القرون هي أكـثـر الـطـرق تـعـسـفـا فـي تـقـسـيـم التاريخ إلى عصور. �ت بالفعل دراسة محيط القرن التاسع عشر 285 مختلفة منذ العصور القد�ة� والثاني هو الفهم ا�تعاظم للعلم اللغوي الهندي خاصة في الصوتيات والفنلجيا� والثالث هو �ثل العلم اللـغـوي - وبـشـكـل خاص في توجهه التاريخي - �واقف عامة للقرن التاسـع عـشـر� ولـنـظـريـة ا�قارنة ونظرية التطور والنظرية الوضعية للعلوم الطبيعية. عند محاولة �ييز الاتجاهات التي تحرك ويتحرك فيها علم اللغة في القرن الحالي يكون ا�رء متعاملا مع »التاريخ ا�عاصر«� وا�وقف التاريخي هو نفس ا�وقف� ولكن ا�ادة تختلف في كونها أكثر وفرة وأقل سهولـة فـي الصياغة. وا�رء - من ناحية - معني بالأشخاص والنظريات ا�ألوفة بالفعل في ا�قدمات الأساسية لعلم اللغة� بدرجة أكبر �ا هو معني ببعض أعمال القرن التاسع عشر� وبدرجة أكبر كـثـيـرا بـأعـمـال الـفـتـرات الأسـبـق. إضافة لهذا فإن العلماء السابق� وأعمالهم قد خضعت لمحاكمات صارمة� وفـي بـعـض الأحـيـان لـظـلـم كـبـيـر مـن قـبـل معاصريهم ولاحقيهم ا�باشرين فيما يتعلق �ا وجد أنه يستحـق الإشـارة والتطوير� ولكن هذا لم يبق كله� وبشكل خاص ما هو من الفترات ا�بكرة. ولقد قيل إن معظم علماء العالم على قيد الحياة الآن� وهذا صحيح بالنسبة لعلماء اللغة بالنظر إلى التـوسـع الـضـخـم وغـيـر ا�ـفـحـوص حـتـى الآن فـي الدراسات اللغوية في جامعات العالم. وأي عمل كالوصف الكامل للأعمال ا�همة في علم اللغة الآن وفي ا�اضي القريب� حتى لو على نطاق شبيه �ا أمكن في العصور القد�ة والعصور الـوسـطـى� سـوف يـكـون مـتـفـاوتـا فـي الطول بشكل فادح� كما أن الإشارة اﻟﻤﺨتصرة لا تكاد تصل لأكثر من �ارسة للتبسيط الأكاد�ي. الفرق الأساسي والأكثر وضوحا ب� القرن� الأخيرين كان هو النهوض السريع لعلم اللغة الوصفي� في مقابل علم اللغة الـتـاريـخـي� حـتـى كـان لـه وضع السيادة الحالي. وكانت الشخصية الرئيسية في تغيير مواقف القرن التاسع عشر �واقف القرن العشرين على نحو مهم هي اللغوى السويسري فردينان دي سوسير� الذي عرف أولا في اﻟﻤﺠتمع العلمي من خلال مساهمة مهمة في علم اللغة الهندوأوروبي ا�قارن� بعد دراسته في ليبزج مع أعضاء مدرسة القواعدي� الجـدد)٢(. ومع أن دي سوسير قد نشر القليل بنـفـسـه فإن محاضراته في علم اللغة في أوائل القرن العشرين قد أثرت كثيرا في بعض تلاميذه في باريس وجنيف� حتى أنهم نشروها في عام ١٦١٦م تحت عنوان »محاضـرات فـي عـلـم الـلـغـة الـعـام ”Cours de linguistique générale”� وهذا بقدر ما أمكنهم إعادة بنائها نقلا عن كراسات محاضراتهم ومحاضرات آخرين ومواد معينة كانت باقية بخط دي سوسير)٣(. وفي تاريخ علم اللغة فإن دي سوسير يعرف ويدرس إلى حد كبير من خلال ما ذكره عنه تلاميذه. وقد شبه نـشـر الــ Cours في موضوعـه »بالثورة الكوبرنيكيـة«)٤(. وإن عددا من الأفكار حول اللغة وحول دراستها ا�توافقة إلى حد كبير مع أفكار دي سوسير� كان قد عبر عنها همبولت في الواقع قبل ما يقرب من قرن )صص ١٨ ـ ٢٨٩ من قبل(� ولكن مدى تأثير دي سوسير ا�باشر بهمبولت مدى مشكوك في أمره على الرغم مـن افـتـراض صلة ما بينهما)٥(. ومن الناحية التاريخية �كن لأفكار دي سوسير أن توضع تحت ثـلاثـة 287 الأول هو الدراسة التزامنـيـة Synchronic التي تعالج فيها اللغـات بـوصـفـهـا أنظمة اتصال تامة في ذاتها في أي زمن بعيد� والبعد الثاني هو الدراسـة التعاقبية ]التاريـخـيـة[ diachronic التي تعالج فيها تاريخيا عوامـل الـتـغـيـيـر التي تخضع لها اللغات في مسيرة الزمن. والمحاضرات الـتـي ضـمـهـا الــ Cours يجب النظر إليـهـا بـوصـفـهـا عاملا رئيسيا في تطور الدراسات اللغوية الوصفية في هذا القرن. ثانيا: ميز ب� ا�قدرة اللغوية للمتكلم وب� الظواهر الـواقـعـيـة أو مـادة علم اللغة )ا�نطوقات( بوصفهما الـ langue والـ parole )سار هذان ا�صطلحان السوسيريان دون ترجمة في التداول الدولي مثل مصطلحات أخرى كثيرة جدا(. وبينما يشكل »البارول« ]والكلام[ ا�ادة التي �كن الحصـول عـلـيـهـا مباشرة� فإن الهدف الصحيح للغوي هو »لانج« ]لغة[ كل جماعة لغوية� أي ا�عجم والقواعد والفنلجيا ا�غروسة في كل فرد بسبب نشأته في اﻟﻤﺠتمع ا�ع� وتنشئته على الأسس التي وفقا لها يتكلم لغة هذا اﻟﻤﺠتمع ويفهمها. ور�ا يكون دي سوسير قد بالغ - متأثرا كثيرا بالنظرية الاجتماعية لإميل دور كا� - في تقديره للواقع فوق الشخـصـي لـلـغـة langaue إضافة للـواقـع الفردي� وبشكل أخص عندما يعترف بأن التغيرات في اللغة تحدث بسبب التغيرات التي يحدثها الأفراد في كلامهم �parole بينما يصرح مع ذلك بأن بوصفها نظاما من العناصر ا�تـرابـطـة� أي عـنـاصـر مـعـجـمـيـة وقـواعـديـة وفنلجية� وليس بوصفها مجموع الكيانات مكتـفـيـة بـذاتـهـا )الـتـي ضـاهـى بينها وب� مجرد التسمية nomenelature)٧((. a langue is forme وليس بتكوينها ا�ادي الـفـعـلـي)٨(. paradigmatic ا�تمثل في أنظمة العناصر أو الفئات ا�تقابلة)٩((. وهذه ا�قولة للمقاربة البنائية في دراسة اللغـة تـشـكـل الأسـاس فـعـلـيـا ﻟﻤﺠمل علم اللغة الحديث� وتسوغ دعوى دي سوسير فيما يتعلق باستقلال علم اللغة بوصفه موضوع دراسة في حد ذاتـه)١٠(. ومهما تكن التفسيـرات التي قدمت للمعنى الدقيق »للبنائية« فإن قـلـيـلا مـن الـلـغـويـ� الآن سـوف و�كن النظر لجلوسيماتية [التحليل شبه الرياضي لـلـغـة] يـلـمـسـلـيـف بوصفها التأكيد السوسيري على الصيـغـة فـي مـقـابـل ا�ـادة فـي »مـسـتـوى ا�عنى content plane« )الدلالة والقواعد( و»مستوى التعبير expression plane« )الفنلجيا(� وعلى تعريف الصيغة بوصفها العـلاقـات ا�ـتـبـادلـة لـلـعـنـاصـر. والانتقال با�ستوي� لنهايتيهما ا�نطقيت� يعني أن تحليل ا�عنـى يـجـب أن يكون مستقلا عن ا�عايير الوجودية فوق اللغوية� وأن تحليل التعبير )الفنلجيا( يجب أن يكون مستقـلا عـن ا�ـعـايـيـر الـصـوتـيـة )فـوق الـلـغـويـة ا�ـزعـومـة(. والعلاقات ب� العناصر� وليس العناصر نفسها� هي موضوع العلم. وينظر لكل من ا�ستوي� باعتباره e e على مستوى التعبيـر� وإلـى »حـصـان«� »مـؤنـث«� »مـفـرد« عـلـى مستوى ا�عنى(. وفي مجال آخر في علم اللغــة فإن الدراســة البــنائية للمــعاني باعتبارها معتمدة جزئيا على الوجــود ا�تــصاحب في اللــغة� لعــدد مــن ا�صطلحات ا�عجمية ا�ــترابطة فــي ا�ــجالات الدلالية� �ثــل تحقــقا للأفـــــكـار الـتـي جاء بها دي سوسير)١٢(. ولكن أكثر آثار نظرية دي سوسير البنائية للغة مباشرة� ومن أهمها من الناحية التاريخية كان في ميدان الفنلجيا� حيث اتفقت نظريته بشكل ملحوظ مع النظرية غير النهائية التي � التوصل إليهـا فـي الـصـوتـيـات فـي نـفـس الوقت� نتيجة لجهود علماء الصوتيات في القرن التاسع عشر. والصوتيات وما ارتبط بها من أنشطة وتطبيقات في الاختزال وتعـلـيـم اللغات وإصلاح الإملاء� قد لقيت اهتماما كبيرا فـي إنجـلـتـرا مـنـذ عـصـر النهضة فصاعدا� وقد أشرنا في الفصل السادس للحافز العام للدراسات الصوتية منذ اكتشاف ا�ؤلفات الصوتية الهندية في نـهـايـة الـقـرن الـثـامـن عشر)١٣(. وعلى نقيـض معظم معاصريه ميز بوضوح ب� الحرف والصــوت� واعتـــرض بقــوة علــى جراهـام( تـخـلـد ذكـراه فـي اسـم الـشـركـة وهـو Bell Telephone Company of �America وهو - مثل أبيه ألـكـسـنـدر مـلـڤـل )١٨١٩ - ١٩٠٥( وجـده ألكـسـنـدر � ١٧٩٠ - ١٨٥٦( - قد انشغل بتدريبات الكلام والتطبيقات العلاجية للصوتيات� وقد كان أ. بل هو اﻟﻤﺨترع لنظام »الكلام ا�رئي« على مـنـوال مـحـاولات سابقة )ص ٢٠١ من قبل( حيث تقابل كل عـمـلـيـة نـطـق مـسـتـقـلـة صـورتـهـا الكتابية الخاصة بها� وهذا النظام قد تبناه سويت في كتابه »�هيد في علم الصوتيات »Primer of phonetics» مع إجراء تصحيحات وتعديلات معينة)١٦(. وكـمـا يحدث عند فساد الأمور الإنسانية فإن الاعتراف به عا�ا مبرزا كمـا كـان� قد تحقق في الخارج� وبشكل بارز في أ�انيا� على نحو أسرع �ا تحقق في وطنه� حيث منعه اتجاهه الانتقادي الصريح وشكوكه واستياؤه ا�سوغ فـي سنواته الأخيرة� من الحصول في أي وقت على درجـة الأسـتـاذيـة فـي أي في القرن التاسع عشر اعتمدت ا�ؤلـفـات الـصـوتـيـة عـلـى الـتـقـدم فـي في ذلك ابتكار رموز أبجدية إضافية وبأنظـمـة رمـوز صـوتـيـة عـامـة. وقـد 291 ومقاربة هذه ا�عضلة �كننا أن نلاحظها في كتابات سويت ا�بكرة� فهي في مؤلفه »كتيب في الـصـوتـيـات Handbook of phonetics« )١٨٧٧( ميز ب� الأصوات التي تعتمد اختلافاتها في اللغة على محيطها الصوتي� ولذلك فهي غير �يزة� وب� الأصوات التي �كن بنفسها أن تكون كلمت� بوصفهما مادت� مستقلت� معجميا� والفرق الصوتي نفسه �كن - واقعيا - أن يكون �يزا في لغة وغير �يز في لغة أخرى� والفروق الصوتية ا�ميزة تحـتـاج إلى تدوين مستقل في نظام كتابة صوتية واسعة للغة معينـة)١٩(. وحيث إن الأصوات ا�ميزة القليلة نسبيا في لغة معينة �كن أن �ثل بسهولة بحروف رومانية إضافة لحروف قليلة أخرى� فإن سويت قد صاغ مصطلح »الرومية الواسعة broad romic« في مقابل الكتابة الصوتية الضيقة التي تحتاج إلى كثير من الرموز ا�تنوعة أكثر فأكثر. بوضوح على هذا ا�فهوم� ولكن التمييز الاصطلاحي المحدد ب� الصوت أو الفون phone وب� الفونيم� كان من عمل العالم البولندي الذي كـان يـدرس في روسيا� وهو بودوان دي كورتناي Baudouin de Caurtenay الذي استخدم الكلمة الروسية fonema استخداما فنيا. وقد نشرت نظريته عن الفونيم في عام ١٨٩٣م� ولكنه من ا�مكن أن يكون قد توصل إليها قبل ذلك على الأصح� وتقريبا في نفس الوقت مع سويت على الرغم من عدم وجود اتصال بينهما في ذلك الوقت)٢٠(.