لم تحقِّق المفاوضات بين المسلمين وقيادتي الفُرْس السياسية والعسكرية أهدافَها الإسلامية في إقرار السلام في المنطقة، وكان لسلبية المفاوض الفارسي في المفاوضات دَورٌ رئيس في فشلها، وعلى الرغم من فَشَل المفاوضات في تحقيق الأهداف الإسلامية؛ إلا أنَّ رسل المسلمين نَجحوا في تبليغ دعوة الإسلام إلى قادة الفُرْس، وفي إنذارهم وإقامة الحُجَّة عليهم بوصول الدَّعْوة إليهم. عَبَر رستم بالجيش الفارسي نهر العتيق فنزل قبالة المسلمين على شفير العتيق، فكان عسكر المسلمين والفرس بين الخندق والعتيق. استعدَّ سعد بن أبي وقَّاص لمنازلة الفُرْس ومناجزتهم، فلمَّا كان يومُ الاثنين 27 شوال 15 هـ، صلى سعْدٌ بالناس صلاةَ الظهر، ثم أَمَر القرَّاء أن يقرؤوا سورة الجِهاد (الأنفال)، فلمَّا قُرئت هشَّت قلوبُ الناس، ونزلت عليهم السكينة والطمأنينة، نَزَل سعد ابن أبي وقاص قصر قديس وهو قصرً قديم غير حصين بين الصَّفَّيْن، لكنَّ سعدًا لم يتمكَّن من قيادة المعركة في الميدان لجروح أصابتْه في مقعدته وفخذيه، غير أنَّه ظلَّ يخطط للمعركة ويشرف عليها، وبدأ بإدارة المعركة من فوق القصر، واستخلف على الجيوش خالد بن عرفطة العذري الذي كان من قادة المسلمين المهرة، فيقوم خالد بن عرفطة بقيادة الجيوش ويدير سعد بن أبي وقاص المعركة من فوق القصر متابعًا خالد بن عرفطة بالرسائل التي يرسلها إليه، فينفذها الجيش عن طريق خالد، واعترض بعض الناس على إمارة خالد بن عرفطة، فما كان من سعد إلا أن قام بالقبض على هؤلاء المشاغبين، وكان يتزعمهم أبو محجن الثقفي، وهو من أشد مقاتلي العرب ضراوة وكان يجيد الشعر الجهادي، فتعمَّد سعد حبس هذه المجموعة في قصر «قديس»، ومنعها من الاشتراك في القتال بسبب اعتراضها. استخدم الفُرْس في هذه المعركة سلاح الفِيَلة، وهو سلاح فتَّاك يُخيف الإنسان، فقد اشترك في المعركة 33 فيلاً، في القلب 18 فيلا وفي المجنبتين 8 و 7 أفيال، وكانتِ الفِيلة تحمل توابيت رُبطت بوضنها،