المقدمة : عندما ننظر إلي الملامح العامة للتاريخ سنجد أن الفلسفة اليهودية في حقيقة الأمر لا تختلف عن الفلسفات الدينية الأخري بالأخص الفلسفة المسيحية والإسلامية . فإن السيرة الفكرية لكل دين من الأديان السماوية سوف تجعلنا نتطلع علي تيارات متناظرة ومنها : 1 – تيارات محافظة : تؤدي إلى الجمود ٢ – تيارات متحررة : تؤدي إلى الإلحاد والهرطقة تيارات متوسطة : فهي لا تغلو ولا تشتط وإنما تمسك العصا من المنتصف فلا تميل يميناً ولا يساراً منذ بداية حركة الميدراش وبدأ الدين اليهودي يتجه نحو دراسة التوراة وتأويله ونستطيع أن نلاحظ ذلك مع الفيلسوف جورج سانتيانا الذي وضح كيف أن الوحي الغامض في العهد القديم قد وجد له التفسير اللازم على يد الكهنة وعلماء اللاهوت . فنلاحظ التأثير الثقافي الذي بدأ أن يخضع له فكر الدين اليهودي منذ العصور القديمة فلا يجب أن نتعجب اذا وجدنا الفيلسوف اليهودي ( فيلون السكندري ) الذي قام بالمشاركة في حملات التبشير اليهودية حيث قام باستعارة لغة الفلسفة الأفلاطونية لكي يعبر بها عن الإيمان اليهودي وغيرها من ديانات الأسرار التي راجت في ذلك الوقت . فنجد أن هذه الطريقة التي اتبعها كل من ( موسي بن ميمون – ليفي – يهودا ها ( ولكن في إطار التفاعل مع الحضارة العربية الإسلامية في بلاد الأندلس حيث كانوا يخضعوا لتأثيرات مختلفة من تراث الفكر الإسلامي مثل ( ابن رشد وابن سينا وابن باجة ) . سبينوزا : سبينوزا هو الفيلسوف اليهودي الأول في العصر الحديث فنجد في فلسفته صدي العقل أثر التحولات الاجتماعية والسياسية الحادة التي بشرت بميلاد النظام الجمهوري كما نلمس الروح العلمية التي أخذت تسحب البساط من تحت أقدام الروح الدينية مما شجع بعض المفكرين الأحرار علي السير في الاتجاه النقدي وهذا ما فعله سبينوزا وتعرضت كتبه للمصادرة عندما برهن علي أن الاسفار الخمسة الأولي من العهد القديم ليست صحيحة مما ادي إلى بداية الفكر اليهودي الحديث علي يد هذا الهرطيق الكبير الذي عمق الصورة السلبية لليهودية في الفكر الحديث لقد بدأ إله الفلاسفة يحل بالتدريج محل الإله التقليدي وأخذ العقل منزلة الوحي فإن سلطان العقل عند سبينوزا لم يعد موضع جدال ومع ذلك لا نستطيع أن نسلم بنشأة قطيعة فلسفية تامة بين عصر سبينوزا في القرن الـ ۱۷ وبين عصر النهضة وذلك لأن إله الفلاسفة في هذا القرن لا يزال يمت إلى إله فلاسفة عصر النهضة ومتصوفيه بسبب متين فإن إله ديكارت على سبيل المثال هو غله لا حدود لقوته كما هو الحال عند إله أو كام وإله ليبنتز قد استطاع أن يخلق من كل العوالم الممكنة أفضلها كما هو الحال عند إله أبيلارد أما سبينوزا فقد ذهب مثل ويكليف فيري أن العالم القائم هو وحده الممكن من بين كل العوالم المفترضة الأخري وأن كل ما يحدث فهو يحدث بفعل الضرورة الإلهية. فإن سبينوزا قد استجاب لروح العصر بلا تردد فأصبح ابن لعصره أكثر من كونه ابن للتراث اليهودي فإن فلاسفة اليهود في القرن الت ۱۸ – ۱۹ سيكونون في الغالب كذلك. موسى مندلسون : هو أول فيلسوف يهودي في القرن الـ ١٨ الذي أثبت أن مساهمة اليهود في الثقافة العلمانية الحديثة لا تعني التنكر للدين اليهودي أو الانتماء إليه وبالرغم من ذلك . فقد أقام فلسفته على مبادئ العقل وحدها كما يظهر في تأملاته المتنوعة في علم الجمال ونظرية المعرفة والميتافيزيقا وعلم النفس ولا يلجأ إلى أي أدلة من الكتاب المقدس ولا يشير أبداً إلى الديانة اليهودية . حيث لجأ مندلسون في تأملاته الدينية إلى الاستفادة من افتراضات بالقائلين بالدين الطبيعي ومن أمثالهم الفيلسوف الانجليزي ( ديفيد هيوم ) . فإن اليهودية لا تعني لمندلسون شيء باعتباره فيلسوف لأنها مسألة شخصية ليس أكثر حيث لاقي مندلسون النقد من معاصريه الذين أخذوا عليه بسبب إخلاصه في الإيمان باليهودية مما يتعارض مع انتمائه لثقافة عصر التنوير فلن ينجح مندلسون في تجنب المواجهة المحتومة بمبدأ التسامح . حيث كتب دفاعه الشهير عن ولائه المزدوج للتنوير واليهودية في : نفس الوقت منطلقاً من مبدأ الحرية الدينية علي أن إيمان مندلسون باليهودية لا يتفق مع الإيمان الشائع فإن اليهودية عنده ليست دين . منزل وإنما هو مجرد شرائع وفي هذا السياق تبقي الحقائق المطلقة رهينة الجهد العقلي المستقل عن الوحي فإذا كانت المسيحية تقوم علي شيء من هذه الحقائق في شكل عقائد وآراء مذهبية يؤمن بها أتباعها ، ولكن اليهودية تتحرر من هذا العبء لأنها تقوم على الأوامر والوصايا والتعليمات الصادرة باسم إرادة الله وتمثل هذه الوصايا خاصة ما كان منها متعلق بالشعائر والطقوس أفعال رمزية تنبه الإنسان إلى الحقائق الأزلية الخاصة