سوسيولوجيا الانحراف:مقابلة مع هوارد بيكر مجلة العلوم الإنسانية، العدد 89، 1998 من دراسة السلوكيات المنحرفة إلى تحليل عوالم الفن، يتبنى عالم الاجتماع الأمريكي هوارد بيكر نهج؛ توضيح التفاعلات بين كافة الأشخاص المنحرفين المتورطين في نشاط واحد. سؤال: يقترن اسمكم في فرنسا بكتاب الغرباء Outsiders، الذي تحددون فيه المقاربة السوسيولوجية للانحراف من خلال تبني مبادئ التفاعلية الرمزية. جواب: بدأت بكتابة فصول الغرباء قبل حوالي عشر سنوات من طبعه عام 1963. كنت قد أنهيت توّا بحثي حول المدرّسات في إحدى مدارس شيكاغو بإشراف إيفرت هيوز. مأخوذة مباشرة من دراسة المهن وأوضاع العمل. وفيها نجد الفكرة، ولفهم هذه الحالة يجب إذن أن نأخذ بالحسبان مجمل الأطراف المتورطة فيها، من قريب أو من بعيد. وهكذا، لا يجب الانطلاق من إحصائيات ومعطيات رسمية. مَن يتهم مَن، وبماذا؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يُطرح . في المنظور الذي أتبناه، تعتمد على الطريقة التي يرتكس بها الأخرون. فرجال الشرطة، لا يوقفون كافة الأشخاص الذين يرتكبون جرائم. إنما ببضعة أشخاص. إن الانحراف يترجم ابتعاداً عن المعايير التي أقرتها زمر اجتماعية، لكن لكي تُعتبر منحرفا، يجب أن تكون عُرضة للاتهام. كيف يكون ذلك سيرة مهنية؟ ج: في مفهوم السيرة المهنية نجد فكرة التطور على مراحل والذي نهايته ليست مؤكدة أبدا. ومن هذا المنظور، لا تكون حالة الشخص محددة أبدا بالكامل، فهي تنجم عن مفترقات متتالية. الطرق التي تبدو في الظاهر أنها الأكثر بداهة ليست بالضرورة الطرق المسلوكة حقيقة. فالحائز على شهادة الطب عليه من حيث المبدأ أن يصبح طبيبا، لكن من حيث المبدأ فقط. كذلك لا يصبح المرء منحرفا تبعا لعملية غير عكوسة أو لا محيد عنها. كان من عادة هربرت بلومر أن يقول إن الانخراط في نشاط غير شرعي لا يمضي من تلقاء نفسه. مثلا، لا يستطيع أي واحد لا على التعيين أن يصبح لصا، هل أنتشل جهاز التصوير هذا؟ كلا، بكم أستطيع بيعه؟ باختصار، س: لا تكون الأنشطة المنحرفة. سهيلة الرؤية. ما الشكل المفيد الذي يمكن أن تأخذه الملاحظة بالمشاركة؟ ج: في دراسة الماريجوانا، لم ألجأ إلا بشكل جزئي إلى ذلك. لقد حاورت بشكل خاص أشخاصاً بسؤالهم ليس عن نشاطهم الراهن بمقدار ما هو عن الطريق الذي قادهم إلى هذه الممارسة. معنى هذا أن الأشخاص الذين يلقون بأنفسهم إلى ممارسات غير شرعية، لا يستجيبون أقل من غيرهم إلى طريقة الملاحظة بالمشاركة لعلماء الاجتماع. لسبب بسيط ووجيه: يعرف هؤلاء الأشخاص أن الشرطة ليست بحاجة إلى علماء اجتماع كي تتهمهم بالفوضى! هم لا يُظهرون إذن حذراً خاصا من جانبهم. كانوا بالأحرى مسرورين لتمكنهم من البوح إلى عالم اجتماع، س: هل اضطررتم، س: أن تقول ذلك صراحة؟ لكن . في كافة الأحوال ليس من الضروري أن تنخرط بالكامل في النشاط وإلا لن يكون بإمكانك دراسة الشيء الهام. لن يمكنك أن تزعم معرفة شيء حول موضوع الأنشطة النسوية. في الواقع، أن تتمكن من الملاحظة: هذا ما هو أكثر أهمية. وكما كان يقول الأنتروبولوجي لويد فارنر Warner، هناك مشاهدة بالمشاركة عندما تكون مثلا، لتتمكن من مشاهدة وصولهم، وترى ما الذي يفعلونه حتى آخر لحظة. كان من عادة هيوز أن يقول إن علماء الاجتماع لا يكتشفون، بالمعنى الدقيق، ما قد يكون مخبوءا، والذي ينتهي عالم الاجتماع إلى معرفته، يكون هناك شخص أخر يعرفه مسبقا. إن خصوصية المعرفة عند عالم الاجتماع تكمن في قدرته على إقامة صلة بين المعارف المنفصلة. فسألتقي بطلاب يخبرونني ببعض الأشياء. إلخ. بذلك أنتهي بأن أعرف أكثر من أي واحد لا على التعيين . أخيرا، لا تتضمن الملاحظة بالمشاركة معرفة ما يشعر به الناس أو ما يودون فعله. وكما لخص بشكل جميل نوربيرت إلياس، تكمن في نفس كل واحد منا رغبة بالقيام بهذا الشيء أو ذاك، والذي لا يكتمل من دون مساعدة أشخاص آخرين، فالأفراد إذن يشاركون في أفعال جماعية تتطلب تسويات بشكل دائم. مثل الانتحار مثلا؟ ج: تطرح دراسة الانتحار مشاكل نوعية، إذ لا يمكننا، الحصول على شهادة من المعني الرئيسي بعد ما تنجح محاولته. وعدا عن هذه الاعتبارات، فإن الانتحار تعريف رسمي: هو موت بهذه الصفة تحدده السلطات الرسمية الشرعية. ببساطة، ليس من السهل دوما تقرير فيما إذا كان هذا الموت ناجما عن الانتحار أم لا. مع أن سكان كويبك لم يكونوا أكثر سروراً من الآخرين، في الواقع كانت كويبك منطقة كاثوليكية بشكل كثيف، وإذا ما انتحر أحدهم، فلن يتمكن من الحصول على دفن ديني، يقود هذا النمط من الممارسة إلى الشك بالأطروحات التي قدمها دوركايم بدءا من المعطيات الإحصائية. لأن أنماط تجميعها تختلف من بلد إلى آخر. لهذا السبب، طالما فكرت بأن كتاب الانتحار المخصص لهذه المسألة عام 1897، ففي بعض المناطق يكون الشخص المؤهل لتوصيف الموت بأنه انتحار موظفاً منتخبا على مستوى المقاطعات، وفي غيرها، هو طبيب شرعي مهني إلى هذا الحد أو ذاك. في نيويورك هو خبير، وفي ضواحي نيويورك قد يكون أي واحد، وبالنسبة لبرينستون (نيوجرسي) بقيت هذه الوظيفة في عهدة عالم اجتماع لسنوات عديدة. س: ألا توجد أفعال منحرفة بالمطلق؟ عملية قتل أو سرقة مثلا؟ ج: بالتأكيد إن عملية قتل أو سرقة أمر فظيع. سنرى كم هي معقدة صياغة تهمة الاغتصاب. وبهذا الصدد، يمكن أن تتطور الإمكانيات. فيما مضى عندما كانت تصرّح امرأة عن اغتصابها. كانت تُصرف من قبل الشرطة بشكل مهين. لم يكونوا يصدقونها. وهؤلاء الذين يسألونني فيما إذا لم تكن عملية القتل، انحرافاً، فهم يريدون أن يتمكنوا من القول بأن الصفة اللاأخلاقية لفعل ما ليست قائمة على أساس علمي. لكن للأسف، النتائج العلمية ليست قادرة على القول بذاتها بأن هذا الفعل صالح أو طالح. س: كتبتم الغرباء خلال حقبة الستينيات. كيف يُطرح هذا الموضوع في أمريكا هذه الأيام؟ ج: لم أعد أعمل على مشاكل الانحراف منذ سنوات. المشاكل العلمية لها أيضا سيرها المهني .