النوع الثاني: تطبيق النبي العملي لعقوبة المرتد ، وأصرح حديث جاء في الردة المجردة حديث البراء بن عازب قال : " لقيت خالي ومعه الراية فقلت أين تريد قال أرسلني رسول الله ﷺ إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه أو أقتله "(٢). وجاء في رواية أخرى أن النبي أمر بأخذ ماله، حيث قال: " بعثني رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه أو أقتله وآخذ ماله "(۳). وقد اختلف العلماء في تحديد المراد من هذا الحديث، فذهب بعضهم إلى أن الحديث يدل على أن عقوبة من وقع على محارمه القتل، ولكن يشكل على هذا القول أن النبي أمر بأخذ ماله ووضعه في بيت مال المسلمين، وإنما في حق الكافر ولأجل هذا ذهب عدد كبير من العلماء إلى أن ذلك الرجل لم يعد مسلماً، ولهذا عامله النبي معاملة المرتد عن دينه، وجعلوا ذلك الحديث من الأدلة الدالة على وجوب قتل المرتد، وممن ذهب إلى هذا الطحاوي حيث يقول: " فلما لم يأمر النبي الرسول بالرجم، ثبت بذلك أن ذلك القتل ليس بحد للزني، ولكنه لمعنى خلاف ذلك، وهو أن ذلك المتزوج فعل ما فعل من ذلك على الاستحلال، فأمر رسول الله ﷺ أن يفعل به ما يفعل بالمرتد ، وهكذا كان أبو حنيفة وسفيان رحمهما الله يقولان في هذا المتزوج إذا كان أتى في ذلك على الاستحلال، وفي ذلك الحديث أن رسول الله ﷺ عقد لأبي بردة الراية، ولم تكن الرايات تعقد إلا لمن أمر بالمحاربة، والمبعوث على إقامة حد الزنى غير مأمور بالمحاربة (١). و ممن حمل الحديث على المرتد: ابن جرير الطبري، حيث يقول معلقاً عليه: "فكان فعله ذلك من أدل الدليل على تكذيبه رسول الله ﷺ فيما أتاه به عن الله تعالى ذكره وجحوده آية محكمة في تنزيله. فكان بذلك من فعله كذلك عن الإسلام إن كان قد كان للإسلام مظهراً مرتداً، أو إن كان من الكفار الذين لهم عهد كان بذلك من فعله وإظهاره ما ليس له إظهاره في أرض الإسلام للعهد ناقضاً، وكان بذلك من فعله حكمه القتل وضرب العنق؛ فلذلك أمر رسول الله بقتله وضرب عنقه إن شاء الله؛ لأن ذلك كان سنته في المرتد عن الإسلام والناقض عهده من أهل العهد (1)" وفي سياق بحثه في الحديث علق البيقهي قائلاً: " قال أصحابنا - يعني الشافعية - ضرب الرقبة وتخميس المال لا يكون إلا على المرتد، فكأنه استحله مع علمه بتحريمه (۲) . وفي بيان مدلوله يقول ابن تيمية: "فإن تخميس المال دل على أنه كان كافراً لا فاسقاً، وكفره بأنه لم يحرم ما حرم الله ورسوله (۳). وقال ابن كثير معلقاً على قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَعَ وَابَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [النساء:۲۲] :" فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه، ويصير ماله فيئاً لبيت المال (4)، وقال ابن حجر بعد ذكره للحديث: " وحمله الجمهور على من استحل ذلك بعد العلم بتحريمه، بقرينة الأمر بأخذ ماله وقسمته (ه). وأما الشوكاني فقد أكد على أن حديث البراء لابد أن يحمل : " على أن ذلك الرجل الذي أمر بقتله عالم بالتحريم،