يُعتبر البنك المركزي أهم مؤسسة في الجهاز المصرفي نتيجة للوظائف التي يقوم بها في إطار الإشراف على شؤون النقد والائتمان، وكونه يمثل السلطة النقدية في الدولة بحيث يسعى إلى تحقيق أهداف السياسة النقدية التي تساهم بدورها في تحقيق الأهداف الاقتصادية العامة للدولة.فقد نادى العديد من المفكرين الاقتصاديين بضرورة منح الاستقلالية للبنك المركزي وعزله عن أية ضغوط حكومية قد تؤثر على نشاطه وسياسته لضمان مصداقية السياسة النقدية وفعاليتها في تحقيق أهدافها، وخاصة تحقيق الاستقرار في الأسعار ومحاربة التضخم. إذ أن السياسة النقدية لديها فعالية أكثر في تحقيق هذا الهدف، وخضوع البنك المركزي لسلطة الحكومة يفرض عليه توجيه السياسة النقدية لتحقيق أهداف أخرى قد تتعارض مع هدف الاستقرار في الأسعار. يمكن طرح الإشكالية التالية:ما مدى تأثير استقلالية البنك المركزي على فعالية السياسة النقدية؟وللتوضيح أكثر، نطرح الأسئلة الفرعية التالية:ما المقصود باستقلالية البنك المركزي؟ما العلاقة بين استقلالية البنك المركزي والتضخم؟وللإجابة على الإشكالية المطروحة والأسئلة السابقة، تم تقسيم البحث إلى ثلاثة محاور كما يلي:1. مفهوم استقلالية البنك المركزي.2. أنواع الاستقلالية وكيفية قياسها.3. أثر الاستقلالية على فعالية السياسة النقدية في محاربة التضخم مع إشارة لحالة الجزائر.---أولاً: مفهوم استقلالية البنك المركزي1- تعريف استقلالية البنك المركزيأدت التطورات الاقتصادية والمالية، إلى الاهتمام بموضوع استقلالية البنك المركزي. وكان من أهم أسباب المناداة إلى هذه الاستقلالية هي عدم فعالية السياسة النقدية في بعض الدول، خصوصاً في مجال محاربة التضخم.يوجد اعتقاد بأن الاستقلالية تعني الانفصال التام بين السلطة النقدية (البنك المركزي) والسلطة الاقتصادية (الحكومة). هذا يعني أن يعمل البنك المركزي بمعزل عن الأوضاع الاقتصادية المحيطة، سواء من ناحية تصميم وإدارة السياسة النقدية أو من ناحية الهيكل التنظيمي.لكن في الواقع، يُعتبر البنك المركزي إحدى المؤسسات العامة التي تعمل في إطار مؤسسات الدولة، وبالتالي يجب أن تكون أهداف السياسة النقدية متسقة مع أهداف السياسات الاقتصادية العامة. الاستقلالية تعني أن يكون للبنك المركزي السلطات والصلاحيات الكاملة لتحقيق أهداف السياسة النقدية بحرية دون تدخل سياسي.تشمل أهم دوافع الاتجاه نحو استقلالية البنك المركزي ما يلي:سعي الحكومة للسيطرة على البنوك المركزية لتوجيه السياسة النقدية بما يخدم سياستها المالية، الأمر الذي قد يؤدي إلى سياسات تساهم في التضخم.انتهاء نظام "بريتن وودز" وظهور ظاهرة التضخم، مما أدى إلى إعادة ترتيب السياسات النقدية لتخفيض معدلات التضخم.تأثير الانتخابات على الوضع الاقتصادي،3- الاستقلالية بين التأييد والمعارضةتحقيق مصداقية السياسة النقدية، مما يُسهم في الاستقرار الطويل للأسعار.الآراء المعارضة:يرى بعض الاقتصاديين أن استقلالية البنك المركزي قد تتعارض مع المبادئ الديمقراطية، حيث أن المسؤولين في البنوك المركزية غير منتخبين.---1- أنواع الاستقلاليةيمكن التمييز بين الأنواع التالية لاستقلالية البنك المركزي:الاستقلالية السياسية: تعكس غياب تدخل السلطة السياسية في القرارات المتعلقة بالبنك المركزي.الاستقلالية القانونية والفعلية: تُحدد من خلال التشريعات وتطبيقها في الواقع.2- قياس استقلالية البنك المركزي الأدوات، والقوانين المنظمة.نموذج Bade et Parkin الذي يعتمد على الاستقلالية السياسية.