من العجز أنْ يزدري المرء نفسه فلا يقيم لها وزنًا، فإنَّ الرجل إذا صَغُرَتْ نفسُه في عين نفسه يأبى لها مِنْ أحواله وأطواره إلا ما يشاكل منزلتها عنده، فإن عَظُمَتْ نفسه عظم في جانبها كلُّ ما كان صغيرًا في جانب النفس الصغيرة. فلتبكِ على عقلك البواكي! لقد قدَّرتُ لنفسي يا بنيَّ في مبدأ نشأتي أن أكون كعليِّ بن أبي طالب، وبيني وبين عليٍّ ما تعلمُ من الشأو البعيد والمدى المستحيل، فهل يسرُّك — وقد طلبتَ منزلتي — أن يكون ما بينك وبيني من المدى مثل ما بيني وبين عليٍّ؟» ويزورك مهنئًا ومعزيًا، بل هو عظيمها؛ والأدب أرفع لشأنه فتأدب: فتًى عذبُ الروح لا من غضاضةٍ ولكنَّ كبرًا أن يقالَ: به كبر وجوٍّ غير جوِّك، ولكنك في حاجةٍ إلى نفسٍ عالية كنفوسهم، وهمة عالية كَهِمَمِهِمْ، جناحان عظيمان يطيرُ بهما المُتَعَلِّمُ إلى سماء المجد والشرف: علوِّ الهمة، وأما الفهم في العلم فإليك الكلمة الآتية: فإن أَشْكَلَ عليك شيء مِمَّا تسمع فانظرْ إنْ نطق الكتاب بشرح مشكلاته، الحافظ يحفظ ما يسمع؛ لأنه قوي الذاكرة، وقوة الذاكرة قَدْرٌ مشترك بين الذكيِّ والغبيِّ، والنابه والأبله؛ ويرتعد فَرَقًا إذا سَمِعَ ابنته تُخيف طفلها بأسماء الشياطين، ذلك هو السر العظيم في كثرة المتعلِّمين وقلَّة العاملين؛ وخالط لحمه ودمه، وكان إحدى غرائزه، لولا أنَّ العلم الدينيَّ اليوم علمٌ محفوظ لما وجدت في العلماء من يجمع بين اعتقاد الوحدانية والتردُّد على أبواب الأحياء والأموات في مزاراتهم أو في مقابرهم؛ وتمزَّق إهابه، ولا وجدتَ في الناس كثيرًا من ضعفاء العزيمة الذين يحفظون ما ورد على ألسنة النبوة والحكمة من مدح الفضائل وذم الرذائل، ثم لا تجد فرقًا بينهم وبين العامة في ارتكاب المنكرات والنفور من الصالحات. فإذا سمعت ذكر العلم فاعلم أنه العلم المفهوم لا المحفوظ، فربما مرَّ بالمعلوم مُحَرَّفًا فأخذه على عِلَّاته. والجيد والزائف، ومسائله حلَقاتٌ يصنع كلُّ نابغةٍ من نوابغ العلماء منها حَلْقَةً. ولن يبلغ المتعلم درجة النبوغ إلا إذا وضع في العلم الذي مارسه مسألةً، أو أصلح هفوة، والمحترف لا يهمه من حرفته إلا لقمة الخبز وجرعة الماء،