لكنها سرعان ما تسمرت مذهولة عندما وقعت عيناها على الطفلة الغريبة ذات الثوب الزري الكريه والجديلتين الحمراوين الطويلتين والعينين اللتين يشع فيهما بريق اللهفة. "لم يكن هناك أي صبي، " أجاب ماثيو باستسلام، لم يكن هناك صبي! ولكن لا بد من وجود صبي، "لقد أرسلنا كلمة للسيدة سبنسر لتجلب لنا صبياً . وبدلاً من ذلك أحضرت هذه الفتاة كما فهمت من مسؤول المحطة. وفي جميع الأحوال كان علي أن أحضرها معي إلى البيت إذ لا يمكن تركها وحيدة هناك، ثم أدركت فجأة معنى ما كان يُقال، " أنتم لا تريدونني لأني لست صبياً! كان يجدر بي توقع هذا فلا أحد أبداً أرادني من قبل. كان يجب أن أعلم أن كل ما جرى هو أروع من أن يدوم. جلست على كرسي إلى جانب الطاولة، مخفية وجهها بهما، نظر ماثيو وماريلا إلى بعضهما بحيرة من فوق الموقد حيث كانا يقفان، ولم يدر أحد منهما ماذا يفعل أو يقول أخيراً توجهت ماريلا نحو الطفلة في محاولة مترددة منها لرأب الصدع. بلى هناك داع للبكاء" رفعت الفتاة رأسها بسرعة، أنت أيضاً قد تبكين لو كنت يتيمة ثم قصدت مكاناً تظنين أنه سيكون بيتك، ثم تكتشفين أن أهله لا يريدونك لأنك لست صبياً . فجأة لانت قسمات وجه ماريلا العابس كاشفة عن تعبير ما ، يكاد يشبه ابتسامة متمنعة شبه صدئة من قلة الاستعمال. هيا، ما اسمك؟"ترددت الطفلة للحظة، إنه ليس اسمي فعلاً، لا أفهم ما الذي تعنينه بكلامك. ثم أردفت: "ولكن، أرجوك نادني كورديليا، إن الأمر لن يكون ذا أهمية بالغة بالنسبة إليك في أن تناديني بأي اسم ما دمت لن أبقى هنا إلا مدة قصيرة، هراء. آن اسم لطيف وسهل أيضاً، ولكني أحب اسم كورديليا أكثر. ولطالما تخيلت أن اسمي كورديليا . هذا على الأقل ما فعلته في السنوات الأخيرة. عندما كنت صغيرة اعتدت على تخيل أن اسمي هو جيرالدين، أما الآن فأنا أحب اسم كورديليا أكثر. ولكن إذا كنت تصرين على مناداتي باسم أن أرجوك مدي الألف وأشبعي النون عند لفظه. وأي فرق هناك بمد الألف أو عدم مدها وبإشباع النون أو عدم إشباعها ؟" سألتها ماريلا وقد لاحت على وجهها ابتسامة أخرى صدئة بينما كانت تتناول إبريق الشاي. هناك فرق كبير جداً. وسيبدو شنيعاً. ولكن عندما نقول أن ونمد الألف ونشبع النون يصبح الاسم مميزاً فعلاً. يا أن، مع مد الألف وإشباع النون، أيمكنك أن تخبرينا كيف وقع هذا الخطأ؟ لقد بعثنا كلمة إلى السيدة سبنسر لتجلب لنا صبياً. إن هناك وفرة منهم. لكن السيدة سبنسر أكدت على أنكما تریدان بنتاً في حوالي الحادية عشرة من العمر، ورأت القيمة على الملجأ أني أفي بالغرض. بل إن شدة فرحي منعتني من النوم الليلة الماضية. ما الذي تعنيه بحق السماء؟ سألت ماريلا ماثيو وهي تتفرس فيه "إنها . أعدي الشاي ريثما أعود. وهي جميلة جداً وذات شعر بلون البندق. خلعت آن قبعتها باستكانة. لكن أن لم تستطع الأكل. ورغم أنها حاولت قدر جهدها قضم لقيمات الخبز بالزبدة، كان بالقرب من طبقها، أنت لا تأكلين شيئاً، لا أستطيع، فأنا غارقة في أعماق اليأس. ولذلك لا أستطيع إفادتك بشئ عن هذا الموضوع ردت ماريلا متجاوبة مع الطفلة. "لم يسبق لك ذلك؟ حسناً، لم أفعل. وعندما تحاولين الأكل تعترض حلقك غصة ما، تحول بينك وبين ابتلاع أي شئ حتى لو كان ذلك الشئ قطعة حلوى من الكراميلة. وكانت بكل بساطة لذيذة. وكثيراً ما حلمت أثناء نومي أنه لدي الكثير من هذه الحلوى، ورغم أن هذا الطعام شهي جداً، الذي لم يتفوه بكلمة منذ عودته من الحظيرة. يستحسن أن تضعيها في الفراش التخلد إلى النوم يا ماريلا. وبكل تأكيد، ولم تبق هناك خيارات أخرى سوى السقيفة الشرقية. وهكذا أشعلت ماريلا شمعة وطلبت من أن أن تتبعها، ثم اكتشفت أن نظافة الغرفة الصغيرة التي وجدت نفسها فيها تفوق نظافة تلك الردهة . ثلاثية الزوايا ونحت غطاء السرير. آن، نعم لدي قميصان للنوم صنعتهما لي القيمة على الملجأ. إذ لا يوجد أبدا من المال ما يكفي للاهتمام بكل شئ في الملجأ. على الأقل في ملجأ فقير مثل الملجأ الذي كنت فيه. أنا أكره قمصان النوم الرئة. ولكن ألا يشعر المرء بالسلوى عندما يكون قادراً على تخيل نفسه وهو يرفل بقمصان نوم جميلة لها ياقات مكشكشة؟ هيا، اخلعي ملابسك بأقصى سرعة واخلدي إلى النوم. فأنا لا أجرؤ على ترك مهمة إطفائها لك. وشعرت أن تلك الجدران المحلقة بها كانت تتوجع من عريها . وفي إحدى زوايا الغرفة استقر سرير عال قديم الطراز، غير أنها كانت صلبة لدرجة تؤهلها لأن تعقف رأس أجراً الدبابيس وأكثرها حدة. وفوق الطاولة، أما النافذة فكانت تقع في منتصف المسافة بين الطاولة والسرير، كانت الغرفة بمجملها توحي بقسوة تعجز عن وصفها الكلمات مما بعث الرعدة في أوصال أن التي زفرت وخلعت ملابسها على عجل، وسرعان ما ارتدت قميص النوم البالي، وقفزت إلى السرير حيث دفنت وجهها في المخدة وسحبت الغطاء فوق رأسها . عندما عادت ماريلا لتأخذ الشمعة، لم يكن في الغرفة ما يدل على وجود شخص آخر غيرها إلا المظهر الأهوج الذي بدا عليه السرير، وكومة الأسمال الرئة التي خلعتها أن وتركتها ملقاة على الأرض بعشوائية. وحطتها بعناية على كرسي أصفر أنيق، كان ماثيو يدخن الغليون، مما دل بشكل قاطع على تشوش ذهنه كان نادراً ما يدخن، لكن ماثيو كان في أوقات معينة وفصول معينة يشعر برغبة لا تقاوم في التدخين. وفي مثل هذه الظروف كانت ماريلا تغض النظر، مدركة أنه يحق للمرء في بعض الأحيان أن يجد لنفسه وسيلة ما ينفس بها عن مشاعره. وهذه هي نتيجة إرسالنا كلمة شفوية بدلاً من ذهابنا بأنفسنا. لا بد أن أنسباء روبرت سبنسر حرفوا تلك الرسالة بطريقة ما . أظن هذا ، قال ماثيو مكرهاً. ومن المحزن فعلاً أن نعيدها إلى الملجأ في حين انصبت جميع أمالها على البقاء هنا. " "مــــــــــاثيو كتبيرت، أنت لا تعني القول إنه ينبغي لنا الاحتفاظ بها . لا أظن أني أعني هذا ليس تماماً تأتأ ماثيو، بعد أن حشرته كلماته في الزاوية. ولكني أرى أنه يمكننا الاحتفاظ بها . ثم أي نفع هو هذا الذي ستعود به علينا؟ يمكن أن نكون نحن نافعين لها أجاب ماثيو على نحو مفاجئ غير متوقع. إنها، مخلوق صغير مشوق أجاب ماثيو مصراً على وجهة نظره. ولكن هذه الصفة ليست لصالحها أيضاً. أنا لا أحب الأطفال الذين لديهم الكثير ليقولونه، ولست راغبة في تربية بنت يتيمة ولو أردت تبني واحدة، كما أن هناك شيئاً في شخصيتها لا أستطيع فهمه. لا . " هنا. سأخلد إلى النوم الآن. ذهب ماثيو لينام.