائيلي على أساس قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 ، الذي دعا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران 1967 مقابل السلام مع جيرانها العرب. وقد سعى نيكسون وكيسنجر بجد لتقويض جهود روجرز، وفي خضم فضيحة ،ووترغيت اندلعت حرب أكتوبر 1973 وكادت أن تسفر عن مواجهة بين القوى العظمى. وتسبب الدعم الأمريكي الصريح لإسرائيل في حظر نفطي فرضته الدول العربية الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على الولايات المتحدة الاميركية لمدة ستة أشهر. وبفعل هذه العوامل مجتمعة، اضطر كيسنجر - الذي كان يشغل حينها منصب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي - إلى المشاركة في جهود الوساطة.ووترغيت، تمتع كيسنجر باستقلالية غير معهودة في الشؤون الخارجية، وعمل من أجل عقد مؤتمر سلام متعدد الأطراف في جنيف بمشاركة القوى العظمى.خشيت منظمة التحرير الفلسطينية من تهميشها في أي اتفاق شامل. وعلى وجه الخصوص،أفاد ويليام بوقوم، السفير الأميركي في لبنان، وقد تزامنت هذه المساعي مع محاولات حذرة من جانب عرفات ونائبه صلاح خلف (أبو إياد) لإظهار استعدادهما الحضور مؤتمر جنيف. وفي الوقت نفسه، أوضح بوقوم بأن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية كانت مضطرة إلى تهدئة المخاوف في صفوف الفدائيين من أن إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة سوف يعني التخلي عن أهداف المنظمة بعيدة المدى أو خيانتها".ومن أمثلة تلك التطمينات الكلمة التي ألقاها خلف بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 1973 في جامعة بيروت العربية. وقد علم بوقوم من مصدر موثوق بأن وجود المعارضين بأغلبية ساحقة ضمن الحضور اضطر أبو إياد إلى المزج بين الكلام العقائدي المتحجر والمنمق المنسق مع لغة الفدائيين "الثورية"" و "عناصر من الواقعية المفزعة. وقد طمان المصدر بوقوم أن خلف أقر سرا بأنه ملتزم بالتوصل إلى تسوية سلمية ولن يعارض أي اتفاق " مع الملك حسين بغض النظر عن تصريحاته العلنية التي كانت تقول خلاف ذلك. ورغم معارضة جماعات أخرى داخل منظمة التحرير الفلسطينية، ولا سيما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ختم السفير بوفوم بقوله إن قادة حركة فتح وغيرها من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كانت مستعدة للمشاركة في محادثات سلام والقبول ببقايا كيان فلسطيني .لقيت حركة فتح دعما في مسعاها هذا من فصائل رئيسية منها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، فقد دعا الأمين العام للجبهة الديمقراطية، نايف حواتمة، في كلمة له أمام اجتماع حاشد في كانون الأول/ ديسمبر في بيروت لإنشاء كيان وطني مستقل على أي أرض تتحرر من الاحتلال الإسرائيلي، ووصف بوقوم خطاب حواتمة الكيسنجر بأنه رائع" قائلا إنه "أوضح إشارة علنية حتى الآن تدل على أن جال قيادة الفدائيين تتجه أكثر فأكثر للخروج من قوقعتها الحمائية" تحضيرا لمؤتمر السلام.وفي 21 كانون الأول/ ديسمبر 1973 ، انعقد مؤتمر جنيف دون مشاركة سوريا - ولم توجه الدعوة إلى منظمة التحرير الفلسطينية. ورغم أن الاجتماع الأولي لم يسفر عن أي نتائج ذات قيمة، وتعززت هذه الإشارات من وراء الكواليسبواسطة شخصيات فلسطينية بارزة خولها أبو عمار بالتحدث إلى المسؤولين الأمريكيين. وفي الوقت نفسه، واصلت مختلف فصائل منظمة التحرير - بما فيها حركة فتح - عملياتها ضد أهداف إسرائيلية عسكرية ومدنية،وعلى مدار العامين اللاحقين، قادت مفاتحات منظمة التحرير الفلسطينية وتأييد القادة العرب بعض الدبلوماسيين وصاناع السياسة الأمريكيين للدعوة إلى فتح قنوات اتصال رسمية مع المنظمة. وقد حاول روبرت هوتون، القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية ببيروت، أن يبين الفروع المختلفة لمنظمة التحرير في برقية أرسلها في شباط/ فبراير 1974 إلى كيسنجر. معللا ذلك بوجهتي نظرهما بشأن التوصل إلى تسوية نهائية مع إسرائيل والتي كانت نسبيا أكثر واقعية وإيجابية من وجهات نظر معاونيهما المتشددين والكثيرين من أتباعهما .كتب هوتون حتى في عالم الوقواق الخيالي السياسة الفدائيين من الممكن أن نستشف المواقف الأكثر معقولية من حيث ما قد يقبل به بعض قادة الفدائيين في نهاية المطاف من غيرها ونكر هوتون كيسنجر بأنه في مناسبات مختلفة في الماضي كانت هناك إشارات ملموسة إلى أن معظم قيادات فتح العليا تود بطريقة ما أن تشترك بمساعي للتسوية إذا كانت ستنطوي على وعد بإحراز اعتراف أوسع واحترام أكبر الحركة الفدائيين واكتساب امتيازات شخصية مستقبلية لأنفسهم." وبعبارة أخرى، كان قادة منظمة التحرير الفلسطينية مستعدين لإبرام اتفاق طالما يحافظ على مكانتهم وامتيازاتهم . أوضح هوتون أن هدف منظمة التحرير الفلسطينية المتمثل في إقامة دولة ديمقراطية علمانية لا يعني أنها تنظر إليه كإمكانية عملية في المدى القريب أو البعيد. " بل إنه يعكس وعيا بأن مشاركة الفدائيين في مسعى للتسوية وإقامة بقايا دولة فلسطينية في الضفة الغربية / غزة لا يمكن ترويجه في أوساط الجماهير الفلسطينية التي ما انفكت تغذي خرافات العودة و"التحرير" على مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية ما لم تعرض بعبارات متسقة مع تلك التطلعات غير الواقعية الراسخة.