وقد اتفق الأمراء الذين اشتركوا في قتل قطز على سلطنة بيبرس فلما اتجهوا إلى الدهليز السلطاني قابلهم الأتابك الأمير أقطاي المستعرب، فأخبروه بما فعلوا، وهو كان لا يزال بالصالحية وحلفوا له جميعاً أن لا يخونوا ولا يثبوا عليه فاضطر الأمراء إلى مبايعته والاعتراف بسلطنته، إلى القلعة لإجراء مراسم التنصيب، فقد توجه بيبرس إلى القاهرة، ووصلها ليلة الاثنين التاسع عشر من شهر ذي القعدة عام ٦٥٨ه شهر تشرين الأول عام ١٢٦٠م)، فاستقبله الأمير عز الدين أيدمر على مدخلها، فدخلها وجلس على سدة السلطنة وتلقب بـ (الملك القاهر» وكان من بين من حضر مراسم التنصيب الصاحب الوزير زين الدين يعقوب فأشار على بيبرس أن يغير اللقب، لأنه ما تلقب به أحد فأفلح. وأمر المنادي بأن يطوف في شوارع القاهرة ويدعو للملك الظاهر أخذ بيبرس بس يتقرب من الخاصة والعامة، ليستقطب الأمراء وليلتف الناس حوله ويدعموا حكمه. وأقدم بيبرس على تخفيف الضرائب عن السكان وكانت هذه الخطوة الثانية التي نفذها بيبرس فقد كتب إلى الأمراء المسلمين يبين لهم مقدرة الدولة المملوكية العسكرية بالانتصار على المغول في عين جالوت، اقتضته الظروف السياسية المستجدة بعد هذا الانتصار فكتب إلى صاحب اليمن وجميع ملوك الشام. وتعتبر هذه الخطوة فرصة تغيير الحكم في وقد برر خروجه بالاحتجاج على: - مقتل قطز الذي كان قد ولاه حاكماً على دمشق. وأعلن نفسه سلطاناً حاكماً على دمشق وذلك في (شهر ذي الحجة عام ٦٥٨هـ / شهر تشرين الثاني عام (١٢٦٠م) وتلقب بلقب الملك المجاهد» وخطب له على المنابر وضربت السكة باسمه التي هددت حكمه في بلاد الشام، غير أنه رفض الاستجابة، وأخذ في تحصين قلعة دمشق استعداداً للقتال وقبض علاء الدين عليه وساقه مكبلاً إلى القاهرة في شهر صفر عام ٦٥٩هـ / شهر كانون الثاني عام ١٢٦١م) حيث اعتقل في قلعة الجبل ثم عفا بيبرس عنه بعد ذلك أظهر هذا الرجل الزهد والورع، بإقطاعهم الإقطاعات الواسعة في محاولة لاستقطابهم. ولما آنس من نفسه القوة أخذ يحرضهم على الانتفاضة ضد الحكم المملوكي السني واستبداله بحكم شيعي وفعلاً قام أتباعه بحركة انتفاضة كبرى في أواخر عام (٦٥٨هـ / ١٢٦٠م)، واستولوا على حوانيت السيوفيين ونهبوا ما فيها من أسلحة ليتسلحوا بها، وقبض على زعمائهم وصلبهم على باب زويلة وكان من بينهم الكوراني نفسه وبايعه بالخلافة، فقد جرت احتفالات التنصيب في القاهرة في شهر محرم عام ٦٦١ه شهر تشرين الثاني عام ١٢٦٢م)، ولقبه قسيم امير المؤمنين سن بيبرس نظام ولاية العهد في دولة المماليك البحرية، ففي عام ٦٦٢هـ / عام ١٢٦٣م) ولى ابنه بركة خان ولاية العهد ليخلفه في الحكم، وذلك بدافع عاملين : الأول : ليحول دون استمرار الصراع على السلطة بین الأمراء عقب وفاة السلطان الحاكم. الثاني : ليحصر الحكم في أسرته . وأمر بأن يقام احتفال حاشد بهذه المناسبة، وكتب له تقليداً بولاية العهد، وأشركه في الحكم ليدربه على الأعمال الإدارية، د ونظراً لتعدد فئات الجيش المملوكي وتنوعهم، نظم بيبرس فرق الجند على أساس ثلاث طوائف يتكون كل أفرادها من المماليك وهي: - المماليك السلطانية : هم على نوعين : مماليك السلاطين السابقين، الأحداث»، وهم مماليك السلطان القائم قبل اعتلائه العرش، ويمتازون عن بقية المماليك السلطانية بانضوائهم صغاراً في خدمة السلطان فهو الذي يتولى تدريبهم وتربيتهم وعتقهم ويلازمونه في خلواته. - جند الحلقة : تتكون هذه الطائفة من محترفي الجندية، وقد عُرفوا أيضاً باسم «أولاد الناس . بل اعتنى بتقوية البحرية المملوكية. وكانت دور صناعة السفن، في الفسطاط وجزيرة الروضة والإسكندرية ودمياط، وقد رأى ضرورة ضم بلاد الحجاز لأسباب فمن الناحية السياسية، بالإضافة إلى إرسال الكسوة إلى الكعبة التي كانت تصنع من أجمل وأنفس منسوجات الشرق، وقد اشتهرت بها مصر منذ زمن بعيد . فإن ضم المماليك لبلاد الحجاز تسمح لهم بالتحكم بتجارة البحر الأحمر، ومن ثم بالتجارة العالمية. أما من الناحية الدينية، فإن ضم الحجاز إلى السلطنة المملوكية ستضفي على هالة حكم بيبرس من المهابة باعتباره مسؤولاً عن الحرمين الشريفين، والطيب والبخور مع كسوة لقبر النبي . وطرد أنصار الحفصيين، وأبطل كما ضربت السكة باسمه النوبة مملكة مسيحية عاصمتها مدينة دنقلة التي تقع في أعالي النيل وتربطها بمصر روابط متينة بشكل عام منذ الفتح الإسلامي، غير أن هذه التبعية، كانت اسمية، وذلك لثلاثة أسباب : 2 - لحماية مصر من التعدي عليها . واشتدت في عهده اعتداءات النوبيين على المناطق الحدودية، ملك النوبة، فنهب أسوان وأسر جماعة من بهدف تهديد التجارة المملوكية في البحر الأحمر وقطع طريق الحج. ومن جهته لم يكن الملك بيبرس على استعداد للتركيز على الجنوب بفعل انهماكه في الحروب ضد الصليبيين والمغول ، والانتقام من داود، وابن أخيه الملك داود واستنجد الأول بالسلطان المملوكي الذي أعد حملة عسكرية ضخمة عهد بقيادتها إلى الأميرين شمس الدين أقسنقر الفارقاني، وصحبهما الملك شكندة. تمكنت الحملة من اختراق مناطق الشلالات وهاجمت القلاع والقرى، واضطر الملك داود إلى الفرار بعد أن فقد معظم رجاله، إلا أنه أسر بعد ذلك. وتعهد بأن على أن بدأت الحرب الشاملة في عام (٦٦٣هـ ١٢٦٥م) فخرج بيبرس في شهر شباط من العام الميلادي المذكور على رأس جيش ضخم، بالخروج دون أن يتعرضوا للأذى، واستسلم قائد القلعة بعد أربعين يوماً من المقاومة الشديدة وبعد أن فقد وأسر الجيش المملوكي الناجين من المعركة، إلا أنهم كانوا عاجزين عن الرد. وظهر أمام أسوار طرابلس، إلا أنه انحرف فجأة نحو الشمال بعدما تبين له أن فيها حامية قوية ومرّ بأنطرطوس وصافيتا، ولم يتعرض لهما، التي كانت هدفه في هذه المرحلة من تاريخ العمليات العسكرية ) . فقسم جيشه إلى ثلاثة أقسام حتى يقطع الاتصال بين أنطاكية والبحر. فقد توجه نحو المدينة،