أبرز علماء اجتماع التربية أن من وظائف التربية إتاحتها الفرصة لولوج أعضاء جدد، في مجتمع ماء وبهذا المعنى فهي تندرج ضمن سيرورات إعادة الإنتاج الاجتماعي التا؛ ذلك أن كل مجموعة اجتماعية تتشكل من اختلافات، ومعايير تمييز تندرج غالبا ضمن خصوصيات بيولوجية، يسعى بناء أيديولوجي بكامله - هو الذي تتكفل التربية أو التنشئة الاجتماعية بمهمة نقله - لإضفاء الشرعية عليها. فكل مجتمع يحرص على أن يجعل تفسيما للعمل بين الجنسين، خصوصا بالاستناد إلى الاختلافات من ناحية الكفايات والمؤهلات والمهمات، والتي كشف الدرس الإثنولوجي أنها في الواقع متغيرة من مجتمع إلى آخر. لماذا إذا تصمت سوسيولوجيا التربية عن ظواهر هي مع ذلك في صلب إشكاليتها؟ هل لأن الجنس متغير خاص؟ تجيبنا ماري دورو بيلا أن هذا المتغير يتميز بكونه في الوقت ذاته مقولة بيولوجية تخلو عموما من الغموض، لكن السن أو العرق لهما أيضا هذه الخاصية المزدوجة، من دون أن يبدي عالم الاجتماع أي صمت تجاههما، فلماذا إذا يتخلى هذا العالم عن إنتاج تأويل سوسيولوجي للاختلافات تبعا للجنس، يتجاوز اللجوء إلى الاختلافات الطبيعية؟ لماذا لا ينتصر لمنطق تخصصه العلمي في مواجهة كتلة المعطيات التي تشهد على هذه الاختلافات، فيبحث عن أصل التشكل الاجتماعي لهذه السلوكات المتمايزة وسيرورته، الصادرة عن فاعلين اجتماعيين، ذكورا وإناثًا ؟ في الواقع يتعين البحث عن أجوبة لهذه النوعية من الأسئلة في جهة سوسيولوجيا السوسيولوجيين أكثر منها في جانب سوسيولوجيتهم، لا سيما أن السوسيولوجيا تدعو باستمرار إلى القيام بسوسيولوجيا الممارستها العلمية، أو تعلق الأمر بنمط المواضيع التي تدرسها، وفي هذا الصدد، ترى ماري دورو بيلا أن تحليل الموقع الاجتماعي لعلماء اجتماع التربية أنفسهم، ولانخراطهم فاعلين اجتماعيين في العلاقة بالموضوع المدروس هو أيضا لحظة أساسية، ضمن المقارية السوسيولوجية التي تسعى للكشف عن حيثيات الصمت، ففي سوسيولوجيا التربية، وغالبا ذوو مرجعية ماركسية. يمكننا أن نفترض أن صمتهم إزاء التمايزات بين الجنسين أن أولاً من كونهم رجالاً، فهم الا ينتبهون للمشكل؛ بحيث يفكرون في ذواتهم باعتبارها كونية وليست إشكالية، بالتماهي اللاواعي مع العام ومع المذكر فعندما يحللون، يبررون ذلك بضرورة توخي الموضوعية والحياد. ذلك أن طرح موضوع هذه التفاوتات يعني في نظرهم الانسياق وراء اعتبارات ذاتية، والانتصار لوجهة نظر خاصة رجال نساء، باعتباره ثانويا مقارنة بالصراع الطبقي. لكن هل إن المرجعية الماركسية قناع أيديولوجي يحول دون انتباه المشتغلين بالسوسيولوجيا المشكل التفاوت بين الجنسين ؟ في الواقع، فإن الأمر بخلاف ذلك مثلاً بالنسبة إلى الباحثات الممثلات لما يسمى تيار النسائية المادية اللواتي لم يثنهن استلهامهن المرجعية الماركسية عن تأكيد تلازم الصراع الطبقي والنضال ضد الهيمنة الذكورية. Nicole-Claude Mathieu ونيكول - كلود ماثيو Christine Delphy من كرستين دلفي Paola Tabet، إلخ، بأن النظام البطريركي يخترق كل الطبقات الاجتماعية، ويوجد في كل المجتمعات الإنسانية، ومن ثم فمعركة القضاء على النظام الرأسمالي ومعركة القضاء على التمييز الجنسي معركتان متلازمتان يجب أن تسيرا على نحو تساوقي وتزامني . يفسر العمى السوسيولوجي إذا في الوقت نفسه بإثنو مركزية الجنس، وبتأثير الانغلاق النظري أو هيمنة البراديغم المهيمن على إشكاليتهم. يبدو لنا أنها وحدها إثنو مركزية للجنس قوية جدا، رغم أنه يؤثر في كل التفاعلات الاجتماعية، ومن ثم في كل البيئة الاجتماعية للذات، بوصفها متغيرا، فالسيكولوجيا الاجتماعية أبرزت بإسهاب أن أعضاء الجماعات المهيمنة يدركون ذواتهم بصفتهم أفراداً قبل أي شيء آخر، وليس مصادقة،