طريق التقدم وهما أساُس تقدمه الصناعي والاقتصاد ّي . وفي الوقاية من الأمراض، وفي أداء الخدمات العامة في القُرى والمدن. وهذه الأنواع من التق ُّدم تد ُّل على ارتقاء الفكر الإنساني ، وتفوقه في مختلف المجالات على الأرض والماء والهواء، تف ُّوقا يمك ُن استخدامه في البناء والهدم على السواء. فهل ساد الإنسا ُن بهذا التقدم على نفسه، فعاش في سلم معها ومع الآخرين في مجتمعه الخاص، أو في المجتمع الدولي العا ّم؟ لقد ط َّبق الإنسان علمه وتفكيره في مجالات الحياة المختلفة، وفي بناء حضارة شامخة ولكن هل عمل على إسعاد الناس، وتوفير أسباب الاطمئنان لهم؟ هل عمل ما ينف ُع الناس، ويمنحهم فرصة البعد عن الفقر والجوع والمرض؟ هل عمل على صيانة الحضارة من التدمير؟ إ َّن ك َّل أنواع التق ُّدم ت َّتج ُه إلى إمكان التحطيم والتخريب، وما ُينف ُق على ُعدد الهجوم ووسائل الدفاع يبل ُغ ح ّدا خراف ّيا على حساب البشرية كلها. وبخاصة في النصف الثاني منه، ولكن هل صاحب ذلك تق ُّدم مماثل في إنسانية السلوك والمعاملة؟ إ َّن إنسان القرن العشرين يقات ُل ويخرب ؛ للَّتمُّتع بمنافع اقتصادية يحرُم منها من يضُعفُون عن مواجهته، ولإسعاد نفسه وإشقاء غيره، ويصر ُف ق َّوت ُه في إذلال الآخرين، ع ُن سلوك الحيوان في شيء، عندما يناط ُح القو ُّي الضعيف، هو صراع اقتصادي في أساسه، وإن غلَّفته ُم ُثل ومبادئ مختلفة، وهو صراع بين الأقوياء في جانب، والضعفاء في العلم والصناعة والتفكير في جانب آخر . القسمة والمشاركة السلم َّية سبيلا، فضلا عن أن يعرف التعاون مع غيره على دفع الجوع والعطش. والمتفوقون في التفكير من بني الإنسان يتف ّننون في إبداع الشعارات التي تخدع الضعفاء، وهي تخفي وراءها محاولة الاستغلال والانفراد وعدم المشاركة لمن يستغلونهم. تفكي ُر القرن العشرين تفكير غريب، الطبيعة والكون، وعل ُم القرن العشرين علم غريب، يرفع ولكنه ُيذل في الوقت نفسه، ويبني ولكنه يهدم في الوقت نفسه أيضا. تشمخ بمزاياها، ولكن تنقُصها رو ُح الإنسان، التي ُتش ُّع الصفاء والاطمئنان والأمن في الغد القريب والبعيد. وما نجدهُ اليوم بين المجتمعات نجد مثله أيضا بين الأفراد، إذ قلما نج ُد السلام في النفوس، أو في علاقة الأفراد بعضهم ببعض . والمتفوق أو القو ُّى يطار ُد الضعيف من أجل المنافع الاقتصادية، فبين الأفراد كما هو بين المجتمعات تخلُّف في إنسانية السلوك والمعاملة، على ذلك. وإنما هو فراُغ الحياة منروح الإنسانية، وافتقا ُرها إلى قوة أخرى تدفعها إلى الأمام، بحيث يصب ُح الفر ُد في سلوكه مع نفسه ومع غيره، والمجتمعا ُت في علاقاتها بعضها بالبعض، على خلاف ما تتعامُل بها لحيواناُت فيما بينها، وبحيُث يصبُح التقُدم العلمُّي والتكنولوجي خالص الخير البشرية وأمنها. إ َّن التقدم الإنساني اليوم على ضخامته ما يزا ُل في حاجة ماسة إلى تقدم ُروحي، حتى يستطيع الإنسا ُن أن يحيا حياة الإنسان، وعندئذ يمك ُن أن يتح َّقق العد ُل البشر ُّي في المجتمع الإنساني كله. لن يخفف من ح َّدة الجوع والمرض في العالم إلا اتجاه الفكر والعلم والصناعة إلى توفير الغذاء للإنسان، وتوفير الوقاية الكافية من الأوبئة والأمراض المنتشرة بدلا من التركيز على تدمير الحضارة وإبادة الجنس البشري. ويوم يؤمن الإنسان بالله سيوجه تفكيره لمحض الخير , ويوم يفت ُح ذهنه ليدرك أ َّن كل ما وصل إليه من علم وحضارة إنما هو وصول إلى الاستفادة من أشياء لا يعر ُف جوهرها، ولا يمكنه الوصول إلى حقيقتها ، كما هي الحا ُل في إفادته من الجاذب َّية ومن الكهرباء، دون أن يعرف ما الجاذبية أو ما الكهرباء ؛ الذي أوجد ك َّل شيء، وم َّكن الإنسان بمشيئته من الاستفادة منه، وسيؤمن بأ َّن الله وحده هو الذي يعلم حقائق الأشياء وخفاياها. لقد تقدم التفكير الإنساني ولك َّنه لم يبلغ الغاية التي ينبغي أن يصل إليها ، ويوم ُير ُّد كل شيء إلى الخالق سبحانه كما يقتضي المنط ُق والتفكير السليم سيعمل الإنسان على إسعاد نفسه وبني جنسه . ومع ما بلغه الإنسان من تق ُّدم فكري لم يساير وجد اُنُه تفكيره. و يوم نَّحى عنها لُّروحَّية وتعلَّق بالماد َّية أمات وجدانه، أو المشاعر الإنسانيةالمتبادلة. والروحَّيُة التي نشيُر إليها هي مجموعة القيم الإنسانية الَّرفيعة التي يُناجي بها الدي ُن وجدان الإنسان، ويدعوه إلى ال ُّس ُمو فوق مستوى المنافع المادية وتبا ُدلها،  والدعوةُ إلى الإنفاق والبذل في الَّرخاء والشَّدة على السواء، هي الدعوةُ إلى الإعطاء أكثر من الأخذ، وإلى التسامح والعفو