ثانياً، مدارس علم النفس: تمثل مدارس علم النفس اتجاهات نظرية وتطبيقية متميزة في فهم سيكولوجية الإنسان، مع وجود أوجه تشابه واتفاق بينها. لكن، تعصب بعض أنصار المدارس، وهجومهم الباطل على غيرهم، يُظهر أثراً سلبياً لتقسيم علماء النفس إلى مدارس، وادعاء كل مدرسة بامتلاك الحقيقة النفسية والمنهج العلمي الوحيد. يجب احترام الحقائق المثبتة، بغض النظر عن انتماء العالم، فالعلم لا وطن له. يُفضّل التخصص دون تعصب، لتجنب رفض حقائق وصلت إليها مدارس أخرى. هذا ما نُنبه إليه، رغم موقفنا من ظاهرة مدارس علم النفس، وسنلقي نظرة مختصرة على أهم المدارس المعاصرة: 1- مدرسة التحليل النفسي: أقدم المدارس وأكثرها شيوعاً وتأثيراً، امتد تأثيرها إلى الفن، الأدب، الطب، وغيرها. أسسها سيغموند فرويد (1856-1939) في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بحثاً عن أسباب ظواهر نفسية مثل الأحلام والأمراض النفسية. ابتكر منهج التداعي الحر، مكتشفاً اللاشعور، الكبت، الصراع النفسي، وغيرها من المفاهيم التي أثرت في حياتنا الثقافية والعلمية. 2- المدرسة السلوكية: نشأت في العقد الثاني من القرن العشرين، رداً على التحليل النفسي والاستبطان كمنهج سائد. ترى أن السلوك يحدده التعلم من خلال الثواب والعقاب، وتهدف لدراسة السلوك الملاحظ وتفسيره وفق مبادئ التعلم. يُعتبر جون واطسون (1878-1958) أهم أركانها، وكتابه "السلوكية" أهم مراجعها. يرى واطسون أن علم النفس علم تجريبي موضوعي، هدفه التنبؤ بالسلوك وضبطه، مُتجاهلاً الشعور والحالات الذهنية. تجربة واطسون مع الطفل ألبرت مثال على ذلك، حيث زرع فيه خوفاً من الفار ثم عالج ذلك بتكرار تقديم الشوكولاتة مع ظهور الفار. مع مرور الوقت، خفف السلوكيون من تعصبهم، معترفِين بالديناميكيات النفسية واللاشعور. 3- مدرسة الجشطالت: ظهرت في ألمانيا في نفس وقت السلوكية تقريباً، على يد ماكس فيرتهايمر، كورت كوفكا، وفولفغانغ كوهلر. كانت ثورة على علم النفس السائد، مُؤكدة أن الكل ليس مجموع أجزائه، وأن الجزء يكتسب معنى من الكل الذي ينتمي إليه. أهم ما يميزها هو تركيزها على الوحدة الكلية (الجشطالت)، بدءاً من الكل ثم الانتقال إلى الأجزاء، مع حركة ديالكتيكية بينهما. قاموا بتجارب تدعم رؤيتهم، مثل تجاربهم في الشكل والأرضية. من أشهر أعضائها كورت ليفين. 4- مدرسة علم النفس الإنساني: اتجاه حديث بدأ في الستينات، يُعتبر تياراً أكثر من كونه مدرسة متبلورة. يرى الإنسان على أنه كائن له وحدته، إرادته، وحريته، مع قدراته الإبداعية ورغباته. له أنصار كثر مثل ماسلو وروجز، وقد خصصت له جمعية علم النفس الأمريكية القسم 32. 5- علم النفس الإيجابي: توجه أكثر منه مدرسة، قدمه سيلجمان وشيكزينتميهالي في عام 2000. يركز على ما يجعل الحياة تستحق العيش، بدلاً من التركيز فقط على الأمراض. يهدف لمساعدة الناس على تحقيق السعادة والرفاهية، ويسعى لتكامل فروع علم النفس المختلفة، دون أن يكون فرعاً مستقلاً بذاته. يُشجع هذا التوجه على مستوى الفرد والمجتمع، مع التركيز على القيم الإنسانية العليا.