1-آراء العلماء العرب القدامى والمحدثين في الاشتقاق والحديث عن موضوع الاشتقاق يقودنا إلى ذكر الخلاف بين العلماء حول طبيعة اللغة هل لها قياس؟ وهل يشتق بعض الكلام من بعض؟ اجمع اهل اللغة- إلاَّ مَنْ شَذَّ عنهم- إن للغة العرب قياساً، وأَن العرب تشتقُ بعضَ الكلام من بعض، فإسم الجن مشتق من الاجتنان، وان الجيم والنون تدلان ابدا على الستر. تقول العرب للدرع: جنة الليل وهذا جنين أي هو في بطن امه او مقبور. وان الإنس من الظهور ويقولون: انست الشيء: ابصرته وعلى هذا سائر كلام العرب: عَلِمَ ذلك مَنْ عَلِمَ وجهلهُ من جهل قلنا وهذا ايضا مبني على ما تقدم من قولنا في التوقيف فان الذي وقفنا على إن الاجتنان الستر هو الذي وقفنا على إن الجن مشتق منه. وليس لنا اليوم أن نخترعَ ولا أَنْ نقولَ غيرَ ما قالوهُ، مباحث في فقه اللغة العربية، وفي هذا القول غلو وإسراف ل العرب علاوة على ما فيه فساد الاعتقاد باشتقاق المعنوي من الحي فان الاجتنان ماخوذ من الجن وليس العكس([ () ينظر المباحث اللغوية في العراق، فيرون انه لاقياس على كلام العرب في الاشتقاق وكل كلام العرب توقيف من الله سبحانه وتعالى وقد وَقَع بعضُ اللغويينَ في هذا الوهم، عندما حاولوا تعليل بعض الاسماء العربية، فقد سُئِلَ ابو عمرو بن العلاء عن اشتقاق الخيل فلم يعرف فَمَرَّ اعرابي مُحْرم، فسالوا أبا عمرو عن ذلك فقال: ذهب إلى الخيلاء التي في الخيل والعجب، وبناء على هذا القول فان أبا عمرو بن العلاء على الرغم من واسع علمه ومعرفته ومكانته الرفيعة، وقد ظن بان الخيل مشتق من الخيلاء، ولاشك أن ابن السراج يقصد بهذه العبارة ابن دريد وامثاله ممن ظنوا إن الدفاع عن عروبة اللغة يقتضي القول باشتقاق الاعجمي من العربي، والفرع اصلا ونسبوا إلى العربية من الاعجاز في موافقة اللغات الاجنبية، على اننا في الوقت الذي نجد علماء اللغة يكادون يجمعون على وقوع الاشتقاق الاصغر في العربية وكثرته فيها وتوليده قسما كبيرا من متنها حتى "افرد الاشتقاق بالتأليف جماعة من المتقدمين منهم الاصمعي، نلفي طائفة قليلة من الباحثين القدامى ينكرون وقوع الاشتقاق بانواعه كافة زاعمين "إن الكلم كله اصل" ولايقل عن هذا الزعم غلواً واغراباً في قول طائفة من المتأخرين اللغويين "كل الكلم مشتق" أما الراي العلمي الجدير بأن تنتصر له فهو ما ذهب اليه المؤلفون في الاشتقاق من أن "بعض الكلم مشتق، وبما أنّ اللغة في تطور والحاجة إلى مفرداتها في ازدياد، فقد تدعو الحاجة إلى اشتقاق معين لم يكن موجودا، وعليه تكون قاعدة القياس في الاشتقاق مستمرة جيلا بعد جيل. أي يدل على الحدث فقط، فانه يدل على الحدث والزمن. أما الكوفيون فيعدون الفعل أصلاً للمشتقات، ويزيد عليه أَنَّ العرب اشتقت من أسماء الاعيان، إلى جانب اشتقاقها من المصادر ويدلل على ذلك بقوله "ولاشك أن كل اسم من اسماء الاعيان، ينظر: مباحث في فقه اللغة العربية: 86. ويوضح ابن السراج صور هذا الاختلاف، فيقول "فمنهم يقول: الاشتقاق في اللغة البتة وهم الاقل، لقد اقر ابن جني بان الاشتقاق الاكبر صعب التطبيق، على جميع نصوص اللغة فيقول: "واعلم انا لاندعي أن هذا مستمر في جميع اللغة، فصول في فقه اللغة العربية:297، وقد وقف اللغويون والباحثون من مذهب ابن جني في ثلاثة مواقف مختلفة. فهذا حمزة بن الحسن الاصبهاني يقول في كتابه (الموازنة):- مباحث في فقه اللغة العربية: 89، كذا قال وزعم أن القرنان انما سمي قرنانا لانه مطيق لفجور امراته كالثور القرنان أي المطيق لعمل قرونه، وقد حملت هذه المبالغات السيوطي على أَنْ يقول عن هذا الاشتقاق "انه ليس معقدا في اللغة، ولايصح أَنْ يستنبط به اشتقاق لغة العرب"([ () فصول في فقه العربية: 298، وَإنُهِمَ ابنُ جني بأنُه أرادَ من خلال توسعه في هذا الاشتقاق أَنْ يبينَ قوةَ ساعده ورده المختلفات إلى قدر مشترك، ولم ينكر السيوطي وقوع معنى مشترك يبين هذه التقاليب (لكن التحليل على ذلك في جميع الترتيبات تطلب لعنقاء مغرب)([ ()المزهر، لكن الارتباط الذي اهتدى اليه ابن جني ليس عاما وحسب بل هو شديد العموم وبلغت شدت عمومه حَدْ الايهام والغموض))([ () فقه اللغة: 83، وقد قال الدكتور ابراهيم انيس:- (واذا كان ابن جني قد استطاع في عنت ومشقة أن يسوق لنا، للبرهنة على ما يزعم بصنع مواد من كل مواد اللغة، التي يقال انها في جمهرة اللغة لابن دريد تصل إلى اربعين الف وفي معجم لسان العرب تكاد تصل إلى ثمانين الفا فليس يكفي مثل هذا القدر الضئيل المتكلف، لاثبات ما يسمى بالاشتقاق الاكبر))([ () فصول في فقه اللغة العربية: 298. وَعَدَّ ابن جني ذلك مقبولاً ومعتدلاً، يحمل معنى هذه المادة بشكل عام، اذا قبسَ إلى مذاهب بعض المحدثين من فكرة ثنائية الأصول، ومعناها العام يرتَبط بأصلين اثنين من أصولِها ومن رواد هذه الثنائية في العصر الحديث الاب انسناس ماري الكرملي، والقول بها بالتفضيل في المجامع والاندية، والف فيها كتابا عنوانه (نشوء اللغة ونموها واكتمالها) وقال في اوله: ((عرف بعض حُذّاف ابناء يعرب الاقدمين، فانه بنى معجمه الجليل على اعتبار المضاعف هجاء واحدا، فهو عنده من وضع الخيال، ولا يلتفت ابداً إلى انها من ثلاثة احرف، أي: (مَدْدَ) كما يفعل سائر اللغويين ولهذا السبب عينه يذكر: (مد) قبل (مَدَحَ)، على ما نشاهده في معاجم اللغة، فأدعى أن اصول اللغات الاجنبية توجد في العربية فمثلا في الانجليزية كلمة (buy) هي باع وكلمة (then) هي (إذن) العربية، فيعد هذا إسرافاً في رد اللغات الاجنبية إلى العربية. ولم تكن حماسة الأب مرمرجي الدومنكي، في دفاعه عن المذهب في كتابه (المعجمية العربية في ضوء الثنائية الالستية السامية) الذي يقول فيه:- "وكمل حرف زيدَ على الأصل الثنائي، ويجري على قانون التطور اللغوي، مع بقاء اللحمة المعنوية بين الثنائي والثلاثي كما هي مستمرة بين الثلاثي والرباعي، وما فوقه من المزيدات"([ () فصول في فقه اللغة العربية: 300، ) ولقد أدرك لغويو العرب إمكان وقوع الإبدال مثلما تصوروا إمكان وقوع القلب وانطلقوا يؤكدون أن "من سنن العرب إِبدال الحروف واقامة بعضها مقام بعض، وقد ربط القدماء بين الصورتين إذا بدا لهم أنهما اشتركا في معنى متقارب مع أَنَّ كثيرا من هذا التقارب لايزيد عن الترادف تارة، والاشتراك تارة أخرى ومن العجيب أن إبن السكيت مثلا في ((القلب والابدال)) لم يذكر في الثلاث مئة كلمة التي اشتملت عليها رسالته إلا القليل مما يمكن أن يفسر بظاهره الابدال تفسيرا صريحا. أما المحدثون فلهم في الاشتقاق الاكبر رأي جريء يردون في ضوئه اكثر صور الابدال إلى ضرب التطور الصوتي الذي يدخل أحيانا في اختلاف اللهجات. قال الدكتور إبراهيم انيس: "حيث تستعرض تلك الكلمات التي فسرت على انها من الابدال حينا، لا نشك لحظة في انها جميعا نتيجة التطور الصوتي أي أن الكلمة ذات المعنى الواحد حين نرى لها في المعاجم صورتين أو نطقين، ويكون الاختلاف بين الصورتين لايتجاوز حرفا من حروفها، غير انه في كل حالة يشترط أن نلحظ العلاقة الصوتية بين العرقين المبدل والمبدل منه"([ () فقه اللغة: 276. ورأي المحدثين- على جراءته- أسلم اتجاها، وأصلح نتيجة من رأي تلك الطائفة من المتقدمين الذين ذهبوا إلى اكثار العرب من الابدال كأنهُ سنة أو عادة وكأن النطقين المختلفين عندهم متساويان بوضع إحداهما مكان الاخر وكأَنَّهُمْ يعدون هذا الابدال اعجابا به وتفننا فيه. لايوجد خلاف بين المحدثين في أن الاشتقاق وسيلة مهمة جدا من وسائل نمو اللغة العربية وتطورها ومواكبتها للحضارة والحياة المتجددة، الخ وعرفه بانه "ارتباط كل اصل ثلاثي في اللغة العربية بمعنى عام وضع له، في كل كلمة توجد فيها الاصوات الثلاثة مرتبة حسب ترتيبها في الاصل الذي اخذت منه وهو (ع ل م) وقال (وعلى هذه الرابطة يقوم اكبر قسم من متن اللغة العربية))([ () فقه اللغة: 276. كان الاهتمام على أساليب الاشتقاق في العربية يكون اهم عنصر في ترجمة المصطلحات العلمية. أما اليوم نجد نهضة لغوية مستمرة ومتصاعدة تَجلَّتْ في نشاطات المجامع اللغوية العربية، كمجمع اللغة العربية في القاهرة، وَعَدَّت ِاللجنة المواد الاتية قواعد ودساتير تتبعها فيما تصفه وتقره من المصطلحات العلمية والكلمات اللغوية. 1-إن الاشتقاق قياس في اللغة قياساً مطلقاً في اسماء المعاني التي هي عرضة لطروء التغير على معانيها ومفيدة بحسيس الحاجة في الجوامد. 2-إن وضع الكلمات الحديثة في اللغة يجري إما على طريقة الاشتقاق وإما على طريقة التعريب ولا مانع من الجمع بينهما ويرجع إلى النحت عند الحاجة. 3-لايذهب إلى الاشتقاق في وضع كلمة حديثة إلا اذا لم يعثر في اللغة على ما تؤدي معناها بخلاف التعريب فإنه يجوز تعريب كلمة اعجمية مع وجود اسم لها في العربية كما هو الشأن في اكثر المعربات الموجودة في اللغة.