يقول أبو العباس القرطبي رحمه الله: "وقد روى الدارقطني في "فوائده" حديث سعد بن أبي وقاص ، وقال فيه: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم الساعة) ، ورواه عبد بن حميد الهروي، وقال فيه: (لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة، وهكذا نجد الأمر مشتبهًا بين اللفظين، لما نراه من تشارك وتشابه كبيرين في الرواية عن الرواة أنفسهم، بل إن نعيم بن حماد في كتابه "الفتن" يرويه بلفظ (الغرب)، في حين أن من يروي الحديث من طريقه يحكيه عنه بلفظ (المغرب)! الأمر الذي يدل على خطئه. يقول ابن حجر رحمه الله: "وقع في بعض طرق الحديث (المَغرب) بفتح الميم وسكون المعجمة، لكن يحتمل أن يكون بعض رواته نقله بالمعنى الذي فهمه، ويقول العلامة المعلمي رحمه الله: "أما ما يحكى أن بعضهم قال "المغرب" فخطأ محض" . ثانيًا: وقد اختلف العلماء في بيان (أهل الغرب) هؤلاء، وذلك على أقوال: والعرب يوصفون بأنهم "أهل الغرب"، أي المشهورون باستعمال الدلاء الكبيرة في حاجاتهم المعيشية للمياه، وقد نُقل هذا القول عن الإمام علي بن المديني. قال يعقوب بن شيبة ، عن علي بن المديني: "الغرب هنا الدلو المذكورة، ومعنى (أهل الغرب) على هذا أي: أهل الحِدَّة، أو كما نقل القاضي عياض: "أهل الغرب: أهل الشدة والجلد. وغرب كل شيء : حَده". يقول ابن العربي المالكي رحمه الله: "وقال قوم: هم المخصوصون بالجهاد، وهذا يدل على طلب تحقيق الموعد من وراء البحار، وقد علم صلى الله عليه وسلم بلوغ الدين هنالك". ويقول العلامة المعلمي رحمه الله: "قد قيل وقيل، وأقرب الأقوال أن المراد بالغرب الحدة والشوكة في الجهاد، ففي حديث جابر بن سمرة: (لا يزال هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة الخ). وفي حديث جابر بن عبد الله: (. وحديث عقبة بن عامر". لأن أهل المدينة كانوا يطلقون على الشام غربا؛ بحكم أن معظم بلاد الشام لا تسامت شمال المدينة في خط مستقيم مباشر، بل لا بد من الميل تجاه الغرب لبلوغ معظم أراضي بلاد الشام، 1. حمل كلمة (أهل الغرب) على ظاهرها الغالب الاستعمال الذي يتحدث عن الاتجاه، 3. الأحاديث النبوية الأخرى التي تتحدث عن الطائفة الظاهرة إلى قيام الساعة، وقد جاء تفسيرها عن بعض الصحابة والتابعين بأن المقصود بهم أهل الحق في بلاد الشام أو في أكناف بيت المقدس، ففي هذا دليل على تفسير حديث (أهل الغرب) هذا، قال الإمام أحمد بن حنبل – في تفسير (أهل الغرب)-:"هم أهل الشام" . ويقول ابن قدامة رحمه الله :" ففسر أحمد الغرب في هذا الحديث بالشام ، لأن الشام يسمى مغربًا، تنبيه : حديث أبي هريرة في ذكر "دمشق" : لا يثبت . فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هو من كلام معاذ بن جبل ، وما وراء بلاد الشام من الغرب كله من أهل الحق والخير. واقتصر آخرون على ذكر بلاد الشام. يقول القاضي عياض رحمه الله: "قيل: إنه على ظاهره، ويقول الطيبي رحمه الله: "قيل: هم أهل الشام وما وراء ذلك، فإن هذا الوصف لم يزل بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلي الآن، ويقول ابن رجب رحمه الله: "وقد فسر الإمام أحمد أهل الغرب في هذا الحديث بأهل الشام؛ فإن التشريق والتغريب أمر نسبي، والنبي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا قال هذا بالمدينة، وقد سمى النبي صلّى الله عليه وسلم أهل نجد والعراق : أهل المشرق، لأن الشام تتغرّب عن المدينة، ولهذا قال خالد لما عزله عمر عن الشام: إن عمر أمرني أن [آتي] الهند. قال الراوي: وكانت الهند عندنا البصرة. وقالوا: المراد بهم العرب؛ وهذا قول علي بن المديني وغيره. فيرجع الأمر إِلَى تفسير الحديث بأهل الشام . ويقول أبو العباس القرطبي رحمه الله: "وقد روى الدارقطني في "فوائده" حديث سعد بن أبي وقاص، وقال فيه: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم الساعة)، ورواه عبد بن حميد الهروي، وقال فيه: (لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة، قلت: وهذه الروايات تدل على بطلان التأويلات المتقدمة، وعلى أن المراد به أهل المغرب في الأرض، لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة - مدينة النبي صلى الله عليه وسلم - إنما هو الشام، كل ذلك يقال عليه: مغرب. وقال أبو بكر الطرطوشي - في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب، بعد أن أورد حديثا في هذا المعنى – قال: هل أرادكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أراد بذلك جملة أهل المغرب؛ لما هم عليه من التمسك بالسنة والجماعة، ويقول ابن تيمية رحمه الله: "النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا الكلام بمدينته النبوية، فإن التشريق والتغريب من الأمور النسبية؛ إذ كل بلد له شرق وغرب؛ ولهذا إذا قدم الرجل إلى الإسكندرية من الغرب يقولون: سافر إلى الشرق. وكان أهل المدينة يسمون أهل الشام: أهل الغرب، ولهذا قال أحمد بن حنبل: أهل الغرب: هم أهل الشام . وإذا كان غرب المدينة النبوية ما يغرب عنها ، فالبيرة ونحوها على مسامتة المدينة النبوية، فما يغرب عن البيرة فهو من الغرب الذين وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدم. ومن يتدبر أحوال العالم في هذا الوقت يعلم أن هذه الطائفة هي أقوم الطوائف بدين الإسلام: علما وعملا وجهادا عن شرق الأرض وغربها؛ ويقول أيضا رحمه الله: "كل بلد له غرب وشرق، ومن الفرات هو غرب المدينة، ولهذا يقال: إن قبلة هؤلاء أعدل القبل، بمعنى أنك تجعل القطب الشمالي خلف ظهرك، فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة إلى آخر الأرض، ويقول السيوطي رحمه الله: "ومما يؤيد أن المراد بالغرب من الأرض رواية عبد بن حميد، وبقي بن مخلد: (ولا يزال أهل الغرب) ورواية الدارقطني: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم الساعة) قلت: لا يبعد أن يراد بالمغرب مصر؛ فإنها معدودة في الخط الغربي بالاتفاق، وقد روى الطبراني والحاكم وصححه عن عمرو بن الحمق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تكون فتنة أسلم الناس فيها الجند الغربي) قال ابن الحمق: فلذلك قدمت عليكم مصر. وأخرجه محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين دخلوا مصر، ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر". يقول الإمام القرطبي رحمه الله :" سمعت شيخنا الأستاذ المقرئ النحوي المحدث أبا جعفر أحمد بن محمد بن محمد القيسي القرطبي المعروف بابن أبي حجة رحمه الله، يقول في تأويل قوله عليه السلام: (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) إنهم العلماء. يطلق على الدلو الكبيرة، فمعنى (لا يزال أهل الغرب) أي: لا يزال أهل فيض الدمع من خشية الله عن علم به وبأحكامه ظاهرين، قلت [أي القرطبي]: وهذا التأويل يعضده قوله عليه السلام في صحيح مسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة)،