ويحول هذا الأمر –في بعض الأحيان– دون أن نعي المخاطر الناجمة عن عمليتي التمازج والتزاوج هاتين؛ وثورة البيولوجيا الجزيئية، والحياة (ثورة البيولوجيا الجزيئية)، ونعني بذلك القدرة على التحكم في المادة، كما امتد تأثير هذه النظرية إلى التطورات التي حدثت في مجال الحاسوب، واستطاعت أيضا ثورة البيولوجيا الجزيئية أن تمكننا من قراءة الشفرة الوراثية للحياة؛ الذي يكافح الأمرا على مستوى الجزيئات، ويساعد على التنبؤ بالأمرا قبل حدوثها. لقد باتت هذه الثورات الثلاث تشكل مجتمعة نظاما معرفيا متكاملا، وبدأنا ندرك أن المشكلات الكبيرة، غير مرتبطة بالضرورة بهذه الثورة أو تلك منفردة، والخطورة في هذه اللحظة التاريخية أن البشرية تمض ي فيها بسرعة هائلة في مناخ يشهد تطرفا في كل ش يء، ومنها العلوم البيولوجية كاستعمال أنسجة تحمل جراثيم فتاكة لنقلها إلى أجساد أخرى؛ إذ تقوم بعض الشركات العاملة في تجارة الأنسجة البشرية، كما تتجه بعض هذه الشركات إلى زيادة استثماراتها وجُنيها الأموال عن طريق فتح مراكز علمية طبية لإنتاج الخلايا الجذعية من الأجنة الناتجة من عمليات الإجها ، فقوائم الانتظار الطويلة للمرض ى على مستوى العالم، وجماعات الجريمة المنظمة الدولية. كما بدأ يتردد في مجال التقنية البيولوجية ما يسمى بـ(الإرهاب البيولوجي)؛ والوسائل التقنية التي تنقل هذه الجراثيم المسببة للأمرا الفتاكة. من قبيل: ما المنافع التي س ُتجنى من هذا الكشف أو ذاك؟ وما الضرر الذي يؤثر في الإنسان ليعجل من نهايته؟ هل هذه الكوارث التقنية والمشكلات البيئية التي أصبحت غير قابلة –في أحيان كثيرة– للتحكم فيها أو السيطرة عليها، وتزايد الخلل في التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين الدول الفقيرة والغنية، والمعرفة العلمية الناتجة منه أيضا؟ وهل إنسان القرن الحادي والعشرين لديه الاستعداد الأخلاقي أو القيمي الذي يتناسب مع التقدم العلمي المتسارع؟ حاول كثير من العلماء والفلاسفة الكلاسيكيين وضع مجموعة من الفروق والاختلافات الجوهرية بين العلم والفلسفة؛ لكي يصلوا منها إلى نتيجة تقول: لا يمكن أن تكون ثمة علاقة بين الفلسفة والعلم، أو أن يوجد أي ترابط بينهما؛ بينما تهدف الفلسفة إلى تفسير بعض الظواهر تفسيرا كليا شاملا لا يهتم بالجزئيات والتفاصيل، لأنه يلجأ إلى الملاحظة والتجربة في كل المراحل التي تتخذها النظرية العلمية حتى تكون نظرية علمية صادقة، بينما الفلسفة تأملية نظرية ذاتية لا يمكن فيها فصل ذات الفيلسوف بخلفياته وميوله الثقافية والسياسية الأيديولوجية عن فكره الفلسفي الذي يقدمه على هيئة فلسفة، فضلا عن أن حدود الفلسفة تتجاوز العالم المحسوس لتبحث في قضايا ما وراء هذا العالم، بينما الأحكام التي تعتمد عليها الفلسفة هي أحكام معيارية؛ أي: أحكام تبحث فيما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني وفقا للقيم الكبرى التي هي قيم الحق والخير والجمال. فإن العلم –وفقا للتصور الكلاسيكي الذي يعدد الفروق والاختلافات بينه وبين الفلسفة– منفصل عن تاريخه؛ لأن تاريخ العلم لا يمكن أن يفيد العلم المعاصر بأي حال من الأحوال؛ لكن هذه النظرة تجعل العلاقة بين العلم والفلسفة علاقة تصارع؛ صحيح أن الفلسفة والعلم –بوصفهما مظهرين ثقافيين– يسعى كل منهما بطريقته إلى الوصول للحقيقة أو الصدق، لأن هذا التاريخ هو تاريخ العقل الإنساني ذاته الذي يسعى إلى كشف المجهول على المستويين الإنساني والطبيعي؛ فإذا كان منهج الفلسفة هو منهج السؤال بهدف الكشف عن غمو العالم من حولنا من أجل الإنسان ذاته، وهو ما يدل على أن أي تقدم منشود في المستقبل يستلزم وجود الفلسفة والعلم معا، أو ُقل: وجود فلسفة العلم القادرة على وضع منظومة معرفية علمية ُيدرك على أساسها الإنسا ُن العالم من حوله ويفسره؛ إذ دون هذه المنظومة المعرفية العلمية التي تضعها فلسفة العلم يتحول وعي الإنسان إلى مجرد آلة أو ظاهرة بيولوجية تخضع للدراسة وفقا لمناهج العلوم الرياضية والفيزيائية البحتة. ولما يشهده واقعنا العربي من تراجع على مستوى ومستوى التفكير الفلسفي من جهة أخرى، لأن هذا الوعي يساعدنا على فهم الأبعاد الحضارية والثقافية التي تساعد على التقدم العلمي الذي نحن في حاجة ماسة إليه. لقد سادت في المرحلة المتأخرة من القرن العشرين رؤية عقلانية تؤكد أن أساسيات الفهم العلمي الصحيح للظواهر والأحداث التي تدور في العالم الطبيعي لا تعتمد على مجموعة من القوانين الثابتة والجامدة، والخلفيات المعرفية والقيم التي تحرك هذا العا ِلم أو ذاك الفيلسوف؛ وهو ما أدى إلى انتفاء أشكال السلطة المعرفية العلمية والفلسفية المختلفة التي تحاول فر الشرعية وفق قواعد وأهداف ومناهج ونظريات بعينها على كل إنجاز علمي أو فلسفي، وكذلك الفلسفة الكلاسيكية؛ تقدم لنا فلسفة العلم الوسائل التي تمكننا من فهم ظاهرة العلم وكيفية تقدمه في عصر من العصور. كما تقدم فلسفة العلم الوسائل التي نعرف من خلالها الأسباب التي تؤدي إلى تراجع العلم ذاته؛ لذلك يمكن القول: إن فلسفة العلم تساعد العلماء على فهم أكبر للعالم، فضلا عن أن فلسفة العلم تقدم حلولا متعددة، للمشكلات والأسئلة التي تركها العلماء بلا حل أو إجابة؛ لاعتقادهم أنها ليست مشكلات على الإطلاق، أو لظنهم أن الأسئلة المثارة من الفلاسفة ليس لها معنى، التي تركها البيولوجيون دون إجابات، مثل: ما مفهوم الإنسان وطبيعته؟ وما معنى الحياة والغر منها؟ لنفتر أن شخصا ما ادعى أنه لا يوجد أي سؤال لم يستطع العلم الإجابة عنه لا في الماض ي ولا في الحاضر، وأن أي سؤال لم يستطع العلم الإجابة عنه يعد سؤالا زائفا لا معنى له، أو يتنكر في صورة سؤال مشروع؛ فعندما أسأل: ما الإنسان؟ وما طبيعته؟ وما معنى الحياة؟ فليس معنى ذلك أن هذه الأسئلة ظلُت قرونا بلا إجابات، بل هناك كثير من الإجابات التي قدمُها تاريخ الفلسفة والعلم، لكن وجاهة الإجابات تتحدد من خلال الحجج والأدلة التي يقدمها العالم أو الفيلسوف، ولابد لأي حجة من أن تحتوي على خاصيتين جوهريتين ترتبطان معا: – الأولى: لابد من أن تعتمد ال ُحجج بشكل كبير على فهم طبيعة العلم ذاته، وهي خاصية لا يمكن للعلم أن يقدم لنا تفسيرا بشأنها، بل فهم طبيعة العلم من شأن فلسفة العلم. وهو ما يعني أنه لا يمكن تجنب الفلسفة لدى العلم؛ أو إذا شئنا الدقة قلنا: لابد من وجود فلسفة العلم التي تضطلع بهذه المهمة. بمعنى أنها تفتح ُ آفاقا جديدة للبحث، فالفرضية العلمية لا يمكن أن ُتستمد من التجربة كما كان شائعا في التصور الكلاسيكي للعلم، لذلك يمكن أن ننتهي إلى نتيجة تقول: الفرضيات العلمية تخمينات؛ بل ربما تخطر على ذهن العالم بمحض المصادفة؛ لكنه يظل في الوقت ذاته على صلة وثيقة بهذا الواقع من أجل تجاوزه وتخطي العقبات التي حالت دون تقدمه. وهنا يأتي دور فلسفة العلم التي تضع منهجا علميا يساعد العلماء تنشأ القضايا الأخلاقية داخل السياق العلمي بعدة طرائق؛ فمن الواضح أن الاختراع التقني يمكن أن يؤدي إلى إمكانيات جديدة تحمل تقييما أخلاقيا ما؛ فعلى سبيل المثال: أصبح شائعا في الحقبة المعاصرة الإمكانية التكنولوجية لاستنساخ عدد كبير من الثدييات، وهو ما يؤكد الإمكانية التكنولوجية لاستنساخ الموجودات البشرية. ويسألون عن إمكانية عمل نسخة جينية من الإنسان، أو الاستفادة من الاستنساخ بوصفه صورة من صور التكنولوجيا الإنجابية، خصوصا لدى الأزواج والزوجات الذين يعانون مشكلات في لكن بعض العلماء يزعم أنه إذا كانت ثمة موافقة من أشخاص يريدون طواعية أن ُتجرى التجارب عليهم بعد اطلاعهم على المخاطر والفوائد المحتملة التي تنطوي عليها هذه التجارب فعندئ ٍذ لا معنى للحديث عن الجوانب الأخلاقية في إجراء التجارب. كما أن هناك كثيرا من القضايا الأخلاقية الخاصة بإجراء التجارب على الحيوانات؛ فإذا كان بعضهم يسوغ إجراء التجارب على الإنسان بعد موافقته،