شهدت عمان خلال القرن الثاني عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي أحداثاً حيث تناوب على حكم عمان ستةُ حكام من حكام آلبوسعيد, كان أعظمهم السيد سعيد بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي الذي حكم عمان وشرقي إفريقيا. واتخذ زنجبار عاصمة لشرقي إفريقيا وعمان في عام 1832م خلال عقدين من الزمان حتى وفاته في عام 1273هـ/1856م. بعد مقتل السيد سلطان بن أحمد قبالة ميناء "لنجة" عند مدخل الخليج العربي تب َّوأ السيدُ سعيد بن سلطان – ابن اثنى عشر ربيعاً - مكانةُ أبيه بموافقة أعيان البوسعيد الموجودين في مسقط, وبدعم من أخيه سالم الأكبر منه سناً وعمته موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد, هذا الاختيار لم َي ُرق أعمام السيد سعيد, فثاروا عليه بقيادة عمه قيس بن الإمام وأخيهما محمد بن الإمام. وقاد السيد قيس جيشه فاحت َّل َم ْط َرح ثم مسقط بعد أن استولى على المدن الساحلية التابعة لحكومة مسقط. وتصالح الطرفان بعد مقتل السيد بدر بن سيف بن الإمام أحمد في حصن النعمان في صيف 1221هـ/ 1806م, والذي استعان به السيد سعيد في حربه على عمومته, وكان السيد بدر مدعوما من السعوديين حيث لجأ السيد بدر إليهم بعد محاولته الفاشلة في الإطاحة بعمه السيد سلطان أثناء غياب الأخير اصطدمت سياسة السيد سعيد بن سلطان الخارجية منذ بدايات ظهوره على تمثلت في تنوع القوى الإقليمية والدولية التي صبغت منطقة الخليج العربي بالصراعات الاقتصادية تارة, وإذا كانت الأقاليم الأخيرة قد تم استعادتها في عام 1220هـ/1805م, حيث فقد السيد قيس بن الإمام أحمد حياته في معركة في الخور, بل طلبوا النجدة من الحامية السعودية في البريمي التي احتلوها في عام 1215هـ/1800م, الذين ازدادت أعمالهم العدائية بهذا النصر, فغدوا يهددون السفن العمانية والبريطانية معا ؛ و هنا كانت اللحظة المواتية للسيد سعيد ، وبعد عشر سنوات عاد السيد سعيد والإنجليز إلى حصار رأس هؤلاء الشيخ محمد بن ناصر الجبري الذي اختلف مع السيد سعيد بن سلطان بعد مقتل السيد بدر بن سيف بن الإمام, وهرب إلى الدرعية عاصمة ابن سعود, واستمرت مواجهاته في عمان حتى لقي حتفه على يد الحجريين في قرية الواصل بولاية بدية في عام 1228هـ/1813م, ثم أن السعوديين عقدوا هدنة مع السيد سعيد مقابل مبلغ من المال، فكانت الحروب بين قبائلها بين مؤيدين ومعارض لسلطة السيد سعيد بن سلطان. إن سياسة السيد سعيد الداخلية جاءت امتداداً لسياسة والده التي حرص فيها على عدم ما لم يؤثر ذلك على الاستقرار العام للدولة. مما اضطر الى التنازل عن صحار والرستاق لأبناء عمه السيد قيس، حيث َو َّطد السيد حمود بن عزان بن قيس حكمه فيها. وكنتيجة لهذه الاعمال توصل الى الاتفاق مع السيد حمود بواسطة الانجليز، غير ان هذا الاتفاق لم يستمر طويلا بينهم حيث قام السيد حمود بجمع العلماء من حوله رغبة منه في احياء الامامة في الرستاق لكن محاولته فشلت؛ مما أثار حفيظة السيد سعيد، فقبض عليه ومات سجينا في سجن الجلالي بمسقط في عام 1850م. ثم خلف السيد حمود على حكم الرستاق أخوه السيد قيس بن عزان, وبعد مقتله خلفه السيد عزان بن قيس الذي أصبح في عام 1287هـ/1868م إماماً على عمان. وإذا كان السيد سلطان بن احمد قد فشل في أن يفرض السلام في الخليج العربي فإن جهود السيد سعيد بن سلطان في فرض هذا السلام لم تكلل بالنجاح, فصرف نظره عن الخليج بعد محاولات دامت خمس وعشرين سنة من حكمه, كل الذي استطاع أن يحققه المشاركة في حملتين انجليزيتين على رأس الخيمة وتدميرها في عامي 1809م و1819م - كما أشرنا- وفرضت الهدنة عليهم في عام 1236هـ/1820م, إلاً أن بريطانيا لجأت إلى تجديدها على فترات معينة لفرض السلم البحري في البحار العربية الشرقية, وعلى وجه الخصوص خليج عمان والخليج العربي. في عام 1239هـ/1824م قرر السيد سعيد أن يؤدي فريضة الحج والعمرة وزيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وبعد أن أدى هذا المناسك قفل عائدا إلى عمان, لكنه أراد أن يقوم بزيارة تفقدية لممالك عمان في شرقي إفريقيا والوقوف على مشاكلها وما تحتاج إليه من إصلاحات. وعلى أثر الحماية البريطانية على ممباسة, بطلب من الشيخ سليمان بن علي بن عثمان المزورعي (1238هـ/1823م – 1241هـ/1825م), قرر السيد سعيد أن يضم ممباسة إلى حكومة زنجبار المركزية بعد أن اقتنعت بريطانيا بالتخلي عن الحماية, وكانوا ولاة منذ عهد الإمام سيف بن سلطان ابن سيف اليعربي. أرسل السيد سعيد بعثة استطلاعية في عام 1242هـ/1826م, فجهز السيد حملة عسكرية في عام 1243هـ/1827م بقيادته, ولكنهذاالصلحاله َّش فشل بعد أن غادر السيد سعيد زنجبار, بعد أن َس َّوى مشكلة ظفار التي نشبت على أثر وفاة واليها السيد محمد بن عقيل في عام 1245هـ/1829م, و ابعاد الشيخ راشد بن سالم بن أحمد المزروعي (1250هـ/1835م – 1253هـ/1837م) مع خمسة وعشرين من افراد أسرته و أنصاره من ممباسة الى بندر عباس، يعد عام 1248هـ/1832م العام الفاصل في سياسة السيد سعيد بن سلطان وتطلعه إلى إحياء مجد العمانيين؛ يقول السالمي في كتابه "تحفة الأعيان": "وكان الملك البحري أيام اليعاربة متفرقا في أيدي عمالهم, مثل: الهند وممباسة وزنجبار وما بعدها, وكل عامل قد استبد برأيه وانفرد بما تحت يده, وإنما تم لولده سعيد بن سلطان". وكان يقوم برحلاته بين زنجبار ومسقط لتفقد إمبراطوريته, وأصبح المحيط الهندي والسواحل الشرقية لإفريقيا وبلاد العرب تحت السيادة العمانية, فخطبت الدول الأجنبية ودَّ العمانيين, فوقَّعوا مع السيد سعيد اتفاقيات سياسية واقتصادية، تنظم العلاقات التجارية بين الدولتين العمانية والأمريكية في عام 1249هـ/1833م, وحذت فرنسا حذوهما فوقعت مع السيد اتفاقية في عام 1260هـ/1844م شبيهة بالاتفاقيات السابقة, كما أن البرتغال عقدت اتفاقية مع السيد سعيد تسهل وتنظم عملية المتاجرة مع موزنبيق وتوابعها, كما أن السيد سعيد نجح في الحد من تجارة الرقيق في جميع ممالكه, وسمح بممارسة التجارة والعيش في ممالكه مع جميع الجنسياتبفضلالتسامحالدينيوالمذهبيالذي َعَّمجميعالإمبراطوريةالعمانية. َو َّطدالسيدسعيدحكمهفيكلمنعمانوشرقيإفريقياوالساحلالشرقيلخليج عمان, رقص الناس على البحيرات رقصاً", وإلى البحيرات في وسط إفريقيا, وبهذه السياسة ساد الأمن وارتاحت الأمة العمانية والإفريقية, وفتح علاقات خارجية مع الدول الكبرى, وأن ممتلكات الدولة العمانية سواء في الخليج العربي أو في شرقي إفريقيا وصلت إلى أقصى اتساعها في النصف الثاني من حكم السيد سعيد". فقد بعث السيد سعيد سفينته "السلطانة" إلى الولايات المتحدة, وعلى رأس هذه البعثة وزيره للشئون الخارجية أحمد بن نعمان الكعبي (ت:1284ه/1867م), لأجل تسويق بضاعة السفينة وشراء بعض السلع المناسبة, وبعدها عادت السفينة إلى زنجبار محملة ببعض الهدايا أما على الصعيد العربي والإسلامي، فربطت بينه ومحمد علي علاقات حسنة, وبخاصة بعد سقوط الدولة السعودية الأولى, فقد وفرت عمان عشرين سفينة للمساعدة في نقل المؤن والإمدادات البحرية لقوات محمد علي من جده إلى سواحل القطيف بالخليج العربي. لهذا فإن السيد سعيد لقي حفاوة واستقبالاً كبيرين أثناء أداء فريضة الحج في عام 1239هـ/1824م من قبل إبراهيم بن محمد علي في جدة, كما أن محمد علي كف واليه خالد بن سعود في نجد عن مضايقة السيد سعيد في إمارات ساحل عمان والبريمي. واستمرت بعد ذلك العلاقات العمانية - المصرية مع خلفاء محمد حيث تبادل السيد سعيد معهم الهدايا والخطابات الرسمية. اهتم السيد سعيد بن سلطان بالاقتصاد اهتماماً كبيراً ، فإلى جانب قوة السيد سعيد بن سلطان و قدرته السياسية و العسكرية، وأقام معاهدات تجارية مع الدول الكبرى التي عاصرته ، وامتداد الساحل الشرقي لإمبراطوريته التي شكلت حلقات وصل بين التجارة الداخلية كما تطورت الزراعة في زنجبار في عهد السيد سعيد بن سلطان بعد أن أدخل زراعة القرنفل ذات الإنتاج الاقتصادي الممتاز والتي أصبحت الثروة الرئيسية لزنجبار وأول مصدر عالمي له, ببناء سفن حربية و تجارية عديدة, ومن أشهر سفنه الحربية سفينة "ليفربول" التي بنيت في الهند عام 1241ه/1826م, وبعد سبع سنوات من الخدمة أهداها السيد سعيد لملك بريطانيا وليم الرابع William IV, أما السفينة "فكتوريا" التي بناها السيد في بومباي فكانت من أهم السفن التي ومن سفنه سفينة "شاه علم" وقد بنيت في بومباي في عام 1235ه/1820, والسفينة "مصطفى" التي بنيت في مسقط وز ِودت بستة وعشرين مدفعاً, والسفينة التجارية "سالم" التي بنيت في أمريكا في عام 1256هـ/1840م , والسفينة "سلطانة" التي بنيت في بومباي في كان السيد سعيد يتردد بين مسقط و زنجبار, أنه خلال الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي مكث أكثر فترة في حياته بزنجبار, وذلك يعود إلى الاستقرار السياسي النسبي في عمان, وحسن إدارة نائبه السيد ثويني بن سعيد في مسقط. وبقي السيد سعيد متنقلاً بين مسقط وزنجبار حيث زار مسقط في عام 1851م في اعقاب ثورة السيد حمود بن عزان الذي كان قد توفى سجيناً في ابريل 1850م, وبالتالي استعادة صحار من خليفته السيد قيس بن عزان الذي رضي بحكم الرستاق, أما أسباب عودته الثانية إلى عمان في 1854م, وطرد واليه الشيخ سيف بن نبهان بن سعيد المعولي من هناك, حيث نجح السيد سعيد أن يجدد وبعد أن أنهى السيد سعيد خلافاته مع الفرس حول بندر عباس، وكانت وفاة السيد سعيد نهاية لعهد حاكم عربي بارز ،