التقنيات الحداثية في الرواية العربية التقنيات الحداثية في الرواية العربية د.عماد الضمور - شهدت الرواية العربية عبر تاريخها الطويل العديد من التجارب الإبداعية على المستويين الشكلي والمضموني، محاولةً إعادة صياغة المعمار الروائي بما يتناسب مع الواقع والفكر العربيين باعتبار أنّ الرواية جنس أدبي دخيل على الثقافة العربية وأن الرواية العربية شهدت في العقود الثلاثة الماضية تطوراً كبيراً في ناحيتي المبنى والمضمون جعل بعض النقاد يطلق على هذا العصر «عصر الرواية». لأن الرواية القائمة على التجريب يسعى فيها الروائي إلى فعل محدد داخل مفهوم الرواية السائد، يعبّر به الروائي عن ذوق شخصي في التأليف أو التصوير أو اختبار الموضوع ويستقي أشكاله من نفسه أو من تجارب حاصلة خارج بيئته. فالتجريب يستمد خصوصيته من محدودية الفعل الذي يقوم به الروائي ضمن عمله الإبداعي، وهذا الفعل هو فعل ذاتي مبني على ذوق شخصي يختاره المؤلف تبعاً لقناعته. أمّا «الرواية التجريبية» فهي عمل تغييري ينطلق من وعي الروائي ومن مفهوم جديد لديه لتأليف الرواية، بمعنى أنها تقوم على إحداث تغيير شامل في بنية الرواية من حيث التأليف والصياغة والتصوير، لأنها أصبحت لا تتناسب مع شكل الرواية التقليدية شكلاً ومضموناً، فهي ترفض السائد وتخرج عن معايير الرواية التقليدية وتؤسس في الوقت نفسه لمعايير جديدة وترسي جمالية مختلفة وشعريّة بديلة. وهذا النوع الروائي ظهر لدى الغرب من خلال كتابات روائيين أمثال: كلود سيمون، لقد قطعت الرواية العربية شوطاً كبيراً في التجريب ثم بدأت بالتجريبية منذ رواية «رحلة ابن فطومة» الصادرة عام 1983، ومن الروائيين العرب الذين طوروا وأدخلوا تقنيات جديدة في الرواية العربية، هذه الأسماء وغيرَها أبدعت أعمالاً روائية جادة ومتميزة في حقل الرواية، بعضُها يتأسس على استثمار الواقع بمتغيراته المختلفة، وبعضها الآخر يقوم على تجريب عناصر وتقنيات عديدة لخدمة الطرح والتعبير الفكري والذهني الخاص بكلّ روائي وفق البيئة والمعطى الفكري لكلّ واحد منهم. وقد تعددت دواعي الميل إلى التقنيات الحداثية في الرواية، المتمثلة بالسرد والحوار وتوظيف الفنون الإبداعية الأخرى كالسينما والفن التشكيلي والسيرة الذاتية فضلاً عن كيفية عرض الشخوص الروائية. وبخاصة بعد فترة السبعينات من القرن الفائت إذ سرعان ما بدأت خيبات الأمل والإحباطات تتسلل إلى الفكر الروائي في ظل تزايد القمع وكبت الحريات. لكن يمكن القول إنّ الميل إلى التقنيات الحداثية في الرواية العربية كان بهدف كسر البنية التقليدية للخطاب الروائي، كذلك فإنّ تذويب الكتابة كان واضحاً في الرواية بجعل ذات الكاتب حاضرة متفاعلة مع ما تحكيه وحاملة للغةٍ تُخصّص التجربة وتحمّلها رؤية معرفية وشعوريّة تؤثر على موقف الذات الكاتبة. والسير الشعبية والمصادر التاريخية والواقع الاجتماعي، كما في روايات واسيني الأعرج ومحمد برادة. إذ يتخذ المؤلف في روايته طرقاً وأساليب جديدة في الكتابة الروائية تقوم على خلخلة المبنى العام للرواية، من خلال الحوار وأهداف الشخوص وتشكّل الزمان والمكان في النص الروائي. بحثاً عن أساليب جديدة لعالمهم الروائي بهدف تشويق المتلقي وتمتيعه أدبيّاً وفنيّاً. وقد تنبّه نجيب محفوظ إلى أهمية التراث في تشكيل النص الروائي، فشكلت محطة بارزة في عالم محفوظ الروائي. وتمثل رواية «رحلة ابن فطومة» المرحلة الأخيرة من المسيرة الروائية لمحفوظ، وذلك باستخدام الفن الروائي. ومستقبل يقفز من أسر اللحظة الراهنة، وتعد مشكلة الزمن من أهم التقنيات الفنية التي اعتمدها نجيب محفوظ في التعبير الروائي. وهي الرواية التي تسردها شخصية في القصة، أما بالنسبة للزمن الروائي، وهذا يجعل الاتجاه الزمني يقوم على الزمن الماضي المستمر في الحاضر، وقد جاء التقسيم الزمني في الرواية اعتماداً على أسس مكانية، وهكذا تستمر حركة الزمن، مما يكوّن في النهاية زمناً كلّياً واحداً هو زمن الرواية، يصبح الزمن في الشكل الروائي دائرياً، وتحمل الرواية رسالة واضحة إلى القارئ, وهي أن من الزمن ما يصنعه الإنسان بنفسه ولنفسه، وتكشف الرواية عن حالة القطيعة الحالة بين الذات العربية، فضلاً عن حالة الغربة الروحية،