تركي، يحكي لي عن معاناته مع مرض الإيدز، كانت علامات التدين واضحة على ملامحه وهو يقول: أنا الآن أعرف مشاعر المصابين بالإيدز، وأعرف حياتهم القاسية التي يعيشونها كل يوم.يقول تركي: \"في أحد الأيام ذهبت إلى المستشفى وتبرّعت بدمي كإجراء طبيعي تعوّدت على القيام به كل فترة، وقالوا نريدك أن تأتي إلينا غداً. حاولت أن استفسر عن هذا الطلب المفاجئ، فقال لي المتصل: هناك مشكلة فقط نريد أن نسألك حولها.توجهت إلى المستشفى حسب أمرهم. وقلت: أنا فلان، لماذا طلبتموني؟ فقال لي: لا أعلم، وأجلسني وأغلق الباب عليّ طالباً مني الانتظار حتى يأتي الطبيب.لحظات محيرة راودتني فيها الشكوك، التي سرعان ما قطعها عليّ الطبيب الذي أطلق عليّ وابلاً من الأسئلة الغريبة المفاجئة. هل سبق أن نُقل لك دم؟ هل أصلحت أسنانك خارج السعودية؟ ثم بادرني بسؤال نزل عليّ كالصاعقة هل لك علاقات محرمة؟فأجاب بثلاثة أحرف فقط: (نعم)لا أستطيع أن أصف تلك اللحظة. الأمر الوحيد الذي أتذكره جيداً أنني حاولت أن أبكي فلم أستطع. وتم التأكيد على النتيجة في الرياض. قلت: قد تكون العينة ليست لي. أريد فحصاً آخر. فقال: لك ما تريد. كيف أُصبت بهذا المرض؟ من أين جاءني؟ لا إله إلا الله. كانت ليلة انتظار وتأمل في هذه الدنيا التي تنكمش في لحظة حتى تخنق أنفاسك.في صباح اليوم التالي توجهت إلى المستشفى، وكانت النتيجة (أنت مصاب بالإيدز).حسم الأمر. أنا مصاب بالإيدز. لم يتبق من حياتي إلاّ القليل،وعشت حياتي شارد الذهن، أفكر كيف سأمضي بقية حياتي لكني استفقت حين وجدت نفسي أنساق إلى جهنم. وأنا أعاني من ضيق في تنفسي، وكأن الأجواء لم تعد تحمل الأوكسجين الكافي، هربت إلى الصحراء، وبدأت أتأمل في حالي، هل انتحر؟ أم أرحل عن أهلي إلى غير رجعة؟ لقد جلبت لأهلي العار، سأكون منبوذاً بين الناس.توقفت عن التفكيرº لأن عقلي لم يعد يقدر على المزيد، رجعت إلى المنزل، فدفعته جانباً، وأبعدته عني خوفاً عليه أن يصيبه مكروه، فنظر إلي نظره استغراب وعتاب قطّعت نياط قلبي.بقيت على هذه الحال أسبوعاً كاملاً لم أبح بحالي لأحد. أحسست أني سوف أنهار، سأصرخ إذا لم أطفئ النار التي تلتهم أحشائي.فخطرت في بالي فكرة أن أقول إني مصاب بالسرطان بدل الإيدز، فإذا أنا بدون مقدمات أتكلم مع جاري يزيد، و أخبرته أني مصاب بالسرطان، في عينيه، وكان كلامه لي بلسماً وطمأنينةº لأنه ذكرني بقدرة الخالق - عز وجل -،وبعد أسبوع جاء موعد مراجعتي بجدة، سافرت إلى جدة، ولم يعلم بسفري إلاّ صديقي يزيد. يا رب يا رب.ذهبت بعدها إلى المستشفى، ولم أقدر على المكوث في المستشفى،بقيت على هذه الحال عدة أشهر انعزلت فيها عمن حولي، وأتأمل في حالي.وفي أحد الأيام أتى إليّ يزيد يطلب مني السفر معه إلى الرياض لزيارة إخوانه وعمل فحوصات في مستشفيات الرياض لتطورها في كشف المرض، وبعد إقناع وإصرار، سافرت معه بعد أخذي موعداً من المستشفى في الرياض يصادف وقت وجودي في الرياض. ثم رجعت إلى مدينتي بالمنطقة الشمالية،ارتجفت، أخبرت أخي يزيد بالموضوع الذي عجز عن التعبير عن فرحته إلاّ بنظراته المسرورة.أصبح الصباح وكلي سعادة وراحة، توجّهت إلى المستشفى، وأرسلوها إلى الرياض، وبعد يومين رجعت لهم أستفسر عن الفحص المبدئي فكان المسؤول يتهرب مني، وأقفل في وجهي باب الأمل.لا أدري أنا مصاب أم سليم،ـ نعم.أجبته بكل برود: متأكدين؟ الرياض أكد مرة أخرى أنك سليم، ولا تحمل المرض.