وسلب ما ملكتموه من ديار وأموال، وما هو على حافَات البحار من أنواع الخير - ما يُحقق الاكتفاء الذاتي لهذه الأمة لو أحسنت إدارة شؤونها، وهو أنهم يشاهدون بما أيدي المسلمين، حينما يجتمع الآكلون على القصعة، فهذا يصور به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يكون من السطوة والهجوم الذي يكون من أمم الضلال والتهور الذي يدفعهم لأن يكونوا مندفعين إلى أن يهجموا، طمعًا فيما في أيديهم فيما أفاءه الله جل وعلا من أنواع الخيرات، والمقصود أنهم حينما يتداعون إلى ذلك بلا مانع ولا منازع، لكنهم يجتمعون جميعًا على حرب أمة الإسلام والطمع فيما أفاء الله عليهم؛ ليُبينوا حقيقة هذا الأمر وهذا الحال الذي سيكون قطعًا بخبر مَن لا ينطق عن الهوى؛ هل تصير لنا هذه الحال بسبب قلة أعدادنا وكثرة أعداد أعدائنا؟ فإذا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يجيب إجابة، ونحو ذلك مما يقذف به السيل حينما يسير في الوادي، وفي هذا تشبيه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن هذا العدد يفتقد النوعية والجودة، ولتعلُّقهم بتوافه الأمور، فلا يلتفتون إلى معاليها ولا إلى شريفها، ويُبينها أكثر أن هذا الحال الذي يكون عليه المسلمون من كثرة عددهم وقلة أثرهم، فلا يهابونهم ولا يخافونهم؛ وهو أن يكون الرعب في قلوب الأعداء، ولذلك يكون كما في وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا، بعد أن تذهب همة المسلمين وتقل عنايتهم بدينهم، ويَقِل تعلُّقهم بالآخرة - أن المهابة وهو الخوف والرعب يُزال من قلوب أعدائهم نحوهم، وعلى الضد من ذلك أن الله يعاقب هذا العدد الكبير من أمة الإسلام بعد أن بُيِّن لهم وأُنعِم عليهم، ثم تولَّوْا عما أُمِروا به أن الله سبحانه يقذف في قلوبهم الوهن، وهو أن يكون ثمة تعلق بالدنيا وكراهية للموت، فوصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى وشرحه بأنه ليس هو المعنى الظاهر من كراهية الإنسان الطبيعية للموت، وبُشِّر بما عند الله من الكرامة، وتشوفوا إلى ما عند الله - فلن تكون الدنيا محبوبة عندهم لذاتها، وهم بذلك على نسق ما وصف الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]. فهم في هذه الدنيا رحمة على الجميع؛ وكيف أنهم إن التفتوا إلى الدنيا ولم يقوموا بما أوجب الله عليهم فيها، وهذا المشهد تكرر في أحقاب متوالية في الدول الإسلامية من بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وما حصل للمسلمين في الأندلس بعد أن أقاموا فيها حكم الله، فإنهم في بادئ أمرهم كانوا غير متعلقين بالدنيا، وإنما متعلقون بالآخرة والموت عندهم؛ وأُقيمت على سبيل المثال في الأندلس محاكم التفتيش التي شهدت من أنواع الظلم والبغي والقتل والسجن والتعذيب، فهذا النص النبوي نصح نبوي مصطفوي إلى أمة الإسلام بأن يلتفتوا إلى ما فيه عزهم وشرفهم وحسن عاقبتهم، فإنهم إن فعلوا آتاهم الله الدنيا وحسن ثواب الآخرة. ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، أمَّا بعدُ: ومن رزقك يا رب العالمين، ولكن غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله المهابة من قلوب أعدائكم، كل فيما أمر به، ولا شك أن من أعظم ما يحفظ هيبة المسلمين أن يكونوا مجتمعين، كان تسلط الأعداء، وولوجهم إلى دولهم، ولا يطاعون فيما يخالفون الله تعالى به، وألا تنزع يد من طاعة، حصل من الخيرات ما هو مشاهد منذ أن بدأت الدعوة إلى توحيد الله جل وعلا في هذه الديار، وما حصل من الاجتماع والاستقرار، وإلاَّ فإن الناظر في حال هذه الجزيرة العربية وكِبَر مساحتها، لكنها والله أعلم نية صادقة عنده رحمه الله، فهيَّأ الله هذا الخير، مسؤولية القادة والأجيال في الحفاظ على هذا المسار، هو أن يحققوا الفرقة بين القيادة، بين ولاة الأمر وبين شعبهم، وأنى لهم ذلك بعون الله تعالى؟! ثم بما يكون من الفهم والحكمة التي تكون لدى الناس اتباعًا لشرع الله بالسمع والطاعة بالمعروف؛ ولذلك حذَّر العلماء من أن يُتَدَخَّلَ فيما هو من شأن ولاة الأمر، ولمن تحت أيديهم، وقال: (اللهم مَن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا،