يتطور العقل البشري من نتاج المعرفة المتراكمة فيأتي جون سيرل بمثال بسيط يبين قصر نظر الماديين، بل وأثبت أن الحقيقة ليس من الضروري أن تكون محسوسة دائماً (objective) وإنما يمكن أن تكون فقط ذاتية الادراك (subjective). الـ objective تعني أن الحقيقة يجب أن نراها ولكن يتساءل سيرل: إذا أنا أتألم وأشعر بالألم فكيف للآخرين أن يعرفوا هذه الحقيقة ويشعرون بما أشعر به بالضبط؟ لا يمكن ذلك بالطبع وأنا فقط من أشعر بهذا وحدي وهذا ينطبق على شعوري بالسعادة والفرح والأمل والحب.لا أستطيع أن أنقل شعوري بشكل كامل للشخص الآخر حتى يصدق بأنه حقيقة لذلك هنا الحقيقة تتعامل فقط مع الشخص الأول، أي بمعنى أنها (subjective). والجميل أنه لا يعترض على كون الجزء الأكبر من الحقيقة هو (objective) على نهج الماديين بل يصف نفسه مادياً لا ينكر تجانس الحقيقة ووجود الإدراك ويقدم حججا كثيرة على أن التصرفات (behaviors) ليست الخط الوحيد لفهم الحقيقة. نتائج مبهرة في فلسفة جون سيرل تزداد تعقيداً وإقناعاً كلما أبحرنا معه في حجج نظريته وربطها بعلم بيولوجيا الأعصاب (neurobiology).هنا الجميع يبحث عن الحقيقة وفهم الحقيقة وكيف نرى الحقيقة. هؤلاء لا يبحثون في فلسفيات مخروقة الجرة وإنما يؤسسون لعلوم تخدم الحياة وتطورها. هؤلاء أناس عاشوا وأصابوا وأخطأوا وبسببهم جميعاً تتقدم الحياة وتزداد جمالاً وتصبح ذات معنى. هؤلاء بشر ينتمون إلى الصف الأول ممن خدموا العقل البشري وطوروا من الإنسانية والحياة.من أفكارهم جميعاً ونظرياتهم وصلنا إلى جيل الذكاء الاصطناعي الذي لا يزال يعمل نقلات فارقة في تاريخ الحياة على هذا الكوكب إلى درجة تجعلني لا أستبعد ما يقوله الفيزيائي ستيفن هوكينج بأن الذكاء الإصطناعي سوف يتجاوز البشر بعد مائة أو مائة وخمسون عاماً ويصبح صاحب الحضارة متجاوزاً تجربة الغرفة الصينية الشهيرة (Chinese room experiment) التي تظهر أن الآلات يمكنها أن تفوقنا بالذكاء ولكن في الحقيقة لا يمكنها أن تفهم أو تدرك ما الذي تعمله مما يقلل من احتمالية إمكان إعطاء الآلات مشاعر وأفكار وفهما ذاتيا. ولكن من يدري قد يسيطر الذكاء الاصطناعي بالفعل حيث وأن العلم لم نعرف عنه أنه استسلم أبداً.منذ الأزل والعلم والفلسفة يفسر كل منهما الآخر ويمهد له، فقوانين نيوتن في الفيزياء لها أصل فلسفي وكذلك الاختيار الطبيعي عند دارويين. ومع هذا يقول الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ في إحدى نقاشاتة بشركة جوجل:" لقد ماتت الفلسفلة (philosophy is dead.." قد يكون هذا العالم الجليل محقاً في قوله بأن الفلسفة ماتت ولم تعد قادرة على تفسير ظواهر الكون حيث وأن علوم الفيزياء والرياضيات بكل جبروتهم لا زالوا غير قادرين على تفكيك شفرات الحياة والإجابة على أسئلة الكون الأولى ولكننا لا نستبعد أي شيء طالما والعقل البشري لا يزال يسأل.