أما شوقها إلى أفعالها الخاصة بها أعني العلوم والمعارف مع هربها من أفعال الجسم الخاصة به فهو فضيلتها وبحسب طلب الإنسان لهذه الفضيلة وحرصه عليها يكون فضله وهذا الفضل يتزايد بحسب عناية الإنسان بنفسه وانصرافه عن الأمور العائقة له عن هذا المعنى بجهده وطاقته وقد وضح مما تقدم ما الأشياء العائقة لنا عن الفضائل أعني الأشياء البدنية والحواس وما يتصل بها. فأما الفضائل أنفسها فليست تحصل لنا إلا بعد أن تطهر نفوسنا من الرذائل التي هي أضدادها أعني شهواتها الرديئة الجسمانية ونزواتها الفاحشة البهيمية. فإن الإنسان إذا علم أن هذه الأشياء ليست فضائل بل هي رذائل تجنبها وكره أن يوصف بها وإذا ظن أنها فضائل لزمها وصارت له عادة وبحسب التباسه وتدنسه بها يكون بعده من قبول الفضائل. وقد يظهر للإنسان أن هذه الأشياء التي يشتاقها البدن بالحواس ويميل إليها الجمهور أعني المآكل والمشارب والمناكح هي رذائل وليست فضائل وأنه إذا عقلها في الحيوانات الآخر وجد كثيرا منها أقدر على الإستكثار منها وأحرص عليها كالخنزير والكلب وأصناف كثيرة من حيوان الماء وسباع الوحش والطير فإنها أقوى وأحرص من الإنسان علىهذه الأشياء وأكثر احتمالا لها وليست تكون بها أفضل من الإنسان. فينبغي الآن أن نقدم أمام ما نطلبه من سعادة النفس وفضائلها كلاما يسهل به فهم ما نريده فنقول: كل موجود من حيوان ونبات وجماد وكذلك بسائطها أعني النار والهواء والأرض والماء وكذلك الأجرام العلوية له قوى وملكات وأفعال بها يصير ذلك الموجود هو ما هو وبها يميز عن كل ما سواه وله أيضا قوى وملكات وأفعال بها يشارك ما سواه.