ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "تعظيمُ الأشهُر الحُرُم"، والتي تحدَّث فيها عن تعظيمِ بعضِ الأزمِنة والأمكِنة في كتابِ الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، كما حثَّ على اغتِنامِ الأوقاتِ الفاضِلةِ بالأعمالِ الصالِحةِ. أحمدُه - سبحانه - على ترادُفِ نعمِه التي لا تُحصَى، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُّ المُجتبَى، وعلى آلهِ وصحبِه أُولِي الرِّيادة والزَّهادة والنُّهَى. والاتِّباع لخاتَمِ أنبيائِه ورُسُله - عليه أفضلُ الصلاة والسلام -، مُبتَغين بها الوسيلةَ في سَيرهم إلى ربِّهم، ولقد كان مما كتبَه - عزَّ اسمُه -، وافترَضَه على لسانِ خليلِه إبراهيم وولدِه إسماعيل - عليهما السلام -: تحريمُ أشهُرٍ مِن السنةِ وتعظيمُها، وتواتَرَ ذلك التحريمُ حتى نقَلَتْه العربُ بالتواتُر القوليِّ والعمليِّ، وتلك هي الأشهُرُ الأربعةُ التي أشارَ إليها - سبحانه - بقولِه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 36]. وبيَّنَها رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - بقولِه في خُطبة حجَّة الوداعِ: «إنَّ الزمانَ قد استَدارَ كهيئتِه يوم خلقَ الله السماوات والأرض، وإنما كانت الأشهُرُ الحُرُمُ على هذه الصفة: ثلاثةٌ سَردٌ وواحدٌ فردٌ - كما قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ - رحمه الله -: "لأجلِ مناسِكِ الحجِّ والعُمرة، وحُرِّم بعدَه شهرٌ آخرُ - وهو المُحرَّم -؛ ليرجِعُوا فيه إلى نائِي بلادِهم آمِنِين، لأجلِ زيارةِ البيتِ والاعتِمارِ به لمَن يقدُمُ إليه مِن أقصَى جزيرةِ العربِ، اهـ كلامُه - رحمه الله -. فوقَعَ حجُّه - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنةِ في ذي الحجَّة الذي هو شهرُه الأصليُّ؛ ذلك أنَّهم - كما قال أهلُ العلم بالحديث، ثم يعودُ العددُ على الأصلِ، فكانُوا يُخالِفُون بين أشهُرِ السنةِ بالتحليلِ والتحريمِ، مُضافٌ إلى أصلِ كُفرهم بالله بالشركِ به، فتشريعُ الحلال والحرام والعبادةِ - يا عباد الله - هو حقٌّ لله وحدَه؛ فقد نازَعَ الله - عزَّ وجل - في حقِّه، كما دلَّ عليه قولُه - سبحانه -: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى: 21]. ويتوهَّمُون أنهم لم يخرُجُوا به عن مِلَّةِ إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -؛ وهو المقصُودُ بالذاتِ مِن شرعِه لا مُجرَّدُ العدد. وهذا كلُّه مِن ظُلم النفسِ في الشهرِ الحرامِ، وظُلمُ النفسِ - يا عباد الله - يشمَلُ كلَّ محظُورٍ يُوبِقُ المرءُ فيه نفسَه، كما يكُونُ بالشِّركِ بالله تعالى، كما قال تعالى على لِسانِ لُقمان: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]. والاجتِهاداتِ والاستِحساناتِ التي لا يُسنِدُها دليلٌ صحيحٌ مِن كتابِ ربِّنا أو سُنةِ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -. المُحسنِ إلى عبادِه بالنِّعَم مِن نعمِ الخاصَّةِ والعامَّةِ، المُتحبِّبِ إليهم بالآلاء - وهو الغنيُّ عنهم -، وبين امتِهانِ وانتِهاكِ حُرمةِ ما حرَّمَه الله، كالإمام الشافعيِّ - رحمه الله - وغيرِه. قال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما -: "إن الله اختصَّ مِن الأشهُرِ أربعةَ أشهُرٍ، وإن كان الظُّلمُ على كل حالٍ عظيمًا، وباتِّباعِ سُنَّة الحبيبِ الهادِي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وحذارِ مِن الابتِداعِ في دينِ الله ما لم يأذَن به الله. وبسنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، أحمدُه - سبحانه - على عَميمِ الخير والنعمَة، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا مُحمدًا عبدُه ورسولُه المبعُوثُ إلى خيرِ أُمَّة، حرِيٌّ بمَن رضِيَ بالله ربًّا، وبمُحمدٍ رسُولًا أن يحجُزَ نفسَه عن الوُلُوغِ في الذنوبِ، وينأَى بها عن مزالِقِ الخطايَا، وإلى أي مرحلةٍ يقِفُ به المسِيرُ. فاتَّقُوا الله - عباد الله - باستِدراكِ ما فاتَ، وفي كل شُهورِ العام بالإقبالِ على موائِدِ الطاعة، والاستِمساكِ بما صحَّ وثبَتَ عن سيِّد الأنامِ - عليه الصلاة والسلام -، وأعرِضُوا عن كل مُبتدَعٍ لا أصلَ له في كتابِ الله ولا في سُنَّةِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -. قال الحافظُ ابن رجبٍ - رحمه الله -: "وأما الصِّيامُ فلم يصِحَّ في فضلِ صَومِ رجَب بخُصُوصِه شيءٌ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال الحافظُ ابن حجرٍ - رحمه الله - في رسالتِه "تبيينُ العجَب في بيانِ ما ورَدَ في فضلِ رجَب": "لم يرِد في فضلِ شهرِ رجَب ولا في صِيامِ شيءٍ مِنه مُعيَّن، ثم أورَدَ - رحمه الله - ما ورَدَ مِن الأحاديث في ذلك، وهي ما بين موضُوعٍ مُختلَقٍ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الأكثَرُ -، وبين ضعيفٍ لا يُحتَجُّ بمثلِه. وعظِّمُوا ما عظَّمَه الله باتِّباعِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. والتابِعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، واجمَع كلمَتَهم على الحقِّ يا رب العالمين. وسنَّةَ نبيِّك محمد - صلى الله عليه وسلم -، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ مِنَّا، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ مِنَّا، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ مِنَّا، اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وصلِّ الله وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ،