وأدت الأهمية التي تمتعت بها دبي في ما يتصل بتجارة اللؤلؤ إلى انتعاش اقتصادها فصارت مركزاً مهماً من مراكز استخراج اللؤلؤ وتسويقه في المنطقة لذا كـان طبيعياً أن تتأثر أكثر من غـيـرها بانتكاس الطلب على اللؤلؤ الطبيعي خـلال فترة الكساد الذي ضرب المنطقة بأسرها في الثلاثينات من القرن العشرين وأثر بشكل سلبي وكبير على تجارة المنطقة وأدى إلى ظروف معيشية قاسية منهكة في دبي وسائر الامارات ودول الخليج نتيجة الركـود العميق الذي أصاب اقـتـصـادات دول الـعـالـم فـخـسـرت الحركة التجارية الدولية نصف نشاطها وقيمتها . لكن تطرأ أحياناً ظروف معينة تفاقم الكساد وتعمق ركوده وربما استمر سنوات طويلة مثلما حدث في شأن تجارة اللؤلؤ في الخليج نتيجة أسباب عالمية مرتبطة بتفاصيل كثيرة عن الكساد التجاري الذي خيم على أوروبا واميركا في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين وتأثرت بسببه بشكل مباشـر وقوي تجارة اللؤلؤ في منطقة الخليج . وعندما تغلق المصانع أبوابهـا ويقل المال في يد الناس ويصبح شغلهم الشاغل العـثـور على قـوت يـومـهـم فـإن الـكـمـاليـات وكـل مـا ليـس ضـروريـاً للحـيـاة يكون أول الضحايا لذا تراجع الطلب العالمي على مجموعة كبيرة من السلع وفي مقدمتها اللؤلؤ الخليجي الذي كان يعتبر ولا يزال من أنفس أنواع الجواهر والحلي ، وفيما أخذت دعامات هذه التجارة الخليجية الحيوية في الانهيار بدا واضحاً لسكان دبي وغيرها من المناطق أن الأزمة الاقتصادية أصبحت ثقيلة وخانقة وتتحول بسرعة من أزمة مؤقتة إلى أزمة دائمة . وكانت السنوات التي تلت انهيار هذه التجارة من الفترات الصعبة التي عرفتها المنطقـة وإمارة دبي خـاصـة في تاريـخـهـا نظـراً إلى اعـتـمـاد قطاعـات المجتمع على هذا المصـدر الحيـوي فأثر ذلك في الاقتصاد وبشكل مباشر وكبير وخسر من جرائه التجار خسارة فادحة تركت ظلالهـا السلبية على كثير من مجالات الحياة . لكن أهل المنطقة ورعايا دبي كانوا على درجة قوية من الثقة بمـوعـود الله تعالى ثم بقـوتـهـم الذاتية التي تمكنهم من عبور الصعاب ومواجهة الظروف الحياتية أياً كانت قسوتها فاستطاعوا بشيء كـبـيـر مـن التـحـمـل والـتـفـكـيـر وبعـد النظر الذي هداهم إلى ارتيـاد مـجـالات أخـرى من التجارة وتحول كثير من سفن الغوص إلى سفن أسفار تجارية يجوبون بها موانئ الدول القـريـبـة والبـعـيـدة وينقلون البضائع والمسافرين إلى جهات مختلفة وتمكنوا بكل هذا وغيره من إحلال المجالات والنشاطات التجارية الجديدة محل الغوص وساعدهم على ذلك موقع دبي التجاري المميز ، ولم يمر وقت طويل حتى استعادت دبي وضعها التجاري بأفضل مما كانت عليه ، وعبرت من مأزق كساد تجارة اللؤلؤ إلى مجالات رحبة من الاستثمارات التجارية المختلفة التي تطورت وزادت بشكل ملحوظ سنة بعد أخرى لتشكل في النهاية السمعة الطيبة التي اكتسبتها دبي في كونها المدينة التجارية المهمة على ضفاف الخليج دون منافس .