إن عملية الاتصال البشري تبدأ منذ ولادة الفرد وخروجه إلى الحياة ، فالصرخة الأولى للطفل تعبر تعبيرا رمزيا قويا على أولى الاتصال الذي يتم مع العالم الخارجي ، وبهذا المعنى يمكن أن نفهم أن الاتصال علاقة تقوم بين عنصرين مهما كان نوعهما وهذا ما سيتم معرفته باستعراض الفصل الرابع من هذا المقياس .1) مفهوم الاتصال وطبيعته : يبدو ميدان الاتصال واسع جدا ، فهم موضوع نجده ضمن العديد من العلوم وبمداخل منهجية مختلفةوعلى اختلاف التناولات المتعددة للاتصال سيكون من الصعوبة تحديد مفهوم الاتصال وطبيعته تحديدا دقيقا ، ذلك أن كل العلوم تتناوله وفق مقاربتها الخاصة ومنهجيتها ، لكن هذه الأطر والمقاربات تتعرض لموضوع الاتصال منطلقة من زاوية واحدة هي: "اعتبار الاتصال ينطلق في المعالجة من اعتباره عملية من عمليات الربط بين عنصرين أو جماعتين أو مجموعة عناصر، وبذلك ترتد طبيعة الاتصال دائما إلى نوع أو طبيعة العناصر التي تقوم على أساسها عملية الاتصال". فقد نجد مثلا الاتصال في مجال المادة أو في مجال الحياة ومجال الحيوان، والذي يهمنا طبعا هو كيف يحدث الاتصال الإنساني أو البشري .1-1) الاتصال لغة : يعرف قاموس لاروس الصغير (1974) الاتصال بأنه :"القيام بإيصال شيء معين : رأي-رسالة-معلومة"1-2) الاتصال اصطلاحا: يعرف شانون(SCHANON) 1949 الاتصال بأنه:" عبارة عن مرسل (E) يرسل رسالة (M) إلى مستقبل (R) في شكل رموز (cd) وبواسطة قناة(Cn)تعريف بيرون (1968)(PIERON) : الاتصال هو نقل المعلومة معينةتعريف موسكوفيسي (1984)(MOSCOVICI):" ظواهر الاتصال الاجتماعي هي تلك الرسائل اللغوية وغير اللغوية (صور-ايماءات) المتبادلة بين الأفراد والجماعات والاتصال وسيلة لنقل المعلومات والتأثير على الآخرين"تعريف نوربار سيلامي(1996)(N.Silamy)يرى بأن الاتصال هو العلاقة بين الأفراد. فالاتصال هو قبل كل شيء إدراك ، ويستلزم نقل مقصود أو لا لمعلومات تهدف إلى الإخبار أو التأثير على الأفراد أو مجموعة من المستقبلين، لا يختزل الاتصال في نقل المعلومات بل يحدث أيضا رد فعل من المستقبل واستجابة من المرسل (أي كلاهما يؤثر في الآخر).يمكن تعريف الاتصال على أنه : انتقال المعلومة أو الأفكار أو الاتجاهات أو العواطف من شخص أو جماعة إلى شخص أو جماعة أخرى من خلال الرموز.2) أهمية الاتصال في التنشئة الاجتماعية : تزداد أهمية الاتصال في حياة الفرد داخل جماعته الأولية والثانوية تبعا للدور الذي يلعبه الاتصال في بناء علاقات الفرد داخل الجماعة الواحدة وبين الجماعات المختلفة . ويلعب الاتصال في ميدان التنشئة الاجتماعية الدور الأساسي في نقل ثقافة المجتمع نقلا صحيحا وسليما ، ويمكن إبراز ه>ه الأهمية بالنسبة لعمليةالتنشئة الاجتماعية فيما يلي : وهي كل رسالة تتضمن اتجاها نحو التأثير في المرسل إليه،* يحدث الاتصال التأثير في السلوك من خلال الكلام، الإشارة أو غيرها من أدوات الاتصال.* يتضمن الاتصال التفاعل الاجتماعي وبالتالي تتشكل عناصر ذات تنظيم نفسي-اجتماعي لدى الأفراد والجماعات مثل : الإحساس ، الإدراك ، التصورات،* الاتصال في المؤسسات التربوية ذو تأثير إيجابي إ> يقود إلى تكوين شكل من العلاقات بين القائمين على التنشئة الاجتماعية والمستهدفين منها.ومنه هنا يمكن أن نصل إلى استنتاج يتعلق بالاتصال كصيرورة من صيرورات التنشئة الاجتماعية باعتباره يقوم على ثلاث مستويات هي :- الاتصال الشخصي : ويمثل التفاعل المتبادل بين شخصين أو ثلاثة- الاتصال الجماهيري: ويرتبط بمواقف التفاعل بين عدد كبير من الأشخاص ويتجه عادة إلى جمهور كبير غير متجانس ويستعين بوسائل لنقل المضمون (كالصحف، الكتب،3) النظريات المفسرة للاتصال :يُعد موضوع الاتصال من أهم المواضيع التي عني بها الكثير من العلماء على مختلف توجهاتهم العلمية وعلى اختلاف تخصصاتهم ، فهو موضوع مشترك بين الكثير من العلوم السلوكية وحتى الفيزيائية منها ، فنده في علم النفس كما نجده في علم الاجتماع ونجده في الاتصال كما نجده في الاقتصاد ، وجدير بالذكر في هذا المقام أن نشير إلى أن النظريات التي فسرت الاتصال كثيرة وما يهمنا هو عرضها في إطار المعرفة بها ، ومن أهم هذه النظريات :نجد : * نظرية هارولد لاسويل H.LASWEL: لقد حاول هارولد تشخيص الاتصال تبعا لعمله في مجال الدعاية سنة 1948،- القناة- الجمهور (المستقبل)- الأثرحيث أن لاسويا لم يهمل القناة ولا الأثر حيث لاحظ العلماء أنه لم يَف جديدا في عملية الاتصال وإنما طور ما أتى به أرسطو ومن سبقوه في تناولهم لعملية الاتصال .* نظرية كلود شانون وويفر SHANNON et WEAVER:قاما كلود شانون بدراسة المشكلات الهندسية لإرسال الإشارات في شركة "بيل للهاتف" ونشرا كتابهما الأول " النظرية الرياضية للاتصال" حيث يصفان الاتصال بكونه:" يستعمل بصورة واسعة لتشمل جميع الطرائق التي يمكن أن يؤثر بها عقل على آخر ، وهذا بالطبع لا يشمل الكلام المكتوب والمنطوق فحسب لكنه يشمل أيضا الموسيقى والفنون التصويرية….تظهر عملية الاتصال عند شانون وويفر بعناصر ستة :- مصدر المعلومة- المرسل- القناة- المستقبل- الهدف- مصدر الضوضاءويقصدان بذلك أن مصدر المعلومة هو الذي يختار رسالة معينة ، ثم يحول جهاز الإرسال تلك الرسالةإلى رموز ترسل بواسطة قناة سلكية والإشارة تيار كهربائي متغير في السلك ، والمرسل هو مجموعة الأجهزة التي تحول الصوت إلى ذبذبات التيار الكهربائي ، حيث يقصدان أن أي تشويش يتداخل مع إرسال الإشارة من مصدرها إلى هدفها كالتشويش في جهاز الراديو أو الهاتف، أو الضباب ،لقد انطلقا في دراستهما في إشكالية مفادها أن المعلومات المقدمة عن طريق الوسائل الجماهيرية لا تصل كما ينبغي ،- من خلال محاولتهما في البحث عن سبب عدم وجود ذلك الأثر تمكن الباحثين من تطوير وجهة نظرهما التي توضح الصلة بين الحركة الديناميكية الذاتية ووسائل الاتصال الجماهيري . والأطفال بوالديهم …الخ*الوسائل الجماهيرية*قادة الرأي *الجمهور*المصدر* نظرية ديفيد بيرلو Davids Berlo :ويطلق عليها "عناصر الاتصال ، حيث يقدم ديفيد بيرلو في كتابه " عملية الاتصال " نموذجا بسيطا وشاملا لعملية الاتصال البشري حيث يستند على شكل SMCR التي تعبر على " المصدر، الرسالة ، قناة، المستقبل " ، حيث كل عنصر له تأثيرات مختلفة من العوامل التي تؤثر في حدوثه- المصدر : source ويرمز له بالرمز (s) ويتضمن خمسة عوامل تؤثر فيه : هي* المهاتات* الاتجاهات النفسية* مستوى المعرفة* النسق الاجتماعي* الثقافة - الرسالة Message ويرمز لها بالرمز (M) وتتضمن هي الأخرى خمس عناصر :* العناصر* المحتوى* الرمز أو الرموز* المعالجة- المستقبل Récépteure ويرمز له بالرمز (R) ويتضمن هذا العنصر القدرة على الإنصات بكل الوجدانات ، والقراءة بالتعاطف والتفكير بوضوح، وبالإضافة إلى اتجاهات المستقِبل نحو نفسه ونحو الرسالة ونحو المصدر أيضا , ، كما يتدخل في هذا العنصر مستوى معرفة المستقبل والنسق الثقافي والاجتماعي الذي يوجد فيه ، وكل هذه الأمور تؤثر في مدى مقدرة المستقٍبل على تفسير وفك رموز الرسالة .* نظرية تيودور نيوكومب Newcom في عام 1961 قام العالم تيودور بتطوير نموذج آخر للاتصال ونشره في كتابه" عملية التعرف " وكان هدفه من هذا النموذج أن يصف ما يحدث بين شخصين حدث تقارب بينهما، حيث انطلق من فكرة الاتساق أو التوازن المؤمنة بأن الناس بحاجة إلى المحافظة على انسجام مشاعرهم ومعتقداتهم وسلوكاتهم .تسمى بنموذج التتابع المتكامل أو المتسلسل ، عملية الاتصال في هذه النظرية تتضمن ست خطوات متسلسلة بالنسبة لشخصين على الأقل في موقف معين سواء كان يتحدثان أو يستخدمان الإشارات اليدوية أوأية وسيلة أخرى للإتصال هي :- خطوة التفكير : " لا يبدأ الحديث حتى يسبقه التفكير "خطوة الترميز : " لا تنقل الرسالة حتى تقوم بترميزها "- خطوة النقل : خطوة مسار الرسالة "اختر الوسيلة المناسبة والمتحررة من المشتتات لنقل الرسالة"- خطوة الاستقبال: " لاترسل الرسالة لجمهور ما لا يحسن استقبالها "- خطوة فك الرموز" لا ترسل رسالة لجمهور لا يشترك معك في رموزها "- خطوة الفعل : " تأكد من وصول رسالتك بالرموز التي تقصدها"* نظرية إيفيريت روجرز ولورانس كينكايد :تعتبر نظرية روجرز وكينكايد من أحدث ما كُتب في مجال الاتصال حيث نشرا في كتابهما" شبكات الاتصال " نموذج التقارب الاتصالي الذي اصطلح عليه " نموذج التلاقي للاتصال" حيث ركزا على أهمية المعلومات والطريقة التي يرتبط بها الأفراد في شبكة اجتماعية ، وفي هذا الصدد وصفا الاتصال بأنه "العملية يختلق فيها الأفراد معلومات متبادلة ليصلوا إلى فهم مشترك ، وهذه العملية الدائرية تستدعي إعطاء معاني للمعلومات المتداولة بين اثنين أو أكثر من الأفراد أثناء تحركهم نحو التلاقي " .فالواقع أن عملية الاتصال حسب نموذج التلاقي أو التقارب الاتصالي تعبر على صيرورة لتبادل المعلومات بين طرفين أو مجموعة أطراف بغرض تحقيق هدف فهم مشترك بينهم ، وعليه يمكن إدراك العناصر الأساسية للاتصال ضمن سياق هذا النموذج :- الفهم المشترك- السياق العام أو سير عملية الاتصال4) نموذج الاتصال الناجح أو العوامل العامة في عملية الاتصال:4-1) الاتصال كوضع تقني:لقد عرف النموذج الذي وضعه (SCHANON) عام 1952 في إطار نظرية الاتصال نجاحا كبيرا، أي كيف يمكن نقل رسالة بأقل تكلفة وأكبر نجاعة ممكنة .يعرف (SCHANON) الاتصال على أنه انتقال الرسالة من مكان إلى آخر ويمكن تمثيل هذه السيرورة في التصميم التالي:*فك الشفرة*مستقبل*مرسل*الأثر الرجعيشكل -1- يمثل نظرية (SCHANON)تفسير الشكل :تثبت الرسالة وتنقل بواسطة سند مادي يدعى "قناة الاتصال" وهكذا تصل الرسالة إلى المستقبل الذي يقوم بعملية فك الشفرة فيتمكن من فهم الرسالة (Message) ولكي يكون هذا النسق فعالا لابد من توفر نوع من الضبط وتعديل معالجة الأخطاء ويتم هذا بواسطة الأثر الرجعي (Feed-back).نقد نموذج (SCHANON) : لقد وجه لهذا النموذج نقدين هما:- هذا النموذج يتجاهل تماما أن الاتصال يقوم به الأفراد أو الجماعات أي يقوم به منفذين تتدخل على مستواهما عوامل نفسية وإلزام اجتماعي وأنساقا من القيم والمعايير .- يطرح هذا النموذج الاتصال كسيرورة خطية وتسلسلية .4-2 ) العوامل النفس-اجتماعية للاتصال:الاتصال من وجهة نظر نفس– اجتماعية هو:" مجموعة السيرورات التي عن طريقها تحدث تبادل المعلومات والدلالات بين الأشخاص في وضعية اجتماعية معينة .وبما أن الحديث عن تبادل المعلومات والدلالات ؛ فسيرورات الاتصال هي بالتالي اجتماعية وهي تعتمد وتحدد من طرف ظواهر التفاعل .كل اتصال هو تفاعل ، وبالتالي فهو يتقدم في شكل ظاهر دينامية تحدث تحولا، أي أن الاتصال يدخل ضمن سيرورة تأثير بين الممثلين أو الفاعلين الاجتماعيين ، إذن لا يوجد هناك مرسل ومستقبل وإنما متحدثين في تفاعل. لا يمكن فهم الاتصال على أنه مجرد سيرورة بسيطة للإرسال ، ولأنه قائم على أساس التفاعل فهو دائما تعامل بين المتحدثين ، ويتم الإرسال والاستقبال في نفس الوقت (متواقتان ومتزامنان) فالمرسل هو في نفس الوقت مرسل ومستقبل ، وليس مرسلا أولا ثم مستقبلا لاحقا (والعكس صحيح) الاتصال هو فعل اجتماعي وقد يكون"إراديا" أو" لا إراديا" ، "شعوريا" أو"لا شعوريا" ومهما يكن فهو من بين الأفعال المؤسسة للرباط الاجتماعي(Lien social).4-3) العوامل المحددة للاتصال :يسمى هؤلاء المرسل والمستقبل عند (SCHANON) أو المتخاطبين عند أصحاب النظرية النفسية الاجتماعية وهم معنيون بثلاث أنواع من العوامل :كل فرد يتصل هو منخرط مباشرة في الوضعية فهو ملتزم ونسق حاجاته يحدد دوافعه(Feetchak,1996) وقد تكون هذه الدوافع ظاهرة أو ظمنية أو لا شعورية ولكي نفهم العوامل النفسية التي تؤثر على ممثلي الاتصال يمكن استوحاء النموذج الذي اقترحه Liwin (1959) لتفسير سلوكات الأفراد. فمبادئ النشاط النفسي حسب لوين Liwin المتأثر جدا بالنماذج النابعة من الفيزياء فكرة أن كل فرد يعمل كعضوية خاضعة لمجموعة من القوى ، وقد يكون مصدر هذه القوى خارجي (الضغوط التي يولدها المحيط) أو داخلي (مرتبط بتاريخ الشخص وانخراطه في الوضعية ) . إن مجموعة القوى الممارسة على الفرد تخلق حاجات وهذه الأخيرة تولد توترات فكل فرد يمكن اعتباره عضوية تحت الضغط والتوترات هي التي تنتج لنا السلوكات، وتهدف هذه الأخيرة إلى تقليص التوترات وإشباع الحاجات المولدة من طرف نسق القوى الخارجية والداخلية.قوى داخليةحقل اجتماعي قوى خارجية حاجات توترات سلوكشكل-2- يمثل مبدأ النشاط النفسي حسب Liwinالسلوك هو نتاج القوى التي تمارس على العضوية في لحظة معينة ، ويمكن أن تكون هذه القوى على طبيعتين:1- قوى موجبة: وتخلق هذه القوى توترات إيجابية ، ومن ثم نمط معين للسلوك يهدف إلى حل التوترات الايجابية، وهو سلوك الاقتراب .2- قوى سالبة :تتمثل في حاجات التراجع عن المواضيع وعدم الالتقاء مع هذا الشخص أو ذاك أو عدم التعرض لحدث معين وتخلف هذه القوى السالبة سلوك التفادي .قوى موجبة توترات موجبة سلوك الاقتراب(C.d’aproche)قوى سالبة توترات سالبة سلوك التفادي(C.d’evitement)شكل-3- يمثل نمطا السلوكوهكذا بالنظر إلى مجموع القوى الداخلية والخارجية ، الموجبة والسالبة ، الممارسة على الممثلين يمكن اعتبار أن هدف الممثلون في كل وضعية اتصال هو هدف مزدوج:- الوصول إلى بعض الأهداف- تفادي الوقوع في وضعية مهددة (لذاته ومركزه…الخ).ولفهم سلوك الممثلين أثناء الاتصال لابد من تحليل صعب يهدف إلى البحث عن الدوافع الحقيقية لسلوكاتهم أي الإجابة على هذين السؤالين :- ما لذي يبغي الفرد الوصول إليه؟- ما لذي يبغي الفرد تفاديه؟إن الفرد الذي يبث رسالة قد يبثها للوصول، في آن واحد، إلى الهدف الظاهر للاتصال ولكن أيضا لتفادي بعض العناصر التي تخلق له مشكل، وهو سيقوم شعوريا أو لا شعوريا بانتقاء وترشيح المعلومة التي يود إرسالها. فالرسالة لا تصمم فقط وفق ما هو "هام للإرسال"وإنما أيضا وفق مشاكل المرسل نفسه. إن كل اتصال يعتمد أو ينتج نسق تحكم وتحويل وترشيح أو انتقاء للمعلومات وهو إن بدا"لاإراديا" إلا أنه في معظم الأحيان "لاشعوري" . ومن بين السيرورات المستعملة في الاتصال توجد اثنتان أكثر شيوعا وأهمية :1- الميكانيزمات الإسقاطية :تظهر ظواهر الإسقاط بشكلين في الاتصال :- دمج تفكير الآخرين في تفكيره :أي إسقاط أحاسيسه على الآخرين ويصبح يرى أن الآخرين يفكرون مثله ، وهذا النوع من الدمج هي إحدى الأسباب الأساسية في الـ:"لا اتصال "(Non communication) فهو لم يعد يأخذ في الاعتبار اختلاف وخصوصية مخاطبه وبالتالي لا يعير الاهتمام لخصائصه المعرفية الوجدانية .- إعطاء الآخرين مواقف لتبرير أحاسيسه وسلوكاته نحوهم:فقد يتهمهم بالعدوانية (غير موجودة في الحقيقة) وفي الواقع هي عدوانيته التي يسقطها عليهم حتى يبرر موقفه السلبي أو الرافض للاتصال .2-الميكانيزمات الدفاعية :إذا كان إرسال أو استقبال معلومة معينة في وضعية معينة سيحدث خلل في التوازن الداخلي للفرد ،يقوم الفرد بتنظيم المعلومة أو الرسالة بالكيفية التي تلاءم البنية السابقة لمواقفه، بمعنى أن كل معلومة لا تتوافق مع نسق القيم والمعايير ونسق العلاقات المقبولة ، وتهدد نسق مواقفه الخاصة ، ونظرته للعالم ستؤدي لا محالة إلى ظهور ميكانيزم دفاع هدفه حماية النسق الوظيفي الشخصي أو الإيديولوجي، ويمكن ملاحظة أربعة ميكانيزمات دفاعية في وضعيات الاتصال وهي :* الحذف:scotomisation) هي السيرورة المتمثلة في حذف أو إزالة معلومة محرجة وذلك بعدم إدراكها على الإطلاق، والحذف يشبه المرشح الانتقائي الذي لا يسمح بمرور سوى المعلومات المتوافقة،* التذكر الانتقائي(Mémorisation sélective) :هو ميكانيزم معروف أيضا إذ بمجرد استقبال المعلومة المسببة مشكل للشخص ، حتى تُنسى مباشرة، على أن ميكانيزمات الذاكرة ليست سيرورة بسيطة ،* التفسير الدفاعي(Interprétation défensive):يتمثل في إعطاء معنى للمعلومة يختلف عن معناها الحقيقي ويكون متوافق مع ما يريده الشخص. وفي هذه الحالة تستقبل المعلومة وتخزن في الذاكرة لكنها تحول إلى معنى متوافق وتوقعات ونسق مواقف الشخص.* نفي سلطة المصدر (Négation de l’autorité de la source) :إذا تسببت المعلومة في خلق مشكل لدى الفرد فسيقوم بالحط من قيمتها وذلك بالتشكيك في سلطة وكفاءة وحسن مرسلها (مصدر المعلومة) وتفقد المعلومة مكانتها لما يحط من قيمتها ويمكن بالتالي تجاهلها أو حذفها .ب‌) العوامل المعرفية :ممثلو الاتصال هم من يحددون ، بفضل شخصيتهم ووجدانهم ونمط نشاطهم المعرفي النسق المعرفي ونسق التصور .النسق المعرفي :بمعنى تنظيم نشاطهم العقلي والذهني فكل شخص محدد بنسقه المعرفي الخاص به أي بنمط معين من التفكير والتنظيم ومعالجة المعلومة .إن أصل هذا النسق المعرفي هو نمط التكوين الذي تلقاه فيما سبق وهو نشاط معرفي فردي واجتماعي.لقد أظهرت البحوث في العشريتين الماضيتين عن المعرفة الاجتماعية أن النشاط المعرفي مرتبط ارتباطا وثيقا بالسياق الاجتماعي الذي يوجد فيه، وأن تحليل المعلومة ذات الطبيعة الاجتماعية يقوم على قواعد خاصة (وجود وسائط معرفية سيرورة التصنيف الاجتماعي، نسب السببية…الخ ).وفي الاتصال يحدد النسق المعرفي للمتخاطبين اللغة المستعملة أي شفرة الاتصال، كما يحدد كذلك التنظيم المنطقي وتفسير الرسائل لكي يكون الاتصال فعالا لا بد أن يكون على الأكثر نمط النشاط المعرفي مشتركا.أما تصميم الرسالة فلا بد أن يعتمد على معرفة النسق المعرفي للشخص المستقبلنسق التصور:التصور هو المجموعة المنظمة من المعلومات والاعتقادات، والمواقف والآراء التي يكونها الفرد أو الجماعة حول موضوع معين ، التصور ناتج وسيرورة نشاط عقلي يقوم فيه الفرد أو الجماعة بإعادة تشكيل الواقع الذي يصادفه وإعطائه دلالة خاصة ، إذن لا يوجد في النشاطات الإنسانية واقعا موضوعيا ، فكل واقع هو تصور أي شيء ممتلك وأعيد بناؤه في النسق المعرفي .ت‌) العوامل الاجتماعية:1- الأدوار والمكانة الاجتماعية :تحدد المكانة الاجتماعية بالموضع الذي يأخذه الفرد في نسق اجتماعي معين وفي لحظة معينة ، فهي إذن موضع اجتماعي يمكن معلمته موضعيا . وحسب مكانته يطور الفرد عددا من الأدوار الاجتماعية ويطور السلوكات والمواقف والاتجاهات التي يراها مناسبة لمكانته ، وبالأحرى سيتبنى السلوكات التي ينتظرها الآخرون منه انطلاقا من مكانته.