قاربت الفلسفة على مدى تاريخها العريق معنى «جودة الحياة» في معانٍ مختلفة لا تبتعد كثيرًا من جوهر المفهوم المعاصر وغاياته الإنسانية، إذ بدأ تجلي مفهوم جودة الحياة في الكتابات الفلسفية قديمها وجديدها منذ أرسطو وأفلاطون حتى عصرنا الحالي، في عدم تركيزه على المصطلح ذاته بل ما يؤدي إليه في المعنى، فما زال المفهوم يمتُّ بمرجعيته إلى الحقل الاقتصادي والمادي على الرغم من محاولات تبيئته في حقل الدلالات النفسية والقيمية والاجتماعية. منذ أرسطو وأفلاطون مرورًا بفلسفات ونظريات الفلاسفة الإسلاميين مثل: الفارابي وابن مسكويه وابن خلدون، حلمَ الفارابي بمدينته الفاضلة ومن قبله أَسَّسَ أفلاطون معالمَ جمهوريته، والسعادة التي عناها كل منهما هي السعادة العقلية والروحية ولم يربطاها بمادة أو بشيء ما خارج حدود العقل والنفس، أسس لدولة تقوم فيها جودة الحياة التي هي جودة عقلية ونفسية (من الروح) ضمن حدودها المقترحة على «العمل الجاد، والفلاسفة هم أعظم أجزائها، المُتمثّلة في أن الحكمة أي الفلسفة هي مصدر كل السعادات، فهذا يعني أن التقنية قادرة بالفعل على إنتاج السعادة، أي هي ذاتية قبل أن يصبح الموضوع منتجًا لها فمن هنا تبدو نسبيتها، أما حسب الفيلسوف الفرنسي آلان باديو الأقرب إلى الألتوسرية (فلسفة لوي ألتوسير)، فالسعادة عنده لا وجود لها في عالمنا المعاصر، أي سعادة اللذات الحسية والمادية الفردية: سعادة الاستهلاك، تكون بالعودة إلى النفس، أو يحصل عامل على زيادة في دخله، وكما يقول الفيلسوف الروماني لوكريتيوس فإن هذه السعادات الصغرى على أهميتها لا تنتهي، واللافت إقرار عمانويل بأن السعادة هي دائمًا غير مستديمة ووقتية، عندما نُخرج هنا المفهوم من قشرته الذاتية الفردية (السعادة والرضا واللذة والمتعة) إلى دائرته الكبرى يتجذّر معنى الجودة في محددات منظومية وأقاليم حياتية متعددة، إذًا في مقاربتنا لمعنى جودة الحياة في واقعٍ معين أو بيئة حضرية محددة يتجه بنا القول إلى الخروج من التجريدات الفلسفية النظرية، لنذهب مباشرةً إلى الملموس المجسد في الواقع العملي، لكي يصبح لمعنى جودة الحياة معنى حقيقي له استحقاقاته وضروراته الفعلية والعملية وحقوقه الذاتية والموضوعية معًا في غير انفصال. التي من دون تحققاتها وتجليها في الواقع المجتمعي لا يمكننا أن نقطف ثمارًا لمعنى جودة الحياة: الحق في تنوع وتوسّع الترفيه وحريته.