أولاً: تعريفات حول اليوم الآخر ٢- سبب تسميته بذلك: لأنه لا يوم بعده؛ 1. معنى الإيمان باليوم الآخر: التصديق الجازم بإتيانه، والعمل بموجب ذلك . 2. مفهوم الإيمان باليوم الآخر: الإيمان باليوم الآخر يشمل كل ما ورد في أخبار ذلك اليوم، فيدخل في ذلك الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها التي تكون قبلها، وبالموت وما بعده من فتنة القبر، الذي أعلاه النظر إلى وجه اللّٰه - عز وجل - وبالنار وعذابها الذي أشده حجب أهلها عن ربهم - عز وجل(٢) 3. ٥- أسماء اليوم الآخر: عدد بعض العلماء أسماء اليوم الآخر، وشرع في شرحها . للإيمان باليوم الآخر أهمية عظمى، ومما يدل على ذلك ما يلي: واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)(١) . 1. كثرة وروده في نصوص الشرع: فقل أن تمر على صفحة من القرآن الكريم إلا وتجد فيها حديثاً عن اليوم الآخر، وما فيه من ثواب وعقاب . 2. كثرة ارتباطه بالإيمان بالله - تعالى -: فكثيراً ما يرد في القرآن الكريم، والسنة النبوية ذكر اليوم الآخر مرتبطاً بالإيمان بالله. 
قال اللّٰه - تعالى -: ( لَيْسَ البرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِق وَالْمَغْرِب وَلَكِنَّ البَرَّ مَنْ آمَنَ باللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِر) [البقرة: ١٧٧]. 
وقال النبي - عليه الصلاة والسلام - : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»(٢) . 3. كثرة الثناء على المؤمنين به، والذم للكافرين به: قال اللّٰه - تعالى - في وصف المؤمنين: (وَهُم بِالآخرَةِ هُمْ يُوقَنُونَ ٣ وقال في وصف الكافرين : ( وَهُم بالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) [هود: ١٩] . وذكر تفاصيله. 2. كثرة أسماء اليوم الآخر: فلليوم الآخر أسماء كثيرة، وكثرة هوله . ١) كلام العرب . وله نظائر؛ فالقيامة لما عظم أمرها، هذا وقد ورد شيء من أسماء ذلك اليوم في فقرة سابقة. وهذا ما سيتبين في الفقرة التالية. ثالثاً: ثمرات الإيمان باليوم الآخر وعبوديات متنوعة، ومن ذلك ما يلي : ١- أداء عبادة اللّٰه - عز وجل -: فالإيمان باليوم الآخر مما تعبدنا اللّٰه - تعالى - به . وكمال المخلوق في تحقيقه العبودية لربه. التي لا يصح إيمان بدونها. وعلت درجته . 2. انبعاث الرجاء والخوف: فالإيمان باليوم الآخر يحمل على فعل الطاعات؛ خوفاً من عقاب ذلك اليوم. وما فيه من النعيم المقيم لأهل الطاعة، وعدله، وحكمته: حيث يجازي من يستحق العذاب عدله، ويجازي من يستحق الثواب بفضله . 
وإنما يُعلم ذلك بمعرفة ما يكون في الآخرة من الجزاء والحساب . وإن كانت الضراء أعد لها الصبر . وليس ذلك لأحد غير المؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»(١). قال القرطبي - رحمه اللّٰه _: ((فاعلم أن ذكر الموت يورث استشعار الانزعاج من هذه الدار الفانية، والتوجه في كل لحظة إلى الدار الآخرة الباقية . ونعمة ومحنة، والموت أصعب منه، لقطعه عنها» (٢) . ٦- قيام الأخلاق الجميلة: فالإيمان باليوم الآخر يورث للإنسان أخلاقاً فيورثه - على سبيل المثال - خُلُق البذل، والإنفاق ؛ فتراه يُؤثِر أعمال البر بجانب من ماله ولو كان به خصاصة، وتراه بنفق إنفاق من لا يخشى الفقر . فتراه يُقدِم في سبيل اللّٰه غير هياب من الموت؛ وأهنأ راحة، والإيمان باليوم الآخر يورث صاحبه خلق التواضع؛ لعلمه بأن الكبر الله وحده، وبذلك لا ينزعج لحلول مكروه، أو (النقل) ويقابله مصطلح آخر وهو مصطلح (العقل) . ومصطلح السمعيات من مصطلحات أهل الكلام، وإن كان الأولى استعمال المصطلح الشرعي. وبما أن هذا المصطلح يرد كثيراً، وأن معظم مباحث هذا الكتاب داخلة في باب السمعيات - فهذه وقفة حوله، ثم يُعرَّج بعد ذلك إلى ما يقابله وهو (العقل) ثم يبين أنه لا تعارض بينهما. حيث تدل عليه، ٢- النقل ٧- الأدلة من الكتاب والسنة ٨- الأدلة الشرعية ٩- الشرع وتصديقها سواء أدرك الإنسان معناها أم لم يدركه؛ على التسليم لله، وتصديق خبره، والانقياد لأمره. وهو من أجمع التعاريف (١) ب- ابتداء وجود العقل: يقول الفيروز بادي : ((وابتداء وجوده عند أو بصفات الأشياء من حسنها وقبحها، وكمالها ونقصانها . ولهيئة محمودة للإنسان في حركاته وكلامه. ويحجزها عما لا ينبغي من اعتقاد فاسد، ورفع مناره؛ والثناء على من كانوا كذلك. كما أنه مليء بذم الذين عطلوا عقولهم، ز - وظيفة العقل: العقل نور أودعه اللّٰه في الإنسان ؛ ليكشف لها الأشياء، وليفهم به عن اللّٰه ورسوله - صلى اللّٰه عليه وسلم - ولينظر من خلاله في ملكوت السموات والأرض، وليدرك به أسرار الكون، ويتدبر في نفسه وآيات اللّٰه من حوله، ويبحث من طريقه إلى ما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه. هذه - بإجمال - وظيفة العقل . والروح، والجنة، والنار، ذلك أن العقل البشري له مجاله الذي يعمل فيه؛ فإذا ما حاول أن يتخطى هذا المجال فإنه سَيَضِل ويتخبط في متاهات لا قبل له بها؛ فمجال العقل كل ما هو محسوس. أما الغيبيات التي لا تقع تحت مداركه فلا مجال للعقل أن يخوض فيها، بل يعتقدون أن للعقل مكانة سامية، له مجالات النظر والتفكير . وفي الوقت نفسه لا يؤلهون العقل، ولا يجعلونه حاكماً على نصوص الشرع؛ أما غيرهم فما بين مُفْرِط ومُفَرِّّط في هذا الباب؛ والفلاسفة، وأهل الكلام عموماً - الَّهوا العقل، مع أن عقولهم مختلفة، بل إن الواحد منهم قد يختلف حتى مع نفسه. وفي مقابل هؤلاء نجد أن أهل الدجل والخرافة قد ألغوا العقل، وقبلوا ما لا يقبل ولا يعقل . فالخيال والوهم لا يصلحان أساسا للعقيدة والمعرفة الصحيحة . والعقيدة الإسلامية حقيقة ثابتة دل عليها الشرع بالقواطع من الأدلة النقلية . فإذا كان العقل هو الذي دلنا على معرفة اللّه - عز وجل - وعلى أن محمدا رسول اللّٰه حقاً _ فإن أي معارضة تُفْرَض بين العقل وما جاء في الكتاب والسنة، أو رَدّ خبر الله، وخبر رسوله؛ والعقل الصريح: هو الخالي من الشبهات والشهوات، والنقل الصحيح هو السالم من العلل والقوادح. القاعدة الأخرى تقول: ((إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل)). لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفعهما رفع النقيضين، وتقديم العقل ممتنع؛ لأن العقل دل على صحة السمع، فلو أبطلنا النقل لكنا أبطلنا دلالة العقل، فكان تقديم العقل موجباً عدم تقديمه ؛ وهذا بيِّنٌ واضح؛ فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته، فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلاً صحيحاً، وإذا لم يكن دليلا صحيحاً لم بجز أن يتبع بحال، فصار تقديم العقل على النقل قدحاً في العقل . أولاً: الموت: ونقيضها . ومفارقته، وتَبَدَّل حالٍ، * الموت يأتي فجأة: قال القرطبي - رحمه اللّٰه _: ((وأجمعت الأمة على أن الموت ليس له سنٌ معلوم، مستعدا لذلك)). ٢) ثانياً: البرزخ: * تعريفه في اللغة: البرزخ في كلام العرب هو الحاجز بين الشيئين. قال: ليس هو في دار الدنيا، وقال ابن القيم - رحمه اللّٰه - : (البرزخ: هو ما بين الدنيا والآخرة، أ - تعريفه: القبر مدفن الإنسان، والمقبُرةُ بفتح الباء وضمها موضع القبور، ٣) منها الاختبار والامتحان، كما قال - تعالى -: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيه ) [طه: ١٣١]. وتطلق على الشرك، كما قال - تعالى -: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لا تَكُونَ فَتْنَةَ ) [البقرة: ١٩٣]. وفتنة القبر: هي سؤال الملكين الميتَ بعد دفنه عن ربه، فَيُسأل، ويضل اللّٰه الظالمين، فيقول الكافر: هاه، هاه لا أدري . ويقول المنافق أو المرتاب: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً قلته . الحديث وفيه عن العبد المؤمن «فتعاد له روحه في جسده، فيأتيه ملكان ليجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول ربي الله، فيقولان له: ما عِلمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فينادي منادٍ من السماء: أن قد صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وفيه عن العبد الكافر ((ويأتيه ملكان فيجلسانه، هاه لا أدري، فيقول هاه هاه لا أدري، هاه لا أدري؛ د- وصف الملكين وتسميتها: جاء في بعض الأحاديث وصف الملكين الموكلين بفتنة القبر، فعن أبي هريرة - رضي اللّٰه عنه - قال: قال النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم - ((إذا قبر أحدكم- أو الإنسان - أتاه ملكان أسودان أزرقان، وللآخر: النكير)) . ه - هل تفتن الأمم السابقة في قبورها أو أن ذلك خاص بهذه الأمة؟: قال بعض العلماء: إن الأمم السابقة لا تفتن في قبورها؛ فعوجلت بالعذاب وأن هذه الأمة قد أُمسك عنها العذاب، وهذا القول محل نظر، والصحيح أن الأمم السابقة تفتن في قبورها، وتعذب أو تنعم . اللّٰه عنها - قالت: ((دخل عليَّ رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: هل شعرتِ أنكم تفتنون في القبور؟ قالت: فارتاع رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - وقال: ((إنما تفتن اليهود)) . قالت عائشة: فلبثنا ليالي، قالت عائشة: (فسمعت رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر)) . (١) قال ابن القيم - رحمه اللّٰه - بعد أن ذكر الخلاف في هذه المسألة : وأنهم معذبون في قبورهم بعد السؤال لهم، وإقامة الحجة عليهم كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال، والله - سبحانه وتعالى - أعلم). - هل يفتن الكافر في قبره؟: الصحيح أنه يفتن، فالفتنة عامة للكافر وغيره، ز - هل الأطفال يمتحنون في قبورهم؟: الجواب أن هذه المسألة قد اختلف فيها على قولين : الأول: قول من قال: إنهم يسألون، وحجة أولئك أنه يشرع الصلاة عليهم، الثاني: قول من قال بأنهم لا يسألون؛ لأن السؤال إنما يكون لمن عقل الرسول والمُرْسِل، فيسأل: هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا . والذي يظهر من كلام ابن تيمية، وابن القيم - رحمهما اللّٰه - أنهما بميلان إلى القول الأول . ح - هل يفتن غير المكلف؟: الجواب أن هذه المسالة قد اختلف فيها . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللّٰه _: ((وقد تواترت الأحاديث عن النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم - في هذه الفتنة من حديث البراء ابن عازب، وأنس بن مالك، وأبي هريرة وغيرهم - رضي اللّٰه عنهم. وهي عامة للمكلفين إلا النبيين فقد اختلف فيهم، وكذلك اختلف في غير المكلفين كالصبيان والمجانين؛ فقيل يفتنون وقيل لا يفتنون؛ وهذا قول القاضي وابن عقيل . وعلى هذا فلا يلقنون بعد الموت. وقيل يلقنون، وهذا قول أبي حكيم، ونقله عن أصحابه، واختاره، وهو مقتضى نصوص الإمام أحمد). (١) وقال في موضع آخر بعد كلام قريب من الكلام السابق بعد أن ذكر حجة القائلين بالقول بأنهم يفتنون (ومن قال بالأول: يستدل بما في الموطأ عن أبي هريرة - رضي اللّٰه عنه - أنه صلى على صغير لم بعمل خطيئة قط فقال: ((اللهم قه عذاب القبر وفتنة القبر)) وهذا يدل على أنه يفتن . وأيضا فهذا مبنيٌّ على أن أطفال الكفار الذين لم يكلفوا في الدنيا يكلفون في الآخرة، كما وردت بذلك أحاديث متعددة. وهو القول الذي حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة؛ فإن النصوص عن الأئمة كالإمام أحمد وغيره: الوقف في أطفال المشركين كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم - أنه سئل عنهم فقال: (اللّه أعلم بما كانوا عاملين)). وثبت في صحيح البخاري أن منهم من يدخل الجنة . وثبت في صحيح مسلم أن الغلام الذي قتله الخَضِر طُبعَ يوم طُبعَ كافراً . لكن هذا مبني على أنه لا يُشهد لكل معين من أطفال المؤمنين بأنه في الجنة، فالطفل قد يكون منافقاً بين مؤمنين، والله أعلم)) . قال ابن القيم - رحمه اللّٰه -: ((وأما حديث أبي هريرة(٢) - رضي اللّٰه عنه - فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة على الطفل على ترك طاعة، أو فعل معصية؛ فإن اللّٰه لا يعذب أحداً بلا ذنب عمله. أي يتألم، وهذا كقول النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم -: (السفر قطعة من فالعذاب أعم من العقوبة. فيتألم به؛ والله أعلم)) . (١) أولاً تعريفه: هو اسم لنعيم البرزخ وعذابه، وعذابه للظالمين من المنافقين والكافرين. ثانياً: تواتر الأخبار في نعيم القبر وعذابه: يقول شارح الطحاوية: لقد تواترت الأخبار عن رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان أهلا لذلك؛ فيجب اعتقاد ذلك، والإيمان به). بل وسائر أهل الملل إثبات القيامة الكبرى، والثواب والعقاب في البرزخ - ما بين الموت إلى القيامة - هذا قول السلف قاطبة، وأهل السنة والجماعة، وإنما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع)) . (٢) ثالثاً: نعيم القبر وعذابه في القران الكريم: نعيم القبر وعذابه في البرزخ مذكور في غير ما آية ؛ وقد ترجم البخاري - رحمه اللّٰه - في كتاب الجنائز لعذاب القبر، فقال: ((باب ما جاء في عذاب القبر). وقوله - تعالى -: (وَحَاقَ بآلِ فَرْعَوْنَ سُوءُ العَذَاب (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ} [غافر: ١) . ٤٦, والآية الأولى التي ساقها البخاري إنما هي في تعذيب الملائكة الكفار في حال الاحتضار، والآية الثانية تدل على أن هناك عذابين سيصيبان المنافقين قبل عذاب يوم القيامة. وإما بأيدي المؤمنين . والأخرى نحتمل أحد ما تقدم ذكره من الجوع، أو السبي، وغير ذلك)) . والآية الثالثة حجة واضحة لأهل السنة الذين أثبتوا عذاب القبر ؛ فإن الحق - تبارك وتعالى - قرر أن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً، لأنه - عز وجل - قال بعد ذلك: (ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَاب) [غافر: ٤٦]. قال القرطبي: (الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ، وهو حجة في تثبيت عذاب القبر)) . رابعاً: الإيمان بعذاب القبر ونعيمه بلا كيفية: قال شارح الطحاوية - رحمه إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته؛ لكونه لا عهد له به في هذه الدار . ولكن قد يأتي بما تحار فيه العقول؛ بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا) . (٣) سواء قبر أم لم يقبر، أو احترق حتى صار رماداً ونسف بالهواء، أو صلب، أو غير ذلك؛ فالعذاب أو النعيم يصل إليه كما يصل إلى المقبور . فالمصلوب، والحَرِق، فقد ظن بعض الأوائل أنه إذا حُرِق جسده بالنار، فأوصى بنيه أن يفعلوا به ذلك، فأمر اللّٰه البحر فجمع ما فيه، ثم قال: قم؛ فإذا هو قائم بين يدي الله، سأله: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: خشيتك يا رب وأنت أعلم؛ فلم يَفُتْ عذاب البرزخ ونعيمه هذه الأجزاء التي صارت في هذه الحال، حتى لو كان علق ١) الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الرياح لأصاب جسده من عذاب البرزخ حظه ونصيبه. ولو دفن الرجل الصالح في أتون من النار لأصاب جسده من نعيم وخالقها يُصَرِّفها كيف يشاء، ومن أنكر هذا فقد جحد رب العالمين، وكفر به، (٣) وما دينك، وما نبيك؟ والجواب عن هذا الإشكال : ويجيب عنه، ولو لم يكن يعرف العربية . فالمؤمن يجيب الجواب الصحيح، أو أعجمياً. وأما الكافر والمنافق فمن كان في الدنيا غير مؤمن بما جاء به الرسول - فإنه يستعجم عليه الجواب ولو كان أعلم الناس، وأفصحهم كما قال - تعالى -: ( وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم: ١) . (([٢٧) سابعاً: هل عذاب القبر ونعيمه على البدن أو على الروح؟: الجواب أن عذاب القبر ونعيمه يكون على البدن والروح معاً . وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمةً أو معذبةً، وقال: ((العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس، وتعذب متصلة بالبدن، فيكون العذاب والنعيم عليهما في هذه الحال مجتمعين كما يكون للروح منفردة عن البدن)) . (١) ثامناً: هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟: عذاب القبر على نوعين: أحدهما: دائم، ويدل على هذا قوله - تعالى -: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فَرْعَوْنَ أَشَدَ العَذَاب ) [غافر : ٤٦]. وكذلك في حديث البراء ابن عازب في قصة سؤال الكافر في قبره، وقد مر الحديث عن ذلك قبل قليل النوع الثاني: أنه إلى مدة ثم ينقطع: وهو عذاب بعض العصاة الذين حفت جرائمهم، ثم يخفف عنه، أو صدقة، أو غيرهم. تاسعاً : أسباب عذاب القبر: قال ابن القيم - رحمه اللّٰه - في كتابه الروح: المسألة التاسعة، جوابها من وجهين: مجمل ومفصل . وأحبته، وامتثلت لأمره، وسخطه على عبده؛ ومات على ذلك - كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب اللّه، ثم شرع - رحمه اللّٰه - بعد ذلك في بيان أسباب عذاب القبر على والمجال لا يتسع لذكرها . (٢) وبعد أن ذكر ذلك على وجه التفصيل قال في نهاية حديثه: ((ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين، فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب، ظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والحيات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها ويحق لها، وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها . تالله لقد وَعَظتْ فما تركتْ لواعظ مقالاً، وهذه محل للعبر، رياض من رياض الجنة، أو حفر من حفر النار) . عاشراً: الأسباب المنجية من عذاب القبر: قال ابن القيم - رحمه اللّٰه - في كتابه الروح: (المسألة العاشرة: الأسباب المنجية من عذاب القبر . جوابها - أيضا - من وجهين: مجمل، حتى يستقبل ربه، ويستدرك ما فاته . ولا سيما إذا عقَّب ذلك بذكر اللّه، فمن أراد به خيراً وفقه لذلك، 1) ثم شرع - رحمه اللّٰه - بذكر جملة من الأحاديث في هذا الشأن . أولاً: حقيقة الروح التي في البدن: اختلف الناس في حقيقة الروح التي في البدن اختلافاً كثيراً، وهو جسم نوراني، حي، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم. وإفادتها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية . وكل الأقوال سواه باطلة، وإجماع الصحابة، (1) ثم أورد - رحمه اللّه - بعد ذلك مائة وستة عشر وجها على صحة ما ذكر، ثم ناقش أدلة القائلين بغير ذلك . ثانياً: لم سميت الروح بهذا الاسم؟: لأن بها حياة البدن. وتفقد فقده يسمى روحاً، فهما بهذا الاعتبار مترادفان، (٣) وبالجملة فإن النفس تطلق على أمور، فيتحد مدلولهما تارة، فالنفس تطلق على الروح، (٤) المنفوخة فيه، وقال: ((لكن تسمى نفساً باعتبار تدبيره للبدن، وتسمى روحاً باعتبار لطفه)) . (٢) وقال ابن القيم - رحمه اللّٰه - ((أما الروح التي تتوفى وتُقبض فهي روح واحدة، وهي النفس)) . (٣) رابعاً: من إطلاقات الروح: لفظ الروح له عدة معان غير الروح التي تفارق البدن بالموت التي هي النفس، فمن إطلاقات الروح ما يلي : (٤) ١- تطلق الروح على الهواء الخارج من البدن والهواء الداخل فيه. 1. وتطلق على البخار الخارج من تجويف القلب من سويداه الساري في العروق. 2. وتطلق الروح على جبرائيل - عليه السلام - قال تعالى -: (نَزَلَ بِهِ الرّوحِ الأمين ) [الشعراء: ١٩٣] . السلام - كما قال - تعالى -: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتكَ إِذْ أَيَّدِتُّكَ برُوحِ القُدُس) [المائدة: ١١٠]. 2. وتطلق الروح على القوى التي في البدن؛ فيقال: الروح الباصر، فهذه الأرواح قوى مُوْدَعَةٌ في البدن تموت بموت الأبدان، وهي غير الروح التي لا تموت بموت البدن، ولا تبلى كما يبلى . 
ونسبة هذه الروح إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن؛