‎وكان أبو الحسن بن الفرات يتبع أبا العباس أخاه وينوب عنه إلى أن توفي أبو العباس فتقلد الأعمال رياسةً. وولي الوزارة ثلاث دفعات في أيام المقتدر بالله، فالأولى منها بعد قتل العباس بن الحسن وزوال فتنة عبد الله بن المعتز. قال أبو الحسن ثابت بن سنان فيما أرخه من الأخبار: لما زالت فتنة عبد الله بن المعتز قلد المقتدر بالله مؤنساً الخادم الشرطة بالحضرة مكان ابن عمرويه، وأنفذه إلى أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات بخاتمه ليحضره ويقلده وزارته، وكان أبو الحسن مستتراً عند بعض التجار من جيران داره بسوق العطش، ووصل إلى المقتدر بالله رحمة الله عليه في يوم الأحد لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين، وركب وفي موكبه أبو القاسم غريب الخال والحجاب والأمراء والقواد والغلمان وسائر الناس حتى صار إلى داره بسوق العطش، لأن أصاغر الجند والعوام قد كانوا قصدوا دار العباس ابن الحسن ودوراً اتصلت بها ونهبوها. وانتقل أبو الحسن بن الفرات من بعد ذلك إلى ما أقطعه المقتدر بالله إياه من دار سليمان بن وهب بباب المخرم على دجلة، والدور التي كانت في يد داية المكتفي بالله، وأقطعه المقتدر بالله أيضاً الضياع التي كان المكتفي بالله أقطعها العباس بن الحسن وارتفاعها خمسون ألف دينار، وللمحسن والحسين والفضل أولاده ألفاً وخمسمائة دينار أثلاثاً بينهم. وسلم إليه علي بن عيسى ومحمد بن عبدون فاعتقلهما في دار بدر اللاني، وثقلها على محمد بن عبدون لعداوة كانت بينهما. وأخرج محمد بن عبدون إلى الأهواز، وعلي بن عيسى إلى واسط بعد أن أعطي سوسناً الحاجب خمسة آلاف دينار كفه بها عن ذكر علي بن عيسى والاغراء به، وكتب إلى وكيله بواسط بخدمته وإقامة ما يحتاج إليه لنفقته، ومع محمد بن عبدون خادماً من خدم المقتدر بالله، وجرت أمور أبي الحسن، ‎وكان محمد بن داود بن الجراح قد وزر لعبد الله بن المعتز ودبره. ‎وذكر أبو الحسن بن سنان أن موسى ثم دعني فإني أسوق الأمر إلى أخذ أمان الخليفة لك بخطه والاشهاد عليه في الوفاء به وإظهارك وبلوغ إيثارك. فعجب من ذلك وأدخله، وأنهى خبره إلى المقتدر بالله، فقتله وطرحه على باب سقاية حتى أخذه أهله ودفنوه، وحدث أبو عبد الله زنجي قال: كنت بحضرة أبي الحسن بن الفرات في أول ما وزر إذ كتب إليه صاحب الخبر بحضور رجل يقول: إن عنده نصيحةً لا يذكرها إلا للوزير فاستدعاه وسأله عما عنده، ثم أمره بجمع الرجال الذين برسمه، ولم يزل ابن الفرات يحث العباس الحاجب في جمع الرجال، ويدفع بالأمر، وأمره بأخذ الرجل وأخذهم وقصد الموضع الذي يذكره والاحتياط عليه من سطوحه وجوانبه، وكبسه بعد ذلك وتفتيشه، فمضى العباس، وشهره على جمل والنداء عليه. وطالع المقتدر بالله بما فعله فاستصابه. وكان سوسن الحاجب يدخل مع العباس بن الحسن في التدبير، فثقل عليه ذلك، وشاع الحديث بأن سوسناً قد عمل على قتل ابن الفرات في دار الخلافة وواقف عليه جماعة من الغلمان الحجرية، وضمن عنه استخراج أموال كثيرة من ابن الفرات، ونفذ بني بن نفيس إلى الأهواز وأودع صدره فيه ما أذن له معه بالقبض عليه، وأنفذ إلى محمد بن عبدون من قبض عليه في طريقه وحمله إلى الحضرة، وعرف أبو الحسن علي بن عيسى وهو بواسط ما جرى في أمر محمد ابن عبدون، إلا أنه مع ذلك لا يدع الصدق عن حاله، ويقول: إنه لم يكن يسعى على دم نفسه بضمان الوزارة، وخرج من ذاك إلى أن سأله الاذن له في المضي إلى مكة ليسلم من الظنة وينسى السلطان ذكره. فأجابه إلى ما طلبه، وأخرجه من واسط إلى مكة على طريق البصرة مرفهاً محروساً. وكان غرض علي ابن عيسى فيما ذكر محمد بن عبدون به حراسة نفسه، فوصل كتابه وقد مضى لسبيله. وكان من جملة الداخلين في فتنة عبد الله بن المعتز أبو عمر محمد بن يوسف القاضي فأُخذ فيمن أُخذ وحبس، وحضر أبوه يوسف وهو شيخ كبير مجلس أبي الحسن ابن الفرات، رق له منه وسأله حراسة نفس ولده أبي عمر والتصدق عليه به. فقال أبو الحسن:الجناية عظيمة، فبذل يوسف أن يفقر نفسه وابنه طلباً لبقائه. وتلطف ابن الفرات فيما قاله المقتدر بالله وقرر أمر أبي عمر على مائة ألف دينار، فأدى منها تسعين ألفاً، وأمره ابن الفرات بعد ذلك بملازمة داره وألا يخرج منها لئلا يجعل له حديث مجدد. وكان أبو القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد مدلاً على أبي الحسن بن الفرات بمودة بين أسلافه وبين أبي جعفر والد أبي الحسن وأبي العباس عمه، فوجه أبو الحسن الكتب إلى أصحاب المعاون في البيعة لعبد الله بن المعتز بخطه، فلم يظهر ذلك المقتدر بالله ولا ذكره، واعتمد التقديم له والتنويه به، وكان سليمان قد تقلد لعلي بن عيسى مجلس العامة في ديوان الخاصة. ثم إن سليمان شرع لأبي الحسن بن عبد الحميد في الوزارة، وقام ليصلي صلاة المغرب مع جماعة من الكتاب فسقطت من كمه، وكان إلى جانبه، فحملها إلى ابن الفرات من وقته، وحدثت الحوادث في متصرفاتها ومجاريها وحضر عيد النحر من سنة تسع وتسعين ومائتين فاحتيج فيه من النفقات إلى ما جرت العادة به، والمؤن قد تضاعفت، وطلب من المقتدر بالله أن يعطيه من بيت مال الخاصة ما يصرفه في نفقات هذا العيد، ووجد بذلك أعداؤه الطريق إلى الوقيعة فيه. وركب في يوم الأربعاء لأربع خلون من ذي الحجة إلى دار الخلافة وهو على غاية السكون والطمأنينة، وجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه قبل الوصول إلى السلطان، فقبض عليه وعلى محمد ابن أحمد الكلوذاني وكان يكتب بين يديه وعلى محمود بن صالح وكان معه من أصحابه، وصار مؤنس الخادم إلى دار الوزارة فوكل بها، وعاقب قوماً منهم، وصح له ما مقداره ألف ألف دينار وستمائة ألف دينار سوى الأثاث والرحل والكراع والجمال، وخرج من ذاك إلى أن سأله الاذن له في المضي إلى مكة ليسلم من الظنة وينسى السلطان ذكره. فأجابه إلى ما طلبه، وأخرجه من واسط إلى مكة على طريق البصرة مرفهاً محروساً. وكان غرض علي ابن عيسى فيما ذكر محمد بن عبدون به حراسة نفسه، فوصل كتابه وقد مضى لسبيله. وحضر أبوه يوسف وهو شيخ كبير مجلس أبي الحسن ابن الفرات، وبكي بين يديه بكاء شديداً، رق له منه وسأله حراسة نفس ولده أبي عمر والتصدق عليه به. فقال أبو الحسن:الجناية عظيمة، فبذل يوسف أن يفقر نفسه وابنه طلباً لبقائه. وتلطف ابن الفرات فيما قاله المقتدر بالله وقرر أمر أبي عمر على مائة ألف دينار، فأدى منها تسعين ألفاً، وأمره ابن الفرات بعد ذلك بملازمة داره وألا يخرج منها لئلا يجعل له حديث مجدد. وكان أبو القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد مدلاً على أبي الحسن بن الفرات بمودة بين أسلافه وبين أبي جعفر والد أبي الحسن وأبي العباس عمه، فوجه أبو الحسن الكتب إلى أصحاب المعاون في البيعة لعبد الله بن المعتز بخطه، فلم يظهر ذلك المقتدر بالله ولا ذكره، واعتمد التقديم له والتنويه به، وكان سليمان قد تقلد لعلي بن عيسى مجلس العامة في ديوان الخاصة. ثم إن سليمان شرع لأبي الحسن بن عبد الحميد في الوزارة، وقام ليصلي صلاة المغرب مع جماعة من الكتاب فسقطت من كمه، وكان إلى جانبه، فحملها إلى ابن الفرات من وقته، وحدثت الحوادث في متصرفاتها ومجاريها وحضر عيد النحر من سنة تسع وتسعين ومائتين فاحتيج فيه من النفقات إلى ما جرت العادة به، والمؤن قد تضاعفت، وطلب من المقتدر بالله أن يعطيه من بيت مال الخاصة ما يصرفه في نفقات هذا العيد، ووجد بذلك أعداؤه الطريق إلى الوقيعة فيه. وركب في يوم الأربعاء لأربع خلون من ذي الحجة إلى دار الخلافة وهو على غاية السكون والطمأنينة، وجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه قبل الوصول إلى السلطان، فقبض عليه وعلى محمد ابن أحمد الكلوذاني وكان يكتب بين يديه وعلى محمود بن صالح وكان معه من أصحابه، وصار مؤنس الخادم إلى دار الوزارة فوكل بها، وعاقب قوماً منهم، فطلع آخر مثله في شوال في مطلع الهلال،