وألقى سبحانه باللوم الشديد على أولئك الذين يهملون فريضة التفكير ويكتفون بالتقليد، قال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا الْقَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ومما لا شك فيه أن الأمن الفكري هو أهم الدعائم التي يتوقف عليها استقرار المجتمعات وهو في أبسط معانيه أن يعيش الناس في بلدانهم وأوطانهم آمنين على مكونات أصالتهم وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية، ومما لا شك فيه كذلك أن للمؤسسات التعليمية والتربوية وخاصة الجامعات الدور الأكبر في تحقيق هذا الأمن الفكري سواء في ذلك بتصحيح المفاهيم أو غرس القواعد الفكرية الصحيحة، فمن خلال هذه المؤسسات ينطلق أفراد المجتمع يطبقون ما تعلموه في هذه المؤسسات ويمارسون ما فهموه من الأفكار والتوجيهات كل في مجاله وعمله الذي يخدم وطنه فيه. ومما لا شك فيه كذلك أن الوقت الحاضر يشهد تحديات وإن شئت قلت تهديدات للأمن الفكري للمجتمعات وذلك بسبب سهولة وسرعة انتشار المعلومات التي قد يكون فيها انحراف ومخالفة لما استقر عليه المجتمع من أفكار ولذا يحتاج الأمن الفكري إلى أدوات تحميه وتعززه ومن أهم أدوات تعزيز الأمن الفكري وضمان استمراره التفكير الناقد الذي من خلاله يمتلك الشخص القدرة على تقييم المعلومات وفحص الآراء مع الأخذ في الاعتبار وجهات النظر المختلفة حول الموضوع الذي يفكر فيه وهو ما نبينه في هذا البحث. أهداف البحث -1- بيان أهمية ركيزة الأمن الفكري للمجتمع. 2 بيان اهتمام الإسلام بتنمية الجانب الفكري للإنسان. -3 بيان المهارات التي يتطلبها التفكير الناقد. تعلم واكتساب طرق التفكير الناقد. أهم نتائج البحث وتوصياته 1- أهمية الأمن الفكري في استقرار المجتمع وتقدمه. 3 جاء الإسلام بمنهج وسطي لا يعرف الإفراط ولا التفريط وأن الأمن الفكري للمجتمع مستمد من هذا المنهج الإسلامي. وألقى سبحانه باللوم الشديد على أولئك الذين يهملون فريضة التفكير ويكتفون بالتقليد ، قال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ تَتَّبِعُ مَا الْقَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } (10) ومما لا شك فيه أن الأمن الفكري هو أهم الدعائم التي يتوقف عليها استقرار المجتمعات وهو في أبسط معانيه أن يعيش الناس في بلدانهم وأوطانهم آمنين على مكونات أصالتهم وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية، ومما لا شك فيه كذلك أن للمؤسسات التعليمية والتربوية وخاصة الجامعات الدور الأكبر في تحقيق هذا الأمن الفكري سواء في ذلك بتصحيح المفاهيم أو غرس القواعد الفكرية الصحيحة، فمن خلال هذه المؤسسات ينطلق أفراد المجتمع يطبقون ما تعلموه في هذه المؤسسات ويمارسون ما فهموه من الأفكار والتوجيهات كل في مجاله وعمله الذي يخدم وطنه فيه. بسبب سهولة وسرعة انتشار المعلومات التي قد يكون فيها انحراف ومخالفة لما استقر عليه المجتمع من أفكار تمثل هويته وثقافته، ويعتمد التفكير الناقد على امتلاك الشخص للمهارات التي تساعده على إبداء الرأي المؤيد أو المعارض في المواقف المختلفة مع إبداء الأسباب المقنعة أو المرجحة لكل رأي. والتفكير عموما بما فيه التفكير الناقد هو مطلب إسلامي أصيل أمر الله تعالى به في غير آية من القرآن الكريم ودلت عليه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان عمادا وبحثنا هذا يتناول دور التفكير الناقد في تعزيز الأمن الفكري ضمانا لاستقرار المجتمعات وحماية من أي انحرافات فكرية تهدد أمن المجتمع واستقراره وأرى أن أنسب تعريف للأمن وأشمله وموجزه ما عرفه الجرجاني بقوله: " الأمن هو عدم توقع مكروه في الزمان )12( "الآتي وتعريف الفكر في اللغة: بكسرهما، وأفكار أي فكر فيه وأفكر وفكر وتفكر وهو فكير (13) وتعريف الفكر في الاصطلاح والفكر إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول، ويقال في الأمر فكر أي نظر وروية، تعريف الأمن الفكري: ومعالجة مظاهر الانحراف الفكري في النفس والمجتمع. وقد يعني السكينة والاستقرار والاطمئنان القلبي واختفاء مشاعر الخوف على مستوى الفرد والجماعة في جميع المجالات النفسية والاجتماعية والاقتصادية. فقد ظهرت بوادرها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فظهور ذو الخويصرة الخارجي أمام النبي عليه السلام معترضا على قسمته ومشككاً في عدله؛ الإسلام كما أبطل النبي عليه السلام كيد كلاً من مسيلمة الكذاب والمرأة سجاح وادعائهما النبوة وطمس هوية الإسلام القدرية بعد وفاة النبي عليه السلام وانكارهم للقدر؛ من الصحابة لهم وابطال دعوتهم. وتصدي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لهم ومناقشتهم ومحاورتهم وابطال شبههم. وتصدي علي بن ابي طالب رضي الله عنه لهم وتحريقهم وابطال كيدهم واعتقادهم. وانواعها وأهدافها؛ والملاحظ من قديم الزمن أن المؤثرات مترابطة بن كونها فكرية وعسكرية، وبعد ذلك يتخذ المنحى الآخر وهو اثبات جذوره بالسلاح والقوى العسكرية، والسيادة العسكرية. أو العكس تماماً تبدأ الحملات ضد المسلمين بالحروب العسكرية الطاحنة فاذا فشلوا وهزموا استخدموا التأثير الفكري والعقدي والأخلاقي السلوكي واضعاف المسلمين عن طريق عقولهم وشهواتهم. وفي الأساس يجب معرفة أن من قام بهذه الحملات هم اليهود والنصارى على اختلاف اشكال المسميات التي ترون و الماء فلا تكاد تحد حملة من تلك الحملات الا أساسها همين يهود والنصاري يقول لويس التاسع ملك فرنسا بعد هزيمة حملته الصليبية: "إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم. (17) ولقد استوعب قومه هذه الخطاب الناري فبدأوا بالغزو الفكري، والذي يقصد منه الوسائل الغير عسكرية التي اتخذتها الحروب الصليبية لإزالة مظاهر الحياة الإسلامية وصرف المسلمين عن التمسك بالإسلام؛ مما يتعلق بالعقيدة وما يتصل بها من أفكار وتقاليد وأنماط سلوك انساني. (18) بيضة الإسلام؛ وإثارة القلاقل واشاعة الفتن بين المسلمين وتدمير دولتهم. ومن تلك الحملات المؤثرة الحملات الصليبية العسكرية والتي امتدت ردحاً من الزمن لها من الهجمات والكر والفر والتخطيط والتبديل والتي باءت بالفشل الذريع بسبب بسالة وقوة المسلمين. ولما جر الصليبيون اذيال الهزيمة سلكوا منحى آخر وهو التركيز على الغزو الفكري الذي عمد اليه الصليبيون بعد أن خرجوا في النهاية مهزومين هزيمة ساحقة من حروبهم الصليبية العسكرية الأولى مع المسلمين؛ والحملات والتيارات التي استخدمت لغزو المسلمين فكرياً كثيرة، وبالنظر الى تلك الحملات يتضح أنها تسعى إلى تحقيق هدف واحد وهو تشكيك المسلمين في دينهم وإبعادهم عن عقيدتهم؛ أو النظر إليها على أنها من أخطر التيارات وأبرزها والتي لها دور كبير في تضليل الفكر وانحرافه؛ فركزت على حملات التبشير والتنصير والاستشراق واشعلت نار العلمانية والتغريب في تضليل وما ذاك إلا لمعرفتهم بأن الإسلام دين نظام شريعة وحياة وعدل بين الأمة فسعوا الأعداء جادين في ضرب المسلمين (19) وذلك من خلال الخطب المنبرية الصريحة والكتب المتخصصة والندوات والمحاضرات ومحاضن التعليم وغيرها بقصد الحماية العقدية والفكرية للشعوب المسلمة ضد الغزو الفكري والخطر العارم. النشأة وبما تقدم نستطيع الجزم بأن تلك الفترة لم يكن لمصطلح الأمن الفكري ظهوراً كمفهوم نظري، بل كان موجوداً عملياً واقعياً على الأرض بهذه الأعمال العملية والتي في حقيقتها تقود إلى الأمن الفكري، فالخلاصة أن للمفهوم كانت عملية وليست نظرية، ويتمثل ذلك في الخطب والتعليم والمناظرة. (20) ومن كلام بعض الباحثين يمكن القول بأن نشأة مفهوم الأمن الفكري والتأصيل له ظهرت متأخرة، ويتفق الكثير من الباحثين في مجالات الأمن المتعددة أن ظهور الإرهاب بكافة أشكاله في معظمه بسبب عدد من فقد بت أطراف هذا الموضوع من كتبه ورسائله، منها كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم وبين أن أخطار الغزو في زمانه على الأمة الإسلامية من اليهود والنصارى في خصوص الدين وما يتصل به من المظاهر التعبدية والأعياد -3- فقدان العدالة الاجتماعية. مما سبب ذلك في إدراك أهمية الأمن الفكري بالغزو الفكري والثقافي وتحليل أسبابه وآثاره وتحذير الأمة والمواسم، وساروا على منهج أسلافهم يكفرون بارتكاب الكبيرة، 2 تلاشي القيم الأخلاقية. وتطور مفهوم الأمن الفكري والسعي إلى تحقيقه كان بالسعي إلى نشر هذا المفهوم على نطاق واسع وذلك من خلال عدة جهات ومنها ما يلي: -1- المؤسسات الدينية: حيث إن للمؤسسات الدينية بعامة والمساجد بخاصة دوراً بالغ الأهمية في تحقيق الأمن الفكري، وهذا منوط بالعلماء الراسخين المؤهلين علمياً وفهماً للواقع ومعرفة بمقاصد الشريعة، ولا يشك عاقل ما للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وساروا على منهج اسلافهم الخوارج الذين يكفرون بارتكاب الكبيرة، فكان لابد من التصدي لهم بالأدلة والبراهين التي تثبت خطأ منهجهم؛ فعقدت المؤتمرات والندوات وبرز أهمية التركيز على الأمن الفكري الذي سيقود حتماً إلى أمن المجتمع إذا استقام فكان لابد من وقفة جادة في مواجهة كل التيارات والمذاهب والنظريات التي أزاحت العقل والفكر عن الطريق الصحيح.