الفصل الأول: ماهية عقد الوديعة إن للوديعة دور مهم في جميع المجتمعات قديمها وحديثها، بل إنها لا يمكن لأي مجتمع أن يستغني عنها في أي زمن، ولكن هذا القول لا ينفي اختلاف دور الوديعة في المجتمعات الحديثة عنه في المجتمعات القديمة، ففي هذه الأخيرة كانت الوديعة تستخدم لأغراض مختلفة، إذ كان الفرد يقوم بإيداع أمواله خشية من السرقة أو النهب ولاسيما في بعض الأزمنة التي كانت تسود فيها الحروب والاضطرابات الداخلي وانعدام الأمن، كما كان بعض الأفراد يعمد إلى إيداع أمواله لدى الغير، إن اضطر للسفر بحثا عن عمل أو اضطر إلى ترك بلده للالتحاق بالجيش في أوقات الغزوات والحملات العسكرية. أما المجتمعات الحديثة فقد احتلت الوديعة مكانا في جميع البلدان، لكونها مرتبطة جوهريا بالأنشطة الاقتصادية وتدول السلع والأموال، فتودع في مصارف ومستودعات حتى يحين موعد تسليمها لأصحابها. هناك الكثير من العقود التي قام المشرع بتسميتها باسم يختص به، وتسمى بالعقود المسماة وهي التي أعطاها المشرع اسم خاص به، ومن هذه العقود عقد الوديعة وهو من العقود الواردة على العمل والتي نظمها المشرع الجزائري في القانون المدني الجزائري من المادة "590" إلى المادة "601". سنتناول في هذا الفصل الذي هو تحت عنوان ماهية عقد الوديعة والذي ينقسم إلى مبحثين، (المبحث الأول) المتمثل في مفهوم عقد الوديعة، وفي (المبحث الثاني) سنتطرق إلى أنواع عقد الوديعة. المبحث الأول: مفهوم عقد الوديعة يعرف عقد الإيداع بأنه عقد يسلم به إنسان منقولا لإنسان آخر يتعهد بحفظه بدون اشتراط أجرة كما يحفظ أمواله نفسه ويرده بعينه عند أول طلب من المودع، ويسمى من يسلم الشيء مودعا أو مستودعا déposant والذي يتسلمه مودعا عنده أو لديه أو مستودعا أو وديعا أو حافظ الوديعة أو رب الوديعة dépositaire و الشيء المودع غالبا ما يسمى الوديعة ( الأمانة) dépôt، وباسمه سمى العقد. ويؤخذ من التعريف المتقدم أن المودع عنده يتولى حفظ الشئ ورده بعينه إلى المودع ويجب أن يكون حفظ الشئ ورده هما الغرض الأصلي للمتعاقدين وهذا ما يميز به عقد الوديعة، وذلك لان الالتزام بالحفظ وبالرد قد يوجد في عقود أخرى غير الوديعة. سنتطرق في هذا المبحث إلى مطلبين يتناول (المطلب الأول) تعريف عقد الوديعة وخصائصه أما (المطلب الثاني) فيتضمن أركان عقد الوديعة. إن عقد الوديعة هو عقد بمقتضاه يسلم شخصا شيئا منقولا إلى شخص آخر يلتزم بحفظه ورده بعينه وأي أنها عقد تبرع والتي تقوم على أساس الرفق والمعونة وتنفيس الكربة وقضاء الحاجة. نتناول من خلال هذا المطلب تعريف الوديعة لغة واصطلاحا وكذا قانونا (الفرع الأول)، بالإضافة للحديث عن خصائص عقد الوديعة (الفرع الثاني).الفرع الأول: المقصود بعقد الوديعة سوف نتطرق في هذا الفرع إلى المقصود بعد الوديعة لغة (أولا)، اصطلاحا (ثانيا)، الوديعة في اللغة مأخوذة من ودع الشيء، بمعنى: يدعه ودعا: تركه، والوديعة أيضا هي ما يودع أي يترك من مال وغيره لدى من يحفظه ليرده إلى مودعه متى تطلبه. وهي واحدة الودائع، يقال أودعه مالا أي دفعه إليه ليكون وديعة عنده، وأودعه مالا أيضا: قبله منه، وهو من الأضداد، ويقال أودعت زيدا مالا واستودعته إياه إذا دفعته إليه ليكون عنده، فأنا مودع ومستودع، والمال أو الشيء أيضا مودع ومستودع،ثانيا: اصطلاحا الوديعة في الاصطلاح هي الشيء الموضوع عند الغير، فعند المالكية فالوديعة لها تعريفان احدهما: بمعنى المصدر وهو الإيداع، لأنه عبارة عن نقل مجرد حفظ الشيء المملوك الذي يصح نقله إلى الوديع بدون تصرف من هذا الأخير، ثانيهما: بمعنى الشيء المودَع فهي عبارة عن شيء مملوك ينقل مجرد حفظه إلى المودَع فالشيء المملوك هو المودع . أما الوديعة عند الحنفية جاءت بمعنى الإيداع، وهي عبارة عن أن يسلط شخص غيره على حفظ ماله، صريحا أو دلالة. فالوديعة بمعنى الشيء المودع هي كل ما يترك عند الأمين لحفظه، والوديعة غير الأمانة هي اسم لكل شيء غير مضمون، فيشمل جميع الصور التي لا ضمان فيها كالعارية، أما الوديعة فهي اسم لخصوص ما يترك عند الأمين بالإيجاب والقبول، سواء كان القبول صريحا أو دلالة. أما بخصوص الوديعة عند الشافعية، فهي بمعنى الإيداع وهي العقد المقتضى لحفظ الشيء المودع، فتطلق شرعا على العين المودعة ولكن إطلاقها على العقد معنى شرعي فقط، أما إطلاقها على العين فهو شرعي ولغوي أيضا.ثالثا: قانونا حسب المادة 590 من القانون المدني الجزائري "الوديعة عقد يسلم بمقتضاه المودع شيئا منقولا إلى المودع لديه على أن يحافظ عليه لمدة و على أن يرده عينا ". وبالتالي فالوديعة عقد رضائي يلتزم بمقتضاه شخص أن يتسلم شيئا، منقولا أو عقارا لحفظه ثم رده عينا، ويجب أن يكون حفظ الشيء ورده هما الغرض الأساسي للمتعاقدين إذ أن الالتزام بالحفظ والرد قد يوجد في عقود أخرى غير الوديعة دون أن يكون هو الغرض الأساسي من التعاقد، فالمستعير يلتزم بحفظ الشيء المعار والمستأجر يلتزم بحفظ العين المؤجرة والوكيل يلتزم بحفظ أموال الوكيل. وهكذا فليست هذه ودائع لأن الغرض الأساسي منها ليس هو حفظ الشيء إنما هو الانتفاع بالنسبة للعارية والإيجار، والقيام بعمل بالنسبة للوكالة، ويشترط أيضا كذلك لقيام الوديعة أن يوجد التزام صريح أو ضمني لدى المودع عنده بحفظ الشيء فلا يكفي الإيداع، وقد يتوفر هذا الالتزام ضمنيا كرب العمل يخصص مكانا للأشياء الخاصة بالعمال ليتركونها به قبل دخولهم للعمل ومن ثم يلتزم رب العمل بحفظ هذه الأشياء ويكون مودعا عنده، وتسلم الشئ ليس ركنا في الوديعة إنما هو التزام والأصل في الوديعة أنها بغير اجر و لكن يجوز اشتراط الأجر، ويرى محمد علي عرفة أن الوديعة عقد عيني لا تتم إلا بالتسليم إذ أن الالتزام الأساسي فيها هو حفظ الشئ لا يتصور أن يلتزم إنسان بحفظ الشئ ولم يتسلمه بعد .الفرع الثاني: تمييز عقد الوديعة عما يشتبه به من العقود الأخرى يتميز عقد الوديعة عن عدة عقود مشابهة له، وهذا ما سنتطرق إليه من خلال هذا الفرع.أولا: الوديعة والبيع قد تشتبه الوديعة والبيع فيما يسمى بعقد المحاسبة، كأن يودع تاجر الجملة مجوهرات أو كتب أو بضائع عند تاجر التجزئة ليبيعها، على أن يرد ثمنها بسعر معين إذا باعها أو يردها هي بذاتها إذا لم يتمكن من بيعها، فإذا بيعت جاز اعتبار العقد وكالة مأجورة، أو جاز اعتباره بيعا من تاجر الجملة إلى تاجر التجزئة بالسعر المعين وهو بيع معلق على شرط واقف هو أن يتمكن تاجر التجزئة من بيع البضاعة بالثمن الذي يحدده والفرق بين هذا الثمن والسعر المبين هو مكسب تاجر التجزئة، وتكييف العقد يتوقف غلى نية المتعاقدين، التي تكشف عنها ظروف الدعوى، أما إذا لم يقم تاجر التجزئة ببيع البضاعة وردها بعينها إلى صاحبها، جاز اعتبار العقد وديعة، وتكون وديعة معلقة على شرط فاسخ هو البيع . غير أنه إذا اشترط في عقد البيع أن الملكية في المبيع تبقى للبائع حتى يجربه المشتري فإن وجود المبيع عند المشتري في فترة التجربة إنما يكون على سبيل الوديعة.ثانيا: الوديعة والإيجار تختلف الوديعة عن الإيجار في أن المودع عنده لا ينتفع بالعين المودعة أما المستأجر فينتفع بالعين المؤجرة ويدفع أجرة في مقابل هذا الانتفاع، وقد يقع لبس بين العقدين في أحوال أبرزها التعاقد مع مصرف على تخصيص خزانة لإيداع الأشياء الثمينة بها (location des coffres forts) ، وقد رجح أخيرا الرأي الذي يذهب إلى أن العقد ليس إيجارا وإنما هو وديعة، وهو من عقود الحفظ المهنية (contrat de garde) حيث يتخذ الشخص الوديعة المأجورة حرفة له، كالمصرف بالنسبة إلى الخزانة، وكصاحب الجراج العام بالنسبة إلى السيارات التي تودع عنده . تتشابه الوديع وعارية الاستعمال في أن كلا من لمودع عنده والمستعير يتسلم شيئا للغير يحفظه عنده ويرده إليه عند نهاية العقد، إلا أنهما يختلفان في أن تسليم الشيء في العارية يكون بقصد منفعة للمستعير وهو استعمال الشيء، فالغرض الأساسي من العارية هو استعمال الشيء لا لحفظه كالوديعة.رابعا: الوديعة والمقاولة تشتبه الوديعة المأجورة بالمقاولة إذ المودع عنده يقوم بعمل لمصلحة الغير هو حفظ الشيء لقاء أجر معلوم فهو مأجور في عمله كالمقاول والعامل، ولكن المودع عنده ليس مضاربا ولا يبغى الكسب من وراء الأجر، إلا أن هناك من الودائع ما يقرب المقاولة إلى حد بعيد، كعقود الحفظ المهنية إذ يتخذ الشخص الوديعة المأجورة حرفة له فيكون في هذه الحالة مضاربا يبغى الكسب. يغلب أن يقع في يد الوكيل أموال أو أشياء مملوكة للموكل، فإن هذه الأموال والأشياء الموجودة في يد الوكيل هي لتنفيذ الوكالة ولم يتسلمها لحفظها، ومن ثم لا تكون هناك وديعة مقترنة بالوكالة. إلا أنه قد تقترن الوديعة بالوكالة، كما إذا أودع شخص مالاً عند آخر لحفظه، ووكله في الوقت ذاته بأن يدفع هذا المال بعد مدة معينة لدائن له يستوفي منه حقه.الفرع الثالث: خصائص عقد الوديعة سبق لنا وعرفنا عقد الوديعة، ويتضح من التعريف أن له عدة خصائص يتميز بها وتتمثل في:أولا: الوديعة عقد رضائي الوديعة من العقود الرضائية، وليس عقدا عينيا، فلم يعد التسليم شرطا لازما لانعقاد العقد، وبالتالي فالوديعة تتم بمجرد الإيجاب والقبول فبمقتضاها يلتزم شخص أن يتسلم شيئا فالعقد يتم قبل تسليم الشئ والتسلم هو التزام من التزامات المودع عنده بعد أن تنعقد الوديعة. الوديعة متى كانت من غير مقابل، تكون من العقود الملزمة لجانب واحد unilatéral، لأنها لا تلزم إلا المستودع بالمحافظة على الشئ ورده، أما المودع فلا يكون ملزما بشئ. غير انه قد تفق أن يكون المودع ملزما ببعض الالتزامات لا تغير من طبيعة العقد، لأنها من جهة لا توجد وقت العقد بل تتولد بعده، والقاعدة انه ينظر، لمعرفة ما إذا كان العقد من العقود الملزمة للجانبين أو من العقود الملزمة لجانب واحد، ومن جهة أخرى فان هذه الالتزامات لا تكون مترتبة على نفس العقد، بل سبب آخر كما سيأتي، ويقول بعض الشراح الفرنسيين أنها في هذه الحالة تكون من عقود المبادلة الناقصة synallagmatique imparfait ، ولكن معظم الشراح لا يعترفن بهذا النوع من العقود، ولم يتكلم في عقود المبادلة الناقصة،ثالثا: الوديعة يتغلب فيها الاعتبار الشخصي فعقد الوديعة من عقود الأمانة والثقة، بل هو قمة هذه العقود وعلى رأسها جميعا، ويترتب على توافر الاعتبار الشخصي في الوديعة، أن الوديعة تنتهي بموت المودع عنده، وأن المودع عنده ليس له أن يحل شخصا آخر محله في حفظ الوديعة، دون إذن صريح من المودع،رابعا: الاشتباه بالعارية تشبه الوديعة عارية الاستعمال من حيث أن كلا منهما يلتزم طرفا واحدا من المتعاقدين، وأن كلا منهما لا ينقل الملكية ويستوجب رد الشئ محل العق عينا، ولكن العقدين يختلفان من الوجوه الآتية: أ‌. يأخذ المستعير الشئ ليستعمله، أما المودع عنده فليس له حق الاستعمال، على انه قد أجيز المودع للمودع عنده استعمال الوديعة، ولكن بهذا لا يعتبر العقد عارية؛ب‌. في الوديعة يقدم المودع عنده خدمة للمودع، للمودع الحق في أن يسترد الشئ المودع قبل الأجل المعين وهذا خلافا للمعير، فليس له الحق دائما؛ث‌.ج‌. مسئولية المودع عنده أخف من مسئولية المستعير، لان الأول كما قلنا يقدم خدمة، بخلاف الثاني فانه يحصل على منفعة.المطلب الثاني: أركان عقد الوديعة والسبب. سنتطرق في هذا المطلب إلى فرعين (الفرع الأول) يتمثل في التراضي في عقد الوديعة والذي يشمل كل من شروط الانعقاد و شروط الصحة أما (الفرع الثاني) فسنتناول المحل والسبب في عقد الوديعة.الفرع الأول : التراضي في عقد الوديعة يشترط لانعقاد عقد الوديعة توافر رضا الطرفين، ويستلزم أيضا أن تتوفر الاهلية لدى المتعاقدين، سنقسم هذا الفرع إلى شروط الانعقاد(أولا)، وشروط الصحة(ثانيا) في أن الأصل في العقود هو التراضي وطيبة النفس، وأن الوديعة لا تصلح إلا بتراضي الطرفين. وما دام أن الوديعة عقد ينشأ بين الطرفين، فإن وجوده يتوقف على صيغة تفصح عن رغبة المتعاقدين في إنشاءه، ومن ثم يكفي لانعقادها توافق الإيجاب والقبول من المودع والمودع عنه. وليس التسليم ركنا فيها كما كان الأمر في عهد التقنين المدني القديم، إذ كانت عقدا عينيا، ولا توجد أحكام خاصة بعقد الوديعة في هذا الصدد، ومن ثم تسري القواعد العامة المقررة في نظري العقد، واعتقد الآخر انه هبة أو عارية، لم يتوافق الإيجاب والقبول، فلا ينعقد العقد لا باعتباره هبة ولا باعتباره وديعة، كذلك لو أعطى شخص شيئا لآخر وقصد أن يكون هبة، وقبله الآخر على انه وديعة، لم يكن هناك لا هبة ولا وديعة، لان الإيجاب والقبول لم يتوافقا لى ماهية العقد، وتسري الأحكام المتعلقة بطرق التعبير عن الإرادة تعبيرا صريحا أو تعبيرا ضمنيا، والوقت الذي ينتج فيه التعبير عن الإرادة أثره، وموت من صدر منه التعبير عن الإرادة أو فقده لأهليته، والتعاقد ما بين الغائبين، والنيابة في التعاقد، وغيرها من الأحكام ومنذ أن أصبحت الوديعة عقدا رضائيا، صار الوعد بالوديعة يعدل الوديعة نفسها، ولم تعد هناك أهمية للتمييز بينهما . والذي يملك أن يودع الشئ هو في الأصل مالكه، فيجوز للمالك أن يودع ملكه، وكذلك يجوز الإيداع من النائب عن المالك وكيلا كان أو وليا أو وصيا أو قيما، ولكل من له حق التصرف في الانتفاع بالشئ أن يودعه و لو لم يكن مالكا له، فيجوز الإيداع من صاحب المنفعة، ومن المستأجر، ومن المستعير، ومن المرتهن رهن حيازة، ولهؤلاء جميعا أن يودعوا الشئ حتى عند المالك نفسه، أما من لا يملك التصرف في الانتفاع بالشئ فلا يجوز له في الأصل الإيداع، فالمودع عنده لا يملك أن يودع الشئ من الباطن إلا بإذن المودع ما لم يكن مضطرا إلى ذلك بسبب ضرورة ملجئة عاجلة، و إذا أودع الشئ من لا يملكه و ليس له التصرف في الانتفاع به، لم تنفذ الوديعة في حق المالك، فإذا أودع السارق الشئ المسروق عند شخص أخر، صحت الوديعة فيما بين المتعاقدين، و لكنها لا تنفذ في حق المسروق منه، و لهذا أن يسترد الشئ المسروق من المودع عنده. ثانيا: شروط الصحة1. أهلية المتعاقدين: يجب أن تتوافر الأهلية في كل من المودع والمودع عنده وتطبق القواعد العامة، وبما أن المودع عنده يلتزم بهذه الالتزامات، فيلتزم أن يكون كامل الأهلية أي أهلية التصرف والالتزام ، فإن كان قاصرا أو محجورا عليه كان له أن يتمسك ببطلان الوديعة، و ليس للمودع أن يدفع بالبطلان، لان البطلان مقرر لحماية ناقص الأهلية، فإذا لم يحتج ناقص الأهلية بالبطلان كان البطلان مطالبا بالالتزامات التي تترتب على العقد ، إذ العقد يكون صحيحا حتى يبطل. أما المودع حتى لو كانت الوديعة باجر ، يقوم بعمل من أعمال الإدارة لا من أعمال التصرف، فلا يشترط فيه إذن أهلية التصرف وتكفي أهلية الإدارة ومن ثم يكون الصبي المميز والمحجور عليه المأذون لهما في إدارة أموالها من ذوي الأهلية للإيداع، ومن باب أولى يكون أهلا للإيداع البالغ سن الرشد، أما الصبي غير المميز غير المأذون له في إدارة أمواله ومن يلحق به من المحجور عليهم فلا يكونوا أهلا للإيداع، وإنما يجوز للولي أو الوصي أو القيم أن يقوم بإيداع أمواله، لان الإيداع عمل من أعمال الإدارة كما سبق القول فيدخل في ولاية النائب المحجور عليه، وإذا أودع الصبي المميز غير المأذون له في إدارة كانت الوديعة قابلة للإبطال وجاز لوليه أو له عند بلوغ سن الرشد، أن يطلب إبطال الوديعة وقد يقال انه في غنى عن ذلك إذ الوديعة عقد غير لازم بالنسبة إليه، وعند ذلك لا يستطيع المودع التحلل من الوديعة بإرادته المنفردة ولا يبقى أمامه إلا إبطال العقد، أم بأن يرد له ما أنفقه من مصروفات أو بان يعوضه عن كل ما لحقه من خسارة بسبب الوديعة ، فيستطيع أن يتخلص من هذه الالتزامات بإبطاله الوديعة ولا يكون مسئولا إلا بمقدار ما انتفع طبقا لقواعد الإثراء بلا سبب. وقد جاء في المادة692 من التقنين اللبناني: "أن الإيداع وقبول الوديعة يستوجبان أهلية الالتزام عند المودع والوديع. على أنه إذا قبل شخص ذو أهلية من شخص لا أهلية له إيداع شيء ما، فلا يسأل عن تلفها أو ضياعها الناشئ عن إهماله إلا إذا كان مميزا، لان التصرفات التي تحصل منه في العين المودعة أو إتلافها عمدا وبسوء قصد تجعله ضامنا ذلك، وأما المودع ذو الأهلية الذي أودع عند ناقص الأهلية فإنه يكون ملزما كما لو تعاقد مع ذي أهلية. وجاء القانون الفرنسي بالقواعد الآتية في المادتين 1925 و1926، فقال في الأولى: لا تكون الوديعة الاختيارية إلا بين أشخاص حائزين لأهلية التعاقد، فيجوز لوصي المودع أو وليه أن يقاضيه، أو دعوى برد مقدار ما عاد منه على المودع لديه من الكسب.2. عيوب الارادة في عقد الوديعة: ولا توجد أحكام يختص بها عقد الوديعة في صدد عيوب الإرادة، فتسري القواعد العامة المقررة في هذا الشأن. لكن يلاحظ أن الوديعة يدخل فيها الاعتبار الشخصي، وتكون شخصية المودع عنده دائما ملحوظة، فتبطل الوديعة إذن للغلط في شخص المودع، و بخاصة للغلط في شخص المودع عنده. والإكراه يعيب الإرادة في الوديعة كما يعيبها في سائر العقود، ولكن في الوديعة الاضطرارية صحيحة، وإذا كانت إرادة المودع تقع تحت ضغط في هذه الوديعة فإن هذا الضغط لا يصل إلى حد الإكراه .الفرع الثاني : المحل والسبب في عقد الوديعة عقد الوديعة كغيره من العقود لا بد أن تتوافر فيه ركن المحل وهذا ما سندرسه(أولا) في هذا الفرع، كما سنتناول ركن السبب(ثانيا). أولا: المحل في عقد الوديعة1. الشروط الواجب توافرها في الشئ المودع : المحل الأصلي في عقد الوديعة هو الشئ المودع وقد يشترط أجر للوديعة فيصبح الأجر محلا آخر، ولكنه محل عرضي قد يوجد وقد لا يوجد ، كما يتعين أن يتوفر المحل، ويجب أن يتوافر في الشئ المودع الشروط العامة التي يجب توافرها في المحل: فيجب أن يكون الشئ موجودا، غير مخالف للنظام العام ولا للآداب: فلو كان الشئ المراد إيداعه قد هلك قبل التعاقد، انعدم المحل و لا تنعقد الوديعة، كذلك يجب أن يكون الشئ المودع معينا تعيينا كافيا نافيا للجهالة الفاحشة أو قابلا للتعيين، وتسري في ذلك القواعد العامة المقررة في هذا الشأن، وإذا كان الشئ المودع غير قابل للتعامل فيه، بأن كان مخالفا للنظام العام وللآداب، لم يجز إيداعه فلا يجوز إيداع الأشياء المهربة، ولا المخدرات، ولا الحشيش، ولا الأسلحة غير المرخص فيها، ولا الكتب أو الصور الممنوعة .2. الأشياء التي يجوز إيداعها: