الأنثروبولوجيا دراسة حقلية ج ـ الأنثروبولوجيا دراسة حقلية : لم تقتصر مرحلة استكمال عناصر الأنثروبولوجيا الإجتماعية على تحديد موضوع العلم بصورة أدق مما سبق. وإنما شملت أيضاً تحديد المنهج الرئيسي للأنثروبولوجيا الإجتماعية ألا وهو "الدراسة الحقلية أو الميدانية"، وكان العلامة الإنجليزي"هادون " أول من طبق منهج الدراسة الميدانية بدقة وبصورة موضوعية، و وذلك عندما ترأس بعثة جامعة "كامبريدج" المؤلفة من بعض العلماء لدراسة منطقة مضائق توريس في المحيط الهادي، من 1898 إلى 1900. ثم توالت الدراسات الميدانية وأصبحت أكثر نضجا، ولا شك أن أهمها جميعاً دراسة العلامة الشهير "راد كليف براون" الذي كان تلميذا لكل من ريفرز وهادون. لقد قام راد كليف براون بدراسة ميدانية لسكان جزر أندمان في خليج البنغال، واستغرقت تلك الدراسة عامين من 1906 إلى 1908، ويعدها إيفانز بريتشارد أول محاولة بحق يقوم بها أحد الأنثروبولوجيين الاجتماعيين لفحص النظريات الاجتماعية بالرجوع إلى مجتمع بدائي معين، ولوصف الحياة الإجتماعية في ذلك المجتمع بطريقة تبرز بوضوح النواحي التي تتفق مع تلك النظريات، وتفوق هذه الدراسة ما قامت به بعثة هادون في مضائق توريس التي اهتمت بالنواحي النفسية أكثر من اهتمامها بالجوانب الإجتماعية، وقد وصل تعميق الدراسة الميدانية وتركزها إلى القمة على يد العلامة البريطاني الجنسية والبولندي المولد "مالينوفسكي" الذي أنفق في دراسته لسكان جزر التروبرياند بمنطقة ميلانيزيا مدة أربع سنوات( 1914-1918) وهي أطول مدة لبحث ميداني. ومع بداية 1924 بدأ مالينوفسكي بتدريب مجموعة من الأنثروبولوجيين الاجتماعيين الأذكياء من كل أجزاء (الكومنولث) في مجال الدراسة الميدانية والنظرية الوظيفية التي تولدت عن دراسته الشهيرة. وفي عام 1937 أعاد العلامة راد كيلف براون تنظيم معهد الأنثروبولوجيا الإجتماعية بجامعة أكسفورد وعمل على تطوير مناهجه، وهكذا ازدهرت الأنثروبولوجيا بفضل جهود كل من مالينوفسكي وراد كيلف براون، وظهر تلاميذ لهما ذوي خبرة وذكاء في الدراسة الميدانية ونشروا الأبحاث العميقة وأصبحت منطقة وسط أفريقيا وجنوبها حقلا غنيا للبحث خلاصة : وعليه يمكننا القول بأن الأنثروبولوجيا الإجتماعية المعاصرة تعتقد اليوم أن الدراسات التفصيلية المكثفة التي تتناول سلسلتها بعض المجتمعات المختارة بغرض حل مشكلات محددة، هي التي تساعدنا على فهم طبيعة المجتمعات البشرية أكثر بكثير من محاولات تجميع الأحكام العامة على قاعدة الوثائق و التقارير المكتوبة، ينشأ عن ذلك أننا بدأنا لتونا بإدراك بعض الشيء عن الطبيعة الفعلية لحياة الشعوب البدائية، إن الأنثروبولوجي يتجه الآن إلى إعمال الفكر حول المجتمع أكثر من إعماله حول الثقافة وحول النظم المجتمعية والقيم ووقعها بعضها على بعض، فهو لا يسعى إلى معرفة ما إذا كان الزواج الخارجي مرعيا لدى شعب ما بقدر ما يسعى إلى إكتشاف دلالة هذه القواعد بالنسبة للعلاقات القائمة بين الجماعات، وهو لا يكتفي بمعرفة ما إذا كان لدى الشعوب معتقدات طوطمية، وعصبية الجماعات المبنية على النسب، إنه لا يعتقد أن معرفة ما إذا كان النسب مرعيا بإتجاه الخط النسائي لا الخط الرجال ،