يعتبر القرن الثاني والثالث الهجرييان انطلاقة حقيقية في ميادين الفكر والثقافة والعلوم المختلفة بالبلاد العربية مشرقها ومغربها. وقد كانت الدولة الرستمية قد نشأت من حيث المكان والزمان في تلك القرون الأولى من تاريخ العرب والمسلمين الفكري، فمن حيث المكان في المغرب العربي إذ هي الدولة أولى التي الفصلت عن المشرق في ذلك التاريخ المبكر انفصالا سياسيا . لذا يعتبر كل ما قدمه أبناء المغربين الأدنى والأوسط في الميدان الفكري جديدا في المغرب العربي ولا تبالغ إذا قلنا بالمغرب العربي، لقد حملت هذه الدولة كما يقول الاستاذ ابن تاويت الطاجي ( مشعلا عظيما للحضارة والعلم في الشمال الإفريقي فكانت تلي القيروان في ذلك . وما كان الفاس عاصمة الادارسة أن تبلغ مبلغ تبهرت الرستمية في الحياة الفكرية، والدينية منها. والحقيقة أن الرستميين بحكم ثقافتهم الواسعة شجعوا الحركة الفكرية فنشطت تبهرت في هذا الميدان كما نشطت في الميادين الأخرى وطار صيتها في الآفاق بعد تعميرها حتى دعيت عراق المغرب وبلغ المغرب، إلحاقا بها في المعارف والعمران والحضارة ، وإذا كانت تبهرت قد برزت كمركز ثقافي مشهور في المغرب العربي خلال القرن الثالث الهجري فإن ذلك راجع إلى كونها عاصمة دولة مستقلة، والواقع أن دور الحكام الرستميين في الحياة الفكرية كبير، وإتقانها التخيل إلينا أن الضابط لها والحافظ الرسمها ونطقها يعتبر عندهم عالما. وتشير هذا أن الجهود التي بذلت في عهد الدولة الرستمية التعريب البرير مجهود جبارة كانت من أهم الخلفيات الثقافية العربية التي انطلقت منها دولة بني حماد في المغرب. الأوسط . وأصبح علماؤها يناظرون فقهاء الغرب في قواعد الأصول . ومبادئ علم الكلام مما سهل تعريب المغرب . وكانت اللغة العربية في الدولة الرستمية اللغة الرسمية في مجال والم الأدب ، وتتفق الدراسات الحديثة تقريبا على أن الدولة الرستمية لم تبرز في الحياة الأدبية الصرفة بروزها في الحياة الدينية من فقه وحديث ومناظرات. ويذهب بعض الأئمة إلى الاهتمام البالغ بالحياة الدينية على حساب الحياة العلمية البحثة باستثناء القليل منهم وتذكر على سبيل المثال الإمام أبو بكر بن أفلح الذي كان يحب الآداب والأشعار، فتشجيع الحاكم للأدباء والشعراء ورعايته لهم من الأمور التي تدفع - الحياة الأدبية أشواطا ، فيجود الأديب بما لديه من عبقرية ، ولم يكن الحكام الرستميون ينتظرون من الشاعر أن يدافع عنهم أو يشهر أفكارهم. ومن أبرز شعراء هذه الدولة الإمام أفلح بن عبد الوهاب والشاعر بكر بن حماد بن سمك بن إسماعيل الزناتي التيهرتي وهذا الأخير نظم قصائد في أغراض مختلفة كالوصف والمديح والهجاء والرثاء الخ. أما في مجال النشر فيرى الدكتور أحمد مختار عمر أن النشر عند الإباضية قد فاق جانب الشعر وأنه جاء في شكل خطب أو وصايا أو رسائل ديوانية أو أقاصيص تعليمية أو حكم .