عوامل النهضة الأدبية و الفكرية في القرن 19. تمهيد: الحياة السياسية و الأدبية قبل عصر النهضة: وسبب ذلك أن الحكام لم يكونوا ممن يتذوقون الشعر، و لا يشجعـون عليه، و لذلك انصرف الشعراء الى أمور أخرى تمكنهم من الرزق . و قد انتشر الكثير من ألفاظها1» في جميع مجالات الحياة ، فحرص الشعراء على تجويد ألفاظهم و تنميق عباراتهم حتى أصبح شعرهم عبارة عن حلى لفظية خالية، و على العموم يمكـن القول أن أدب هـذه المرحلة قد اتسم بالضعف و التخاذل باستثناء بعض ما كان من النصوص الشعرية لشعراء المدرستين المشهورتين في ذلك الوقت هما المدرسة البكرية و المدرسة العلوية. فهي نسبة الى أبي بكر الصديق ، و من تعلق به، و كلاهما أكثر في تناول موضوعات التصوف و المديح النبوي و التفـاخر بالأنساب و سير السلف . أغراض وموضوعات الأدب عامة و الشعر منه بالخصوص - في تلك المرحلة- تتمثل في تصوير البيئة المصرية و ما أصابها من انحطاط و تخلف اجتماعي و فكري جراء انصراف الحكام عن الانشغال بالشعب و بمشاكله والانغماس في ترف الحياة و ملـذاتها. و نتج عن هذه الأوضاع ركود تام للحركة الأدبية زمنا طويلا، تجمدت خلاله القرائح الحية، و بقي الشرق بعد الحروب الصليبية مغلقا على نفسه يسير في ظلمة دامسة من الجهل و الفقر الثقافي و قد أطلق عليها النقاد الفترة (المظلمة)، كما يتفق جميع الدارسين، و تنتهي بدخول نابليون مصر 1798م. استمرت الفترة حوالى ستة قرون، و لا شك أنها كانت مظلمة من النواحي الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية. * عوامل النهضة و مظاهرها: الشرق بالغرب. جرى هذا الاحتكاك في لبنان و مصر أولا، ا – احتكاك لبنان بالغرب: ظهر هذا الاحتكاك بنوع خاص في القرن 16 و ما يليه و هذا بتشجيع حركة البعثات الاوروبية الى الشرق و فتح مدارس بها الى جانب المدارس القديمة كمدرسة «عين ورقة» التي تعد أم المدارس الوطنية في هذه البلاد الى جانب مدرسة أخرى أسسها المعلم بطرس البستاني سنة 1863. ب – احتكاك مصر بالغرب: و لاسيما أن نابليون قد ضم الى حملته طغمة من العلماء و أهل العقل و الصناعة، أنشـأوا في القاهـرة مدرستيـــن لتعليـم أبناء الفرنسييـن المولوديــــن بمصر، 1- خضع التعليم أثناء حكم الأتراك لسياسة العثمانيين التي كانت تهدف إلى محاربة العلم و نشر الجهل ، 2- بعد أن استقل محمد على عن الحكم التركي عمل على نشر التعليم تحقيقا لأطماعه و آماله، ثم مدرسة للطب، و مدرسة للفنون، و أغلقت هذه المدارس في عهد الخديوي عباس، و مدرسة السنية للبنات . 3- و في أثناء الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882م خضع التعليم لسياسة الاستعمار ، الحكومي، ثم أنشئت الجامعة الأهلية 1908م، و الرسمية 1952م ، إلا أنها كانت مقيدة بالرسوم الجامعية بحيث لا يلتحق بها إلا أبناء الطبقة الغنية، و لا يجرؤ على الالتحاق بها أبناء الكادحين البؤساء . 4- و جاءت ثورة 23 يوليو 1952 م لتحطيم قيود التعليم القديمة فيصير مجانا حسب الكفاءة العلمية لا الدرجة المالية، و التعليم الأجنبي تحت إشراف وزارة التعليم العالي و البحث العلمي و التربية و التعليم، 3 – الطباعة : فقد تأسست أول مطبعة أمريكية ببيروت سنة 1834 ثم المطبعة اليسوعية سنة 1848. و قد كان لما اثر ملموس في النهضة الادبية في الشرق العربي . أما في مصر فقد اشترى محمد علي مطبعة نابليون التي أحظرها خلال حملته عليها و التي كانت نواة لمطبعة بولاق الشهيرة، ثم أنشئت بعد ذلك عدة مطابع كان لها الفضل في طبع الكثير من الكتب و إعادة إحياء التراث العربي وبعث نتاجه الفكري العريق و تمكين العامة من امتلاك الكتب باثمان يسيرة . 4 – الصحافة : كان لتأسيس الطباعة و تقدمها فضل في ظهور الصحافة و تقدمها، و كانت مصر المهد الأول للصحافة العربية فقد أنشئت سنة 1828 بإنشاء «الوقائع المصرية». و قد ارتقت الصحافة المصرية على يد اللبنانيين الذين هاجروا الى مصر في العهد الحميدي(السلطان عبد الحميد)؛ * أثر الصحافة في الفكر و اللغة و الأدب : ب - أثرت في الرأي العام و وجهته إلى التقدم في شتى المجالات ج - خلصت الأسلوب الأدبي من قيود الصنعة و أثقال الزينة . ه - ربطت الشعب العربي بتيارات الفكر العالمي و الجديد فيه . 5 – المجامع العلمية و الادبية: من العوامل المؤثرة في النهضة الحديثة المجامع العلمية و الادبية و الجامعات . هو المجمـع العلمي الذي أسســه نابليون في مصر من 48عضوا و قد قام المجمع بإجراء التجارب العلمية في الطبيعة و الكيمياء، ثم تأسست مجامع أخرى كالذي بدمشق وبيروت، و بغداد. 6- المكتبات : و المكتبات الجامعية و مكتبات وزارة التربية و التعليم في مدارسها . كل هذه المؤسسات كانت موارد ينهل منها جيل هذا العصر الحديث الذي عرف كيف يعمل و ينفض عنه غبار الأيام المظلمة، فراح يؤلف و ينتج و يؤسس الأندية الثقافية و الجمعيات العلمية . 7 – الترجمة و التأليف: من العوامل المؤثرة في الادب الحديث (الترجمة و التأليف و النشر )، وكان نشاط حركة الترجمة في مصر كبيرا من خلال قيام محمد علي بإرسال البعثات الى أوربا رغبة منه في إيجاد طبقة من المقتدرين على تعليم المصريين العلوم و المعارف الحديثة، و كان للمدارس التبشيرية و الأجنبية في الديار الشامية أثر في إيصال الثقافة الغربية الى السوريين و اللبنانيين و كان اساتذة هذه المدارس في الغالب غربيين، و لهذا استطاع من يرتاد هذه المدارس أن يتصل بالثقافة الغربية بصورة مباشرة، كما استطاع خريجوها ممن سافروا لاتمام تحصيلهم في أوروبا أن يكونوا أكثر تفهما للثقافة الغربية و تعصبا لها ممن قرؤوها في الكتب المترجمة . أما التأليف ، و أغلب الكتب التي ظهرت في هذا العهد كانت كتبا مترجمة في شتى العلوم و الفنون،