حكاية حسن الصائغ البصريومما يحكى أيضاً أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان رجل تاجر من التجار مقيم بأرض البصرة وكان ذلك التاجر له ولدان ذكران وكان عنده مال كثير فقدر الله السميع العليم أن التاجر توفي إلى رحمة الله تعالى وترك تلك الأموال فأخذ ولداه في تجهيزه ودفنه. وبعد ذلك اقتسما الأموال بينهما بالسوية وأخذ كل واحد منهما قسمة وفتحا لهما دكاكين أحدهما نحاس والثاني صائغ فبينما الصائغ جالس في دكانه يوماً من الأيام إذا برجل أعجمي ماشي في السوق بين الناس إلى أن مر على دكان الولد الصائغ فنظر إلى صنعته وتأملها بمعرفته فأعجبته وكان اسم الصائغ حسناً فهز الأعجمي رأسه وقال والله إنك صائغ مليح وصار ينظر إلى صناعته وهو ينظر إلى كتاب عتيق كان بيده والناس مشغولين بحسنه وجماله واعتداله، فلما كان وقت العصر خلت الدكاكين من الناس، فعند ذلك أقبل الرجل الأعجمي عليه وقال له يا ولدي أنت شاب مليح وأنا ما لي ولد وقد عرفت صنعة ما في الدنيا أحسن منها وقد سألني خلق كثير من الناس في شأن تعليمها فما رضيت أن أعلمها أحداً منهم، ولكن قد سمحت نفسي أعلمك إياها وأجعلك ولدي واجلع بينك وبين الفقر حجاباً وتستريح من هذه الصنعة والتعب في المطرقة والفحم والنار فقال له حسن يا سيدي ومتى تعلمني، فقال له في غد آتيك وأصنع لك من النحاس ذهباً خالصاً بحضرتك ففرح حسن وودع الأعجمي وسار إلى والدته فدخل وسلم عليها وأكل معها وهو مدهوش بلا وعي ولا عقل فقالت أمه ما بالك يا ولدي إحذر أن تسمع كلام الناس خصوصاً الأعاجم فلا تطاوعهم في شيء فإن هؤلاء غشاشون يعلمون صنعة الكيمياء وينصبون على الناس ويأخذون أموالهم ويأكلونها بالباطل. فقال لها يا أمي نحن ناس فقراء وما عندنا شيء يطمع فيه حتى ينصب علينا وقد جاءني رجل أعجمي لكنه شيخ صالح عليه أثر الصلاح وقد حننه الله علي فسكتت أمه على غيظ وصار ولدها مشغول القلب ولم يأخذه نوم في تلك الليلة من شدة فرحه بقول الأعجمي له فلما أصبح الصباح وأخذ المفاتيح وفتح الدكان، وإذا بالأعجمي أقبل عليه فقام وأراد حسن أن يقبل يديه فامتنع ولم يرض بذلك وقال يا حسن عمر البودقة وركب الكير، ففعل ما أمره به الأعجمي وأوقد الفحم فقال له الأعجمي يا ولدي هل عندك نحاس قال عندي طبق مكسور فأمره أن يتكيء عليه بالكاز ويقطعه قطعاً صغاراً ففعل كما قال له وقطعه قطعاً صغاراً ورماه في البودقة ونفخ عليه بالكير حتى صار ماء فمد الأعجمي يده إلى عمامته وأخرج منها ورقة ملفوفة وفتحها وذر منها شيئاً في البودقة مقدار نصف درهم وذلك الشيء يشبه الكحل الأصفر وأمر حسناً أن ينفخ عليه بالكير ففعل مثل ما أمره حتى صار سبيكة ذهب، فلما نظر حسن إلى ذلك اندهش وتحير عقله من الفرح الذي حصل له وأخذ السبيكة وقبلها وأخذ المبرد وحكها فرآها ذهباً خالصاً من عال العال فطار عقله واندهش من شدة الفرح، ثم انحنى على يد الأعجمي ليقبلها فقال له: خذ هذه السبيكة وانزل بها إلى السوق وبعها واقبض ثمنها سريعاً ولا تتكلم فنزل حسن وأعطى السبيكة إلى الدلال فأخذها منه وحكها فوجدها ذهباً خالصاً ففتحوا بابها بعشرة آلاف درهم وقد تزايد فيها التجار فباعها بخمسة عشر ألف درهم وقبض ثمنها ومضى إلى البيت وحكى لأمه جميع ما فعل وقال إني قد تعلمت هذه الصنعة، فضحكت عليه وقالت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.وفي الليلة السادسة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً الصائغ لما حكى لأمه ما فعل الأعجمي وقال لها إني قد تعلمت هذه الصنعة قالت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وسكتت على غيظ منها ثم إن حسناً أخذ من جهته هاوناً وذهب به إلى الأعجمي وهو قاعد في الدكان ووضعه بين يديه فقال له يا ولدي ما تريد أن تصنع بهذا الهون قال ندخله في النار ونفعله سبائك ذهب، فضحك الأعجمي وقال يا ولدي هل أنت مجنون حتى تنزل السوق بسبيكتين في يوم واحد ما تعلم أن الناس ينكرون علينا وتروح علينا، ولكن يا ولدي إذا علمتك هذه الصنعة لا تعملها في السنة إلا مرة واحدة فهي تكفيك من السنة إلى السنة قال صدقت يا سيدي ثم إنه قعد في الدكان وركب في البودقة ورمى الفحم على النار فقال له الأعجمي يا ولدي ماذا تريد قال علمني هذه الصنعة، فضحك الأعجمي وقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أنت يا ابني قليل العقل ما تصلح لهذه الصنعة قط هل أحد في عمره يتعلم هذه الصنعة على قارعة الطريق أو في الأسواق فإن اشتغلنا بها في هذا المكان يقول الناس علينا إن هؤلاء يصنعون الكيمياء فتسمع بنا الحكام وتروح أرواحنا فإذا أردت يا ولدي أن تتعلم هذه فاذهب معي إلى بيتي، فقام حسن وأغلق الدكان وتوجه مع الأعجمي فبينما هو في الطريق غذ تذكر قول أمه وحسب في نفسه ألف حساب فوقف وأطرق برأسه إلى الأرض ساعة زمانية فالتفت الأعجمي فرآه واقفاً فضحك وقال هل أنت مجنون كيف أضمر لك في قلبي الخير وأنت تحسب أني أضرك وقال له الأعجمي إن كنت خائفاً من ذهابك معي إلى بيتي فأنا أروح معك إلى بيتك وأعلمك هناك فقال له حسن نعم فقال له امش قدامي فسار حسن قدامه وسار الأعجمي خلفه إلى أن وصل الأعجمي إلى منزله فدخل حسن إلى داره فوجد والدته فأعلمها بحضور الأعجمي معه وهو واقف على الباب ففرشت لهما البيت ورتبته.فلما فرغت من أمرها راحت ثم إن حسناً أذن للأعجمي أن يدخل فدخل ثم إن حسناً أخذ في يده طبقاً وذهب به إلى السوق ليجيء فيه بشيء يأكله فخرج وجاء بأكل وأحضره بين يديه وقال له كل يا سيدي لأجل أن يصير بيننا خبز وملح والله تعالى ينتقم ممن يخون الخبز والملح. فقال له صدقت يا ولدي ثم تبسم وقال له يا ولدي من يعرف قدر الخبز والملح ثم تقدم الأعجمي وأكل مع حسن حتى اكتفيا، ثم قال له الأعجمي يا ولدي يا حسن هات لنا شيئاً من الحلوى فمضى حسن إلى السوق وأحضر عشر قباب الحلوى وفرح حسن بكلام الأعجمي، فلما قدم خيراً يا ولدي مثلك من يصاحبه الناس ويظهرونه على أسرارهم ويعلمونه ما ينفعه ثم قال الأعجمي يا حسن أحضر العدة، فلما سمع هذا الحديث إلا وخرج مثل المهر إذا انطلق من الربيع حتى أتى إلى الدكان وأخذ العدة ورجع ووضعها بين يديه فأخرج الأعجمي قرطاساً من الورق وقال يا حسن وحق الخبز والملح لولا أنت أعز من ولدي ما أطلعتك على هذه الصنعة وما بقي شيء من الإكسير إلا في هذا القرطاس، ولكن تأمل حين أركب العقاقير وأضعها قدامك واعلم يا ولدي يا حسن أنك تضع على كل عشرة أرطال نحاساً نصف درهم من هذا الذي في الورقة فتصير العشرة أرطال ذهباً خالصاً إبريزاً ثم قال يا ولدي يا حسن إن في هذه الورقة ثلاثة أوراق بالوزن المصري وبعد أن يفرغ ما في هذه الورقة اعمل لك غيره فأخذ حسن الورقة فرأى شيئاً أصفر أنعم من الأول فقال يا سيدي ما اسم هذا وأين يوجد وفي أي شيء يعمل فضحك الأعجمي من طمع حسن وقال له عن أي شيء تسأل وأنت ساكت، وأخرج طاسة من البيت واخرج طاسة من البيت اقطعها وألقاها في البودقة ورمى عليها قليل من الذي في الورقة فصارت سبيكة من الذهب الخالص.فلما رأى حسن ذلك فرح فرحاً شديداً وصار متحيراً في عقله مشغولاً بتلك السبيكة فأخرج صرة من رأسه بسرعة وقطعها ووضعها في قطعة من الحلوى وقال له يا حسن أنت بقيت ولدي وصرت عندي أعز من روحي ومالي وعندي بنت أزوجك بها فقال حسن أنا غلامك ومهما فعلته معي كان عند الله تعالى فقا الأعجمي يا ولدي طول بالك وصبر نفسك يحصل لك الخير ثم ناوله القطعة الحلوى فأخذها وقبل يده ووضعها في فمه وهو لا يعلم ما قدر له في الغيب ثم بلع قطعة الحلوى فسبقت رأسه ورجليه وغاب عن الدنيا فلما رآه الأعجمي وقد حل به البلاء فرح فرحاً شديداً وقام على أقدام وقال وقعت يا علق يا كلب العرب لي أعوام كثيرة أفتش عليك حتى حصلتك يا حسن.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.وفي الليلة السابعة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً الصائغ لما أكل قطعة الحلوى التي أعطاها له الأعجمي ووقع منها على الأرض مغشياً عليه، فرح الأعجمي وقال له لي أعوام كثيرة وأنا أفتش عليك حتى حصلتك، ثم إن الأعجمي شد وسطه وكتف حسناً وربط رجليه على يديه، وأخذ صندوقاً وأخرج منه الحوائج التي كانت فيه ووضع حسناً فيه وقفله عليه وفرغ صندوقاً آخر وحط فيه جميع المال الذي عند حسن والسبائك الذهب التي عملها أولاً وثانياً وقفله ثم خرج يجري إلى السوق وأحضر حمالاً حمل الصندوق، وتقدم إلى المركب الراسي وكان ذلك المركب مهيأ للأعجمي وريسه منتظر، فلما نظره بحريته أتوا إليه وحملوا الصندوقين ووضعوهما في المركب وصرخ الأعجمي على الريس وعلى جميع البحرية وقال لهم قوموا قد انقضت الحاجة وبلغنا المراد، فصرخ الريس على البحرية قال لهم: أقلعوا المراسي وحلوا القلوع، وصار المركب بريح طيبة هذا ما كان من أمر الأعجمي.وأما ما كان من أمر أم حسن فإنها انتظرته إلى العشاء، ولم تجد الصناديق ولا المال، فعرفت أن ولدها قد فقد ونفذ فيه القضاء فلطمت على وجهها وشقت أثوابها وصاحت وولولت وصارت تقول واولداه واثمرة فؤاداه.ثم إنها صارت تبكي وتنوح إلى الصباح فدخل عليها الجيران وسألوها عن ولدها فأخبرتهم بما جرى له مع العجمي واعتقدت أنها لن تجده بعد ذلك.ثم قالت نعم يا ولدي إن الدار قفرة والمزار بعيد ثم إن الجيران ودعوها بعد أن دعوا لها بالصبر وجمع الشمل قريباً، ولم تزل أم حسن تبكي أثناء الليل وأطراف النهار، هذا ما كان من أمرها. وأما ما كان من أمر ولدها حسن مع الأعجمي، فإن الأعجمي كان مجوسياً وكان يبغض المسلمين كثيراً وكلما قدر على أحد من المسلمين يهلكه وهو خبيث لئيم كيماوي كما قال فيه الشاعر:هو الكلب وابن الكلب والكلب جدهولا خير في كلب تناسل من كلبوكان اسم ذلك الملعون بهرام المجوسي، وكان له في كل سنة واحد من المسلمين يأخذه ويذبحه على مطلب، فلما تمت حيلته على حسن الصائغ وسار به من أول النهار إلى الليل رسى المركب على بر إلى الصباح، فلما طلعت الشمس وسار المركب أمر الأعجمي عبيده وغلمانه أن يحضروا له الصندوق الذي فيه حسن فأحضروه له ففتحه وأخرجه منه ونشقه بالخل ونفخ في أنفه ذرراً فعطس وتقايا بالبنج وفتح عينيه ونظر يميناً وشمالاً، فوجد نفسه في وسط البحر والمركب سائراً والأعجمي قاعداً عنده، فعلم أنها حيلة عملت عليه قد عملها الملعون المجوسي وأنه وقع في الأمر الذي كانت فيه أمه تحذره فقال كلمة لا يخجل قائلها وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم الطف بي في قضائك وصبرني على بلائك يا رب العالمين، ثم التفت إلى الأعجمي وكلمه بكلام رقيق وقال له يا والدي ما هذه الفعال وأين الخبز والملح واليمين التي حلفتها لي فنظر إليه وقال له يا كلب هل مثلي يعرف خبزاً وملحاً وأنا قد قتلت ألف صبي إلا صبيا وأنت تمام الألف، وصاح عليه فسكت وعلم أن سهم القضاء نفذ فيه.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.وفي الليلة الثامنة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً لما رأى نفسه وقع مع الأعجمي الملعون كلمه بكلام رقيق فلم يفده بل صاح عليه فسكت وعلم أن سهم القضاء نفذ فيه فعند ذلك أمر الملعون بحل أكتافه، ثم سقوه قليلاً من الماء والمجوسي يضحك ويقول وحق النار والنور والظل والحرور، وما كنت أظن أنك تقع في شبكتي، ولكن النار قوتني عليك وأعانتني على قبضك حتى أقضي حاجتي وأرجع وأجعلك قرباناً لها حتى ترضى عني فقال حسن قد خنت الخبز والملح فرفع المجوسي يده وضربه ضربة فوقع وعض الأرض بأسنانه، وغشي عليه وجرت دموعه على خده ثم أمر المجوسي أن يوقدوا له ناراً، فقال له حسن ما تصنع بها فقال له هذه النار صاحبة النور والشرور وهي التي أعبدها فإن كنت تعبدها مثلي فأنا أعطيك نصف مالي وأزوجك بنتي، فصاح حسن عليه وقال يا ويلك إنما أنت مجوسي كافر تعبد النار دون الملك الجبار خالق الليل والنهار وما هذه إلا وصية في الأديان.فعند ذلك غضب المجوسي وقال: أما توافقني يا كلب العرب وتدخل في ديني فلم يوافقه حسن على ذلك، فقام المجوسي الملعون وسجد للنار وأمر غلمانه أن يرموا حسناً على وجهه فرموه، وصار المجوسي يضربه بسوط مضفور من جلد حتى شرح جوانبه وهو يستغيث فلا يغاث ويستجير فلا يجيره أحد فرفع طرفه إلى الملك القهار وتوسل إليه بالنبي المختار وقد قل منه الاصطبار وجرت دموعه على خديه كالأمطار. ثم إن المجوسي أمر العبيد أن يقعدوا وأمر أن يأتوا إليه بشيء من المأكول والمشروب فأحضروه فلم يرض أن يأكل ولا يشرب وصار المجوسي يعذبه ليلاً ونهاراً مسافة الطريق وهو صابر يتضرع إلى الله عز وجل، وقد قسى قلب المجوسي عليه، ولم يزالوا سائرين في البحر مدة ثلاثة أشهر، وحسن معهم في العذاب فلما كملت الثلاثة أشهر أرسل الله تعالى على المركب ريحاً فاسود البحر وهاج بالمركب من كثرة الريح فقال الريس والبحرية هذا والله كله ذنب هذا الصبي الذي له ثلاثة أشهر في العقوبة مع هذا المجوسي وهذا ما يحل من الله تعالى ثم إنهم قاوموا المجوسي وقتلوا غلمانه وكل من كان معه فلما رآهم المجوسي قتلوا الغلمان أيقن بالهلاك، وخاف على نفسه وحل من أكتافه وقلعه ما كان عليه من الثياب الرثة وألبسه غيرها وصالحه، ووعده أن يعلمه الصنعة ويرده إلى بلده وقال يا ولدي لا تؤاخذني بما فعلت، فدعا لهم حسن وحمد الله تعالى وشكره فسكتت الرياح وانكشفت الظلمة وطاب اليح والسفر، ثم إن حسناً قال للمجوسي يا أعجمي إلى أين تتوجه قال يا ولدي أتوجه إلى جبل السحاب الذي فيه الإكسير الذي نعمله كيمياء، وحلف المجوسي بالنار والنور أنه ما بقي لحسن عنده ما يخيفه فطاب قلب حسن وفرح بكلام المجوسي، وصار يأكل معه ويشرب وينام ويلبسه من ملبوسه، ولم يزالوا مسافرين مدة ثلاثة أشهر أخرى.وبعد ذلك رسى المركب على بر طويل كله حصى أبيض وأصفر وأزرق وأسود وغير ذلك من جميع الألوان، فلما رسى نهض الأعجمي قائماً وقال يا حسن قوم اطلع فإننا قد وصلنا إلى مطلوبنا ومرادنا فقام حسن وطلع مع الأعجمي وأوصى المجوسي الريس على مصالحه ثم مشى حسن مع المجوسي إلى أن بعدا عن المركب وغابا عن الأعين ثم قعد المجوسي وأخرج من جيبه طبلاً نحاسياً وزخمة من حرير منقوشة بالذهب وعليها طلاسم وضرب الطبل، فلما فرغ ظهرت غبرة من ظهر البرية، فتعجب حسن من فعله وخاف منه وندم على طلوعه معه وتغير لونه فنظر إليه المجوسي وقال له ما لك يا ولدي وحق النار والنور، ما بقي عليك خوف مني ولولا أن حاجتي ما تقضى إلا على اسمك ما كنت أطلعك من المركب فأبشر كل خير، وهذه الغبرة غبرة شيء نركبه فيعيننا على قطع هذه البرية ويسهل علينا مشقتها فما كان إلا قليل حتى انكشفت الغبرة عن ثلاث نجائب، فركب الأعجمي واحدة وركب حسن واحدة وحملا زادهما على الثالثة وسارا سبعة أيام، ثم انتهيا إلى أرض واسعة فلما نزلا في تلك الأرض نظرا إلى قبة معقودة على أربعة أعمدة من الذهب الأحمر، فنزلا من فوق النجائب ودخلا تحت القبة وأكلا وشربا واستراحا فلاحت التفاتة من حسن فرأى شيئاً عالياً فقال له حسن ما هذا يا عم فقال له المجوسي هذا قصر، فقال له حسن أما نقوم ندخل لنستريح فيه وتنفرج عليه فذهب المجوسي وقال له لا تذكر لي هذا القصر فإن فيه عدوي ووقعت لي معه حكاية ليس هذا وقت إخبارك بها، ثم دق الطبل فأقبلت النجائب فركبا وسارا سبعة أيام فلما كان اليوم الثامن قال المجوسي يا حسن ما الذي تنظره فقال حسن أنظر سحاباً وغماماً بين المشرق والمغرب.فقال له المجوسي ما هذا سحاب ولا غمام وإنما هو جبل شاهق ينقسم عليه السحاب وليس هناك سحاب يكون فوقه من فرط علوه وعظم ارتفاعه وهذا الجبل هو المقصود لي وفوقه حاجتنا ولأجل هذا جئت بك معي وحاجتي تقضى على يديك،