فسمع بذلك ناسك مؤمن بالله ، فحمل فأساً وذهب إلى الشجرة ليقطعها ، فلم يكد يقترب منها حتى ظهر له إبليس حائلا بينه وبين الشجرة وهو يصيح به : - مكانك أيها الرجل! لماذا تريد قطعها ؟ - وما شأنك بهم ؟ دعهم في ضلالهم ! = إنهم ليسوا أحرارا إنهم يصغون إلى وسوسة الشيطان . - أوتريد أن يصغوا إلى صوتك أنت؟ = أريد أن يصغوا إلى صوت الله . - لن أدعك تقطع هذه الشجرة . فأمسك إبليس بخنّاق الناسك ، وقبض الناسك على قرن إبليس ، إلى أن انجلت المعركة بانتصار الناسك ، فقد طرح الشيطان على الأرض وجلس على صدره وقال له : - ما كنت أحسبك بهذه القوة ، فأخلى الناسك سبيل إبليس وكان الجهد الذي بذله في المعركة قد نال منه فرجع إلى صومعته واستراح ليلته . حمل فأسه وذهب يريد قطع الشجرة ، = قلت لك لا بُدَّ لي من أن أقطعها . - أوتظنك قادراً على أن تغلبني اليوم أيضا؟ = سأظل أقاتلك حتى أعلي كلمة الحق . فأمسك الناسك بقرنه وتقاتلا وتصارعا إلى أن أسفرت الموقعة عن سقوط الشيطان تحت قدمي الناسك فجلس على صدره وقال له : - حقاً إنّ قوتك لعجيبة دعني وافعل ما تريد . وذهب إلى صومعته واستلقى من التعب والإعياء حتى مضى الليل وطلع الصبح فحمل الفأس وذهب إلى الشجرة فبرز له إبليس صائحا فيه: = أبدا لا بُدَّ لي من قطع دابر هذا الشر. وقال له بلهجة الناصح المشفق : - أتعرف لماذا أعارضك في قطع هذه الشجرة ؟ إني لا أعارض إلا خشية عليك ورحمة بك فإنك بقطعها ستعرض نفسك لغضب الناس من عبّادها ، ما لك وهذه المتاعب تجلبها على نفسك ؟ أترك قطعها وأنا أجعل لك في كل يوم دينارين تستعين بهما على نفقتك . ووضع إبليس يده بيد الناسك وتعاهدا ، وانصرف الناسك إلى صومعته وصار يستيقظ كل صباح ويدس يده تحت وسادته فتخرج بدينارين حتى انصرم الشهر . وذات صباح دسّ يده تحت الوسادة فخرجت فارغة … لقد قُطع عنه فيض الذهب ، فغضب الناسك ونهض فأخذ فأسه وذهب ليقطع الشجرة فاعترضه إبليس في الطريق وصاح به : = إلى الشجرة أقطعها . - تقطعها لأني قطعت عنك الثمن !؟ = أتهزأ بي أيها اللعين ؟ = أنت الذي يقول هذا أيها الكاذب ؟ - أين قوتك الآن أيها الرجل؟