ومن العجب في هذا المعنى قول أبي النجم : كل ، ، وتفصيل القول فيها في النقى والإثبات ، قَدْ أَصْبَحَتْ أُمُّ الخِيَارِ تَدَّعِي عَلَى ذَنْباً كُلُّهُ لَمْ أَصْنَعِ (۱) قد حمله الجميع على أنه أدخل نفسه مِنْ رَفْعِ « كل » في شيء إنما يجوز عند الضرورة ، من غير أن كانت به إليه ضرورة . قالوا : لأنه ليس في نصب ( كل » ما يكسر / له وزناً ، أو يمنعه من معنى أراده . وإذا تأملت وجدته لم يرتكبه ولم يحمل نفسه عليه إلا لحاجة له إلى ذلك ، وإلا لأنه رأى النصب يمنعه ما يريد . والنصب يمنع من هذا المعنى ، ويقتضى أن يكون قد أتى من الذنب الذي ادعته بَعْضَه وذلك أنا إذا تأملنا وجدنا إعمال الفعل في « كل ، والفعل مَنْفِيٌّ ، لا يصلح أن يكون إلا حيث يراد أن بعضاً كان وبعضا لم يكن . تقول : ( لم ألق كل القوم ) ، و ( لم أخُذْ كُلَّ الدراهم ) ، فيكون المعنى أنك لقيت بعضاً من القوم ولم تلق الجميع ، وأخذت بعضاً من الدراهم وتركت الباقي = ولا يكون أن تريد أنك لم تلق واحداً من القوم ، وتَعْرِفُ ذلك بأن تنظر إلى « كل » في الإثبات وتتعرف فائدته فيه . وإذا نظرت وجدته قد أجْتُلِبَ لأن يُفيد الشمول في الفعل الذي تسنده إلى الجملة أو توقعه بها تفسير ذلك ، أنك إنما قلت : ( جاءني القوم كلهم » ، لأنك لو قلت : جاءني القوم ) وسكت ، لكان يجوز أن يتوهم السامع أنه قد تخلف عنك بعضهم ، إلا أنك لم تَعْتَدَّ بهم ، أو أنك جعلت الفعل إذا وقع من بعض القوم فكأنما وقع من الجميع ، لكونهم فى حكم الشخص الواحد ، كما يقال للقبيلة : فعلتم وصنعتم ) ، وهكذا الحكم أبداً . فإذا قلت : ( رأيت القوم كلهم ) و ( مررت بالقوم كلهم ) ، كنت قد جئت ( بكل ( لئلا يتوهم أنه قد بقى عليك من لم تره ولم تمرز به وينبغى أن يُعلم أنا / لا نعنى بقولنا ( يفيد الشمول ) ، أن سبيله في ذلك سبيل الشيء يوجب المعنى من أصله ، وأنه لولا مكان ( كل » لما عُقل الشمول ولم يكن فيما سبق من اللفظ دليل عليه . كيف ؟ ولو كان كذلك لم يكن يسمى ( تأكيداً ) . فالمعنى أنه يمنع أن يكون اللفظ المقتضى الشمول مستعملاً على خلاف ظاهره ومتجوزا فيه - وإذ قد عرفت ذلك ، وهو أنه من حكم النفى إذا دخل على كلام ، ثم كان فى ذلك الكلام تقييد على وجه من الوجوه ، أن يتوجه إلى ذلك التقييد ، وأن يقع له خصوصاً تفسير ذلك : أنك إذا قلت : ( أتاني القوم مجتمعين ) ، فقال قائل : ( لم يأتك القوم مجتمعين ) ، كان نفيه ذلك متوجهاً إلى الاجتماع الذي هو تقييد في الإتيان دون الإتيان نفسه ، حتى إنه إن أراد أن ينفى الإتيان من أصله ، كان من سبيله أن يقول : ( إنهم لم يأتوك أصلاً ، هذا مما لا يشك فيه عاقل . وإذا كان هذا حكم النفى إذا دخل على كلام فيه تقييد ، فإن التأكيد ضرب من التقييد . فمتى نفيت كلاماً فيه تأكيد ، فإن نفيك ذلك يتوجه إلى التأكيد خصوصاً وَيَقَعُ له . فإذا قلت : « لم أر القوم كلهم » أو « لم يأتني القوم كلهم » أو « لم يأتنى كل القوم ، أو « لم أرَ كُل القوم » ، كُنْتَ عمدت بنفيك إلى معنى ( كل ) خاصة ، وكان حكمه حكم ( مجتمعين ) في قولك : ( لم يأتنى القوم مجتمعين ) . وإذا كان النفى يقع « لكل ، خصوصاً ، فواجب إذا قلت : « لم يأتنى القوم كلهم ) أو ( لم يأتنى كل القوم » ، أن يكون قد أتاك بعضهم = كما يجب إذا قلت : « لم يأتنى القوم مجتمعين ) ، أن يكونوا قد أتوك أشتاتاً . وكما / يستحيل أن تقول : ( لم يأتنى القوم مجتمعين ) ، وأنت تريد أنهم لم يأتوك أصلاً / لا مجتمعين ولا منفردين - كذلك محال أن تقول : « لم يأتني القوم كلهم » ، وأنت تريد أنهم لم يأتوك أصلاً ، فأعرفه وأعلم أنك إذا نظرت وجدت الإثبات كالنفي فيما ذكرت لك ، ووجدت النفى قد احتذاه فيه وتبعه . وذلك أنك إذا قلت : « جاءني القوم كلهم ) ، كان ( كل » فائدة خبرك هذا ، والذي يتوجه إليه إثباتك ، بدلالة أن المعنى على أن الشك لم يقع فى نفس المجيء أنه كان من القوم على الجملة ، وإنما وقع في شموله ( الكل ) ، وذلك الذي عناك أمره من كلامك - وجملة الأمر أنه ما من كلام كان فيه أمر زائد على مجرد إثبات المعنى للشيء ، فإذا قلت : ( جاءنى زيد راكبا ) ، و ( ما جاءني زيد راكبا ، كنت قد وضعت كلامك لأن تثبت مجيئه راكباً أو تنفى ذلك ، لا لأن تثبت المجيء وتنفيه مطلقاً . ٣٢٦ - وأعلم أنه يلزمُ مَنْ شَكٍّ فى هذا فتوهم أنه يجوز أن تقول : ( لم أر القوم كلهم » ، على معنى أنك لم تر واحداً منهم = (1) أن تُجْرِيَ النَّهْي هذا المجرى فتقول : ( لا تضرب القوم كلهم ) ، على معنى لا تضرب واحداً منهم = وأن تقول : ( لا تضرب الرجلين كليهما ،