تاريخ الأدب التمثيلي فرع من تاريخ الأدب العام، ولا يمكن أن يفهم الأول من غير الثاني للتطورات التي تقلب فيها الأول، فلكي نعرف فن التمثيل لا بد أن نعرف الفنون التي سبقته، وكيف تطورت، وكيف نشأ عنها هذا الفن. فقد كان التمثيل عندما وجد متأثراً بفنون أخرى نشأت قبله أول ما وجد التمثيل كفن من فنون الأدب في بلاد اليونان وهو لم يوجد في اليونان بمجرد وجود تلك الأمة أو بمجرد أن نشأ الشعر وغيره من فنون الأدب بل عاشت قروناً طويلة من غير أن تعرف شيئاً عن التمثيل. عندما تقدمت الأمة اليونانية في حضارتها وفي حياتها العقلية والأدبية ظهر فيها شيء جديد لم يكن معروفاً من قبل وليس مجرد الشعر الذي يصف الأهواء والعواطف بل أن يعبر الشاعر عما يريد أن يعبر عنه بالحركات واللسان فنشأ عن هذا فن ساذج طبيعي غير متقن ولما تقدم هذا الفن أقبل عليه الجمهور فاعتنى القائمون به وجدت فنون أخرى عند اليونان قبل التمثيل كالشعر مثلا الذي كان التمثيل من نتيجتها ولم تمت تلك الفنون عند ارتقاء فن التمثيل بل تمشت معه واندمجت به لما كان الشعراء ينشدون الشعر بالقوافي والتوقيع على الموسيقى كان الممثلون ينشدونه كذلك موزوناً بالموسيقى وبما يناسبه من الحركات مع شيء من الرقص والحوار. تأثر الممثلون بالشعراء في التغني بالشعر ثم تأثر الشعراء بالممثلين فبعثوا في الشعر شيئاً لم يكن موجوداً فيه من قبل وهو الحوار والمناقشة والحركة.