إلا أن علاقة الرومان القدماء بالرصاص كانت كبيرة وبشكل مستمر، حتى الأكواب المستخدمة في الطقوس الدينية المسيحية – في تلك الحقبة – كانت مصنوعة من الرصاص أو البرونز الذي يحتوي على الرصاص، 5) كما أن النبيذ كان ملوثا بالرصاص من ما يصل إلى أربعة عشرة مصدر خلال إعداده. 6) لقد ارتبطت اللامبالاة والشراهة بانهيار الإمبراطورية الرومانية، ومن المحتمل أن يكون وجود الرصاص في الطعام والماء والنبيذ قد تسبب في هذه الحالة من اللامبالاة. والذين يأكلون الطعام العادي كانوا أكثر حظاً في العيش لفترة أطول، 7) لقد تركت لنا السجلات إشارات عن “النقرس” و”المغص” و”التشنجات” مما يدعم فرضيات التسمم المزمن بالرصاص في الإمبراطورية الرومانية، 8) لقد كان للطبقة الغنية النصيب الأكبر في التسمم بالرصاص لأنها كانت تحصل على هذا التلوث من مصادر عدة؛ فقد كانوا يستعملون أوعية الطبخ من الرصاص لأنها تعطي مذاقاً حلواً وذلك بسبب تكون أسيتات الرصاص التي تسمى سكر الرصاص. 9) كما أن وجود الماء في الأنابيب المصنوعة من الرصاص والتي استخدمت على نطاق واسع في المدن الرئيسية بالإمبراطورية، فكانوا أول من ينعمون بالماء في الصباح قبل الآخرين، لقد أدى التسمم المزمن إلى تدمير الأرستقراطية الرومانية، 10) وبالتالي خلق حالة من ندرة الإدارة الجيدة. وقد أكد هذا الرأي في كتاب صدر له نفس العام تحت عنوان (Lead And Lead Poisoning In Antiquity) (12) بعد أن أجرى دراسة على رفات العديد من الرومانيين القدامى، إلا أن سكاربورو جون John Scarborough –صيدلي ذو فكر كلاسيكي- استعرض هذه الأدلة وتهكم عليها، ورأى أن السلطات القديمة كانت على علم بشأن التسمم بالرصاص، 13) فكان الرصاص مادة مثالية لإنتاج أنابيب المياه نظراً لتوفره، وبساطة تشكيله (صهره) بقليل من الحرارة، وسهولة تركيبه، فاستخدم الرومان هذا النوع من الأنابيب على نطاق واسع. 15) غير أن هذا النوع من الأنابيب لم يكن الوحيد، كانوا يفضلون الطين في صناعة الأنابيب. إلا أنه هناك أكثر من سبب محتمل للتسمم الرصاصي غير الأنابيب المصنوعة من الرصاص، 17) فعصير العنب غير المختمر كان يجب أن يُغلى لتركيز السكر، والأواني كانت من الرصاص، حتى أن بليني Pliny أوصى بإعداد النبيذ في أوعية من الرصاص. 18) وقد طرح جيلفيلان S. Columba Gilfillan في عام 1965م نظرية عن “الاضمحلال الروماني بسب السموم”. 19) فقد عانت روما القديمة من مشكلة تلف الأطعمة، وقد اكتشف الخمارون أن طعم النبيذ يكون أفضل، وأيضاً مسمم بالجراثيم الدقيقة التي تسبب التخمر. وقد استخدمت السابا أيضًا في المشروبات، وكمادة حافظة للطعام. 20) وهذه الكمية -في رأيه- أكثر من كافية للإصابة بالتسمم الرصاصي المزمن. وإذا كان النحاس والبرونز مشتبه فيهم كذلك، 22) وفقر الدم، وفتور الشعور، الحق أن عددا كبيرا من الأرستقراطيين الرومان تناولوا كميات كبيرة من الرصاص كل يوم مع الأطعمة والمشروبات، والعبقرية. وبالإضافة إلى النبيذ والمياه المنقولة عبر أنابيب الرصاص، من المرجح أنها كانت المصدر الرئيسي لتناول الرصاص من قبل الأرستقراطية الرومانية. فعلى الرغم من أنهم كانوا يشربون من نفس خط الأنابيب (26)، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إصابة الجسم بأمراض مزمنة.