فشكا إليَّ الجوع ففثَأْتُه مررت ليلة أمس برجلٍ بائس فرأيته واضعًا يده على بطنه، فقلت: يا للعجب! لو أَعطى الغنيُّ الفقيرَ ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكا واحدٌ منهما سقمًا ولا ألمًا، ولكن حسد القويُّ الضعيفَ عليهما فزواهما عنه، واحتجنهما دونه فأصبح فقيرًا مُعدِمًا، إنْ كانت القوةُ حجَّتَهم عليهم فَلِمَ لا يملكون بهذه الحجة سلب أرواحهم كما ملكوا سلب أموالهم؟ وما الحياة في نظر الحيِّ بأثمن قيمة من اللقمة في يد الجائع، وإنْ كانت حجتهم أنهم ورثوا ذلك المال من آبائهم قلنا لهم: إنْ كانت الأبوة علَّةَ الميراث فلم ورثتم آباءكم في أموالهم ولم ترثوهم في مظالمهم؟ لقد كان آباؤكم أقوياء فاغتصبوا ذلك المال من الضعفاء، ما أظلمَ الأقوياء من بني الإنسان! وما أقسى قلوبهم! ينام أحدهم ملءَ جفنيه على فِراشه الوثير، ولا ينغِّص عليه شهوتَه علمُه أنَّ بين أقربائه وذوي رحمه من تثب أحشاؤه شوقًا إلى فتات تلك المائدة، وربما استعان به على عدِّ ما تشتمل عليه خزائنه من الذهب وصناديقه من الجوهر وغرفه من الفرش والرياش، وكأنه في كل كلمةٍ من كلماته وحركةٍ من حركاته يقول له: «أنا سعيدٌ لأني غنيٌّ، ولولا أنهم يؤثرون الإبقاء عليهم ليمتعوا أنفسهم بمشاهدة عبوديتهم لهم وسجودهم بين أيديهم، لامتصُّوا دماءهم كما اختلسوا أرزاقهم ولحرموهم الحياة كما حرموهم لذة العيش فيها. وهو الشَّرِهُ المتكالِبُ الذي لو علم أنَّ الدَّم السائل يستحيلُ إلى ذهبٍ جامدٍ لذبح في سبيله الناس جميعًا! ورجل لا يحسن إلى نفسه ولا إلى غيره، وأحسب أنه هو ذلك الذي كان يفتش عنه الفيلسوف اليوناني «ديوجين الكلبي» حينما سُئِلَ ما يصنع بمصباحه — وكان يدور به في بياض النهار — فقال: «أفتش عن إنسان!»عنه، فقلت: يا للعجب! لو أَعطى الغنيُّ الفقيرَ ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكا واحدٌ منهما سقمًا ولا ألمًا، ولكن حسد القويُّ الضعيفَ عليهما فزواهما عنه، واحتجنهما دونه فأصبح فقيرًا مُعدِمًا، إنْ كانت القوةُ حجَّتَهم عليهم فَلِمَ لا يملكون بهذه الحجة سلب أرواحهم كما ملكوا سلب أموالهم؟ وما الحياة في نظر الحيِّ بأثمن قيمة من اللقمة في يد الجائع، وإنْ كانت حجتهم أنهم ورثوا ذلك المال من آبائهم قلنا لهم: إنْ كانت الأبوة علَّةَ الميراث فلم ورثتم آباءكم في أموالهم ولم ترثوهم في مظالمهم؟ لقد كان آباؤكم أقوياء فاغتصبوا ذلك المال من الضعفاء، ما أظلمَ الأقوياء من بني الإنسان! وما أقسى قلوبهم! ينام أحدهم ملءَ جفنيه على فِراشه الوثير، ولا ينغِّص عليه شهوتَه علمُه أنَّ بين أقربائه وذوي رحمه من تثب أحشاؤه شوقًا إلى فتات تلك المائدة، وربما استعان به على عدِّ ما تشتمل عليه خزائنه من الذهب وصناديقه من الجوهر وغرفه من الفرش والرياش، وكأنه في كل كلمةٍ من كلماته وحركةٍ من حركاته يقول له: «أنا سعيدٌ لأني غنيٌّ، ولولا أنهم يؤثرون الإبقاء عليهم ليمتعوا أنفسهم بمشاهدة عبوديتهم لهم وسجودهم بين أيديهم، لامتصُّوا دماءهم كما اختلسوا أرزاقهم ولحرموهم الحياة كما حرموهم لذة العيش فيها. وهو الشَّرِهُ المتكالِبُ الذي لو علم أنَّ الدَّم السائل يستحيلُ إلى ذهبٍ جامدٍ لذبح في سبيله الناس جميعًا! ورجل لا يحسن إلى نفسه ولا إلى غيره،