كما يحلو للبعض أن يُطلق عليه ترجمة حرفية لما يقابلها في الإنچليزية intangible))، فهو كل ما تحملُه ذاكرةُ المعمرين الفلسطينيين من حكايات، أو معلومات عن الكوارث الطبيعية من ثلوج، وزلازل وغزو الجراد، وكل ما يدور حولها من قصص وأساطير. ولما كانت فلسطين منطلقا ومسرحا لديانات مختلفة فقد تناقل ساكنوها قصصا دينية ترتبط بالأماكن، وأما الموروث المادي فيشمل الأبنية القديمة، أقلام كثيرة تكتب عن التراث، وألسنة عديدة تلهج بذكر التراث. محامين بارعين لهم دعوى واحدة ومرافعة واحدة. هي: الدفاع عن كلمة التراث!!. ولئن كان الحديث عن التراث يأخذ بمجامع القلوب، والذود عن حياضه يهمُّ كل مخلص في هذه الأمة. إلا أن هذا لايحول دون طرح سؤال كبير: إلى أي حد يمكن الاستفادة من التراث؟ أو بمعنى آخر: ماهي آخر محطة يقف عندها قطار التراث الذي يمتطيه أولئك المدافعون؟. ‏ لاشك أن التراث الحقيقي لهذه الأمة تراث مشبع بالدروس والحكم، ولكن؛ هل يقصد كل المدافعين هذا المعنى بالذات، أم أن الرؤية تختلف بين شخص وآخر؟‏ الذين يتصورون أن التراث مجرد ذكرى عابرة للماضي البعيد، أو مرحلة زمنية عتيقة لها اتصال نظري فقط بالمراحل التي نعيشها اليوم. أناس ظلموا التراث، لم يعطوه المكانة التي يستحقها. ‏ مافائدته إن لم نؤمن به وبأمجاده وطروحاته؟. مافائدته إن لم يكن وسيلة للنهوض من الكبوة، ومنبهاً للقيام من نوم عميق؟. مافائدته إن لم يكن بستاناً نأكل من خيراته كل يوم، ومعيناً صافياً نعبّ من مائه صباح مساء؟؟. ‏ ليس لافتة مكتوبة بالخط العريض ترفع وتنزل عند الحاجة. ‏ التراث فعل لا قول، حلم جميل نسعى إلى استرجاعه بكل قناعة وحماسة. ويخطئ من يتصور أن مفرزات الأمس بنوعيها السلبي والإيجابي، تستحق الاحتضان، أو العض عليها بالنواجذ. والممحص لفقراته. يعلم حق العلم أن ظروفاً قد أحاطت بهذه الأمة، نتجت عنها وقائع ومعطيات مختلفة، بعضها مقبول، وبعضها غير مقبول. ولكن. ليس كل مايدخل التاريخ يحمل بطاقة توصية إلى قلوبنا وعقولنا، ولكننا لا نقول عن كل ماجرى: إنه الصواب بعينه. فهناك الأبيض الناصع، وهناك الأسود الحالك. هناك الطيب والخبيث، هناك الالتزام والتلون، هناك النظام والفوضى، هناك الموقف الجماعي وهناك أيضاً التفرد الشخصي. ‏ أبداً. لاتستحق كل فقرات التاريخ أن تكون تراثاً يتمسك به الإنسان.