وعلى هذا فإننا واجدون في كلام العلماء في قضية وجود المجتهد المطلق المستقل أو المقيد في هذا المطلب هنا أن أكثر من ينفي وجود المجتهد المطلق الذي يجتهد في كل الأبواب والمسائل فيما بعد القرن الرابع الهجري إلى عصرنا هذا، إنما يقصد به المجتهد المطلق المبتكر لأصول اجتهاده، وأن أكثر من يثبت وجود المجتهد المطلق فيما بعد القرن الرابع الهجري إلى عصرنا هذا، فإنما يقصد به المجتهد المطلق الذي أخذ أصول اجتهاده عن غيره إما عن بيئة ونظر، وهذا حينئذ مجتهد مستقل عند من يكتفي من المستقل بهذا الأخذ دون من لم يكتف بذلك منه؛ وهذا حينئذ مجتهد منتسب لا غير باتفاق؛ ومن ثم فالنفي والإثبات في قضية وجود المجتهد المطلق المستقل فيما بعد القرن الرابع الهجري إلى عصرنا هذا، بما أن كلام النافين وارد على المطلق المبتكر لأصوله بنفسه، وهذا مستقل على خلاف؛ منتسب عند آخرين وليس مستقلا. ونحن في ضوء هذا الذي مهدنا به لمناقشة دليل القول بعدم وجود المجتهد المطلق المستقل بعد الأئمة المتبوعين إلى عصرنا هذا، نورد هذا الدليل ومناقشته كما يلي: المستفاد مما سقناه من كلام أصحاب هذا القول الأول في تقريره أن فقد شرط ابتكار أصول الاجتهاد هو متعلق أكثر القائلين يفقد المجتهد المطلق المستقل فيما بعد القرن الرابع الهجري إلى عصرنا هذا؛ وهو ما صرح به غير واحد من هؤلاء من المعاصرين وما أكده ابن المنير صراحة بقوله: أتباع الأئمة الآن مجتهدون ملتزمون أن لا يحدثوا مذهبا . حتى غالى بنفيه جواز هذا الابتكار رأساء لما فيه من مخالفة أصول السلف السابقة، وبالجملة فخلاصة هذا الدليل أن وجود المجتهد المطلق المستقل يتوقف على وجود شروط هذه الرتبة من مراتب الاجتهاد فيه؛ لم يصح القول بوجوده في تلك الأعصار لذلك؛ ولم يأخذها عن غيره ولو عن بيئة ونظر؛ فهو شرط عسير الوجود جدا؛