مقدمة : تعتبر الإدارة العمومية تنظيما وجد أساسا لتقديم الخدمات العمومية للجمهور كالخدمات الإدارية، والاجتماعية والصناعية والثقافية. وذلك بإشباع الحاجات المختلفة للأفراد من طرف الجهات الإدارية[1] التي يعجز النشاط الفردي لوحده على توفيرها، في ظل تزايد طلبات المواطنين و احتياجاتهم في شتى المجالات، لم تعد الإدارة العمومية ببلادنا تستجيب لتطلعات المرتفقين، لذا نجد أن المغرب كغيره من الدول قد انخرط منذ الاستقلال في تطوير بنائه المؤسسي، و أصبح الارتقاء بأدائها مطلبا استعجاليا تقتضيه مستجدات السياق الراهن و تفرضه تحديات المرحلة المقبلة لإرساء النموذج التنموي المنشود من أجل تنمية شاملة، فهي تقتضي الانكباب الجاد على القضايا والانشغالات الحقيقية للمواطنين و الدفع قدما بعمل الإدارة العمومية و تحسين الخدمات التي تقدمها. فالهدف الذي تسعى إليه كل مؤسسة هو خدمة المواطن، وتقريب المرافق والخدمات الأساسية منه. "[2] و الأهم من ذلك هو تحسين علاقتها بالمرتفقين و تجديد ثقته بها، و ربط المسؤولية بالمحاسبة، و تحقيق مبادئ الانصاف المجالي و الشفافية والنزاهة و الحياد، مع احترام مبدأ المساواة بين المواطنين ترسيخا للعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرصة. من خلال هذه الورقة سيتم أولا تحديد الإطار المفاهيمي لكل من إصلاح الإدارة والخدمة العمومية مع ذكر العلاقة الترابطية بينهما، وكنقطة ثانية سنستعرض مواطن القصور و الاختلالات التي يعرفها جسم الإدارة العمومية بالمغرب، مع إبراز أهم مداخل الإصلاح الإداري الكفيل بتجويد الخدمة العمومية. المحور الأول: مفهوم الإصلاح الإداري و ماهية الخدمة العمومية. يرتبط مفهوم الإدارة العمومية بمفهوم الخدمة العمومية بعلاقة تلازمية، على اعتبار أن الإدارة العمومية هي ذلك التنظيم الذي أوجدته الدولة لتنزيل سياساتها العمومية و لتقديم الخدمات للمواطنين و اشباع الحاجيات العامة للأفراد. وعلى هذا الأساس فتحسين العمل الإداري لابد له وأن ينعكس ايجابا على جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين. فقبل الخوض في مداخل إصلاح الإدارة العمومية، لابد لنا من أن نعرج على مفهومي الإصلاح الإداري والخدمة العمومية. قبل أن نحدد مفهوم الإصلاح الإداري لابد لنا أن نحدد مفهوم الإدارة العمومية على اعتبار أنها من تتلقى وتخضع لفعل الإصلاح. كما أنها علم و فن لإبراز المؤهلات القيادية و المهنية، التي لا يستطيع أن يمارسها إلا ذوي الخبرة، لذا نجد جميع المدارس على اختلاف مذاهبها تجمع على أن الإدارة تتولى أي نشاط إنساني تخطيطا وتنفيذا و تنظيما وتنسيقا[4] ب‌- مفهوم الإصلاح الإداري تنوع مدلول الإصلاح الإداري بين الباحثين والمهتمين كل حسب وجهات نظرهم و على اختلاف مرجعياتهم، حيث عرف الإصلاح الإداري في معظم الدول المتقدمة على أنه" عملية تغييرات في الهياكل أو الاجراءات الإدارية ضمن الخدمات العامة، " في حين ترى الدول النامية بأن الإصلاح الإداري بأنه " عملية تحديث و تغيير في المجتمع لتحقيق التحول الاجتماعي و الاقتصادي. وقد اعتبر Peyrefitte الإصلاح أسلوبا أكثر تحفظا من غيره من الأساليب في سبيل تحقيق تغيير جهاز الدولة[5]، كما يرى GOURNAY بأن الإصلاح الإداري هو التغيير حيث و بأنه تحول راديكالي سريع في بنيات الجهاز الإداري و البيروقراطي، و ثورة في عقلية الموظفين" إلا أنه استطرد لاحقا على أن هذا التحول و التغيير صعب التحقق في المستقبل القريب [6]. ثانيا: مفهوم الخدمة العمومية و مبادئها الأساسية: أ- مفهوم الخدمة العمومية يوحي مصطلح الخدمة العمومية إلى تلك الرابطة التي تجمع بين الإدارة العامة الحكومية و المواطنين على مستوى تلبية الرغبات و إشباع الحاجات المختلفة للأفراد من طرف الجهات الإدارية و المنظمات العامة[7] كما عرف خبراء الإدارة العامة الخدمة العمومية بأنها: الحاجات الضرورية لحفظ حياة الإنسان و تأمين رفاهيته و التي يجب توفيرها بالنسبة لغالبية الشعب و الالتزام في منهج توفيرها على أن تكون مصلحة الغالبية من المجتمع هي المحرك الأساسي لكل سياسة بهدف رفع مستوى الخدمات للمواطنين[8] و تعرف أيضا على أنها خدمة فنية، من خلال التعريفات السابقة نستنتج أن العناصر المشتركة لمفهوم الخدمة العمومية تتلخص بشكل عام فيما يلي هما : - تتصل الخدمة العمومية مباشرة بإشباع حاجة لفائدة المصلحة العامة. - تصدر الخدمة العمومية عن السلطات العمومية. - ترتكز الخدمة العمومية على مبادئ أساسية: المساواة و الاستمرارية و التطور. ب- المبادئ الأساسية لتقديم الخدمة العمومية اتفق الفقهاء على مبادئ أساسية تحكم التدبير الإداري للمرافق العمومية في إطار تقديم الخدمة العمومية، و قد تم تلخيص هذه المبادئ فيما يلي[10]: سواء بسبب عدم توفر التمويل أواضراب الموظفين. ب‌- مبدأ المساواة: فلجميع المواطنين الحق في تلقي الخدمة العمومية دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو المركز الثقافي أو الاجتماعي، ت‌- مبدأ التطور: يتمثل في مسايرة الخدمة العمومية لتطور المجتمع في جميع المجالات و تلبية احتياجات طالبي الخدمة. فشكلت بفعل جمودها وبطئها عائقا للتنمية و التقدم، عوض أن تكون عاملا لتحقيق التنمية المستدامة. وقد أجمع الخبراء والأكاديميون و هم بصدد تشخيص واقع حال الإدارة العمومية بالمغرب على وجود عدة ثغرات و نقائص، ففي دراسة حكومية بشراكة مع البنك العالمي BM وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD تم تعداد المتبطات التالية: - مركزة مفرطة للاختصاصات و الإمكانيات؛ - تدبير روتيني و ضعف تدبير الموارد البشرية؛ - مساطر مالية بطيئة؛ - غياب التفويض و المشاركة و صعوبة تبادل المعلومات؛ - تدبير إداري تقليدي. حيث شكلت و لا زالت تشكل عائقا أمام نجاعة التدبير الإداري و تحول دون توفير الخدمات العمومية للمرتفقين بالمستوى المطلوب. يستمد سؤال الإصلاح مصداقيته من الرهانات الدستورية الملقاة على الإدارة العمومية في تنزيل الحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة و تحقيق الجودة في تقديم الخدمة العمومية، و إذا كانت الإصلاحات السابقة أبانت عن محدودية فعاليتها، فإن الخطة الوطنية لإصلاح الوظيفة العمومية( 2018-2021) تقترح مقاربة مندمجة تشاركية تؤسس لثقافة جديدة في التعاطي مع المرفق العام، و تتحدد الملامح الكبرى لهذه المقاربة الجديدة في مجموعة من المداخل الأساسية للإصلاح: أولا: مدخل تنظيمي. أ- دعم سياسة عدم التركيز و اللامركزية الإدارية: عن طريق تفعيل مقتضيات المرسوم 618-2-17 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري الذي يحدد المبادئ التوجيهية للاتمركز الإداري، و القواعد العامة للتنظيم الإداري للمصالح اللاممركزة للدولة، يهدف هذا الميثاق إلى: - تخفيف العبء عن الإدارة المركزية؛ - تحقيق الجودة و الفعالية و الانتقائية و العقلنة و السرعة في العمل الإداري - تقريب الخدمة من المواطنين - وضع و تنفيد برنامج وطني لتحسين الاستقبال عبر تأهيل المكاتب الأماية للإدارات العمومية وفق المبادئ العامة لميثاق حسن الاستقبال من أجل تقديم خدمات عمومية أفضل تستجيب لحاجيات المرتفقين[12]. ب- التسريع باعتماد ميثاق المرافق العمومية المصادق عليه بتاريخ 11 فبراير 2020 الذي يحدد المبادئ الكونية، التي تنظم العلاقة بين المواطنين و المرافق العمومية وفق ما تنص عليه الفصول 154 و 155 و 156 من دستور 2011، و على تحسين و تحديث الإدارة لتمكين المرتفق من خدمات جيدة تلبي احتياجاتهم و ضمان استمرارية خدمات المرافق والإدارات العمومية، والمساواة في الاستفادة منها وإشباع حاجات المواطنين وحفظ كرامتهم وإعادة الثقة لديهم في الإدارة العمومية و ضبط التزامات المسؤولين والموظفين الإداريين والمرافق العمومية وتحديد الضمانات المؤطرة لعلاقة الإدارة بالمواطنين، وترسيخ قيم ومبادئ الشفافية والنزاهة والمصداقية والجودة في تقديم الخدمات، وتكريس المبدأ الدستوري القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة و الاعتماد على الكفاءة والمهنية والتكوين و التكوين المستمر للأطر الإدارية والموظفين بالإدارات والمؤسسات العمومية و تعزيز وتقوية آليات التتبع والتقييم لعمل الادارات والمرافق العمومية، ج: وضع و تنفيد برنامج وطني لتحسين الاستقبال عبر تأهيل المكاتب الأمامية للإدارات العمومية وفق المبادئ العامة لميثاق حسن الاستقبال من أجل تقديم خدمات عمومية أفضل تستجيب لحاجيات المرتفقين[14]. عبر استعمال الأساليب التدبيرية الحديثة، سواء فيما تعلق الأمر بالموارد البشرية أو فيما يتصل بأنشطة العمل العمومي: وعلى هذا فالتدبير الحديث للوارد البشرية يقوم على أساس تحسين مردودية الأداء الإداري عبر تأهيل العنصري البشري باعتباره المرتكز الأساسي لأي تنمية إدارية، و أساس التدبير الحديث للموارد البشرية هو وضع استراتيجية شاملة للرفع من قدرات هذه الموارد و طرق تدبيرها و الحرص أيضا على الملائمة بين المهام و الكفاءات وتحفيزها و تحسين ظروف عملها[15]، لهذا الغرض وجب الرفع من كفاءات الرأسمال البشري للإدارة العمومية من أجل خدمة تليق بالمرتفقين. تشكل عملية التحفيز أحد الدعامات الأساسية التي يعتمد عليها في تحريك سلوكيات وتصرفات الموارد البشرية أثناء قيامها بالمهام و الأعمال المنوطة بها، و ذلك من أجل ضمان مستويات الأداء المخطط لها كأهداف لبلوغ نتائج لها غايات محددة[16]. و لكي تحقق عملية التحفيز نتائج إيجابية داخل الإدارة يقتضي الأمر أن تتم وفق معايير موضوعية كالجدارة و الاستحقاق و المكافأة على قدر الأداء، و يكون التحفيز إما ماديا كالعلاوات والترقيات أو معنويا بتثمين الجهود و التشجيعات. ت‌- الاعتماد على نظام تقييم الأداء فهذا النظام يعتمد كمرحلة أولية على وضع و على تسطير وتحديد الأهداف المراد تحقيقها، وبعد ذلك تحقيق النتائج التي تم تحقيقها، و مقارنة الأهداف مع النتائج المحصل عليها من أجل إبراز مختلف التباينات و الاختلالات، فنظام تتبع حسن الأداء يعتمد على مقومات أساسية، و من بين هذه المقومات نجد التخطيط، الذي ينبغي أن يتم من طرف الإدارة بشكل دقيق و معقلن لمختلف الأهداف و بكيفية تراعي المعطيات الموضوعية التي تتوفر عليها الإدارة، و ذلك من أجل تسهيل الأهداف و مراقبتها. كما تعتبر مرحلة قياس الأداء من أهم مراحل بناء نظام تتبع حسن الأداء، وذلك لتوفرها على عناصر قياس الأداء التي تمكن من تحديد عدد من المؤشرات الرقمية التي تسمح بتقدير نتائج العمل، غير أن هذه المؤشرات لا يتم وضعها إلا بعد تحديد الأهداف و النتائج المراد تحقيقها من واراء برنامج عمومي معين[17]. إن عملية التغيير و التحديث لا يمكن أن تتحقق دون مسؤول يتوفر على مؤهلات و على كفاءات و تجارب و خبرات تخول له القدرة على تحقيق التطوير المنشود على مستوى جودة الأداء و تحسين الخدمة العمومية. فالقيادة الإدارية تركز بالأساس على توجيه العنصر البشري، الذي يعتبر العنصر الأساسي و الرئيسي في عملية التنمية، يتوقف إلى حد كبير على كفاءة القيادات الإدارية و كيفية تسييرها للعملية الإدارية بشكل عام من تنظيم و إشراف وتخطيط و رقابة و تتبع، و كذا قدرتها على تنمية التعاون بينهم و رفع الروح المعنوية لديهم من أجل تحقيق الأهداف المنشودة[18]. من خلال توجيه الطاقات البشرية بشكل جيدو استغلال الموارد بشكل سليم و إزالة جميع العوائق التي تحول دون تحقيق الأهداف المرسومة[19]. و عموما يعرف التدبير بناء على الأهداف على أنه مقاربة التدبير استنادا على النتائج القابلة للقياس ، استنادا إلى الخدمات المراد تقديمها داخل نطاق من الشفافية و المساءلة و المرونة في الوسائل المستخدمة للوصول إلى النتائج المحددة. و ما فرضته المستجدات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، و القائم على تقاسم الأدوار و المسؤوليات و المهام بين جميع الفاعلين العموميين، مبينة على الوسائل بدون النظر إلى الأهداف و قياس النتائج. و ذلك من خلال الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الندوة الوطنية حول دعم الأخلاقيات بالمرفق العام في 29 و 30 أكتوبر 1999 ، حيث يحدد هذا الميثاق المبادئ و الضوابط العامة التي ينبغي أن تؤطر سلوك الموظف العمومي سواء داخل الإدارة أو علاقته مع المرتفقين من خلال: تشبعه بثقافة المرفق العام و تمكنه من ضوابط العمل بالإدارة و حسن التواصل مع المرتفقين. حيث جاء في خطاب بمناسبة ذكرى ثورة الملك و الشعب:. في كل المجالات، مهما يكن مرتكبوها. فمحاربة الرشوة و الفساد و استغلال النفوذ و اقطاعيات الريع و توزيع الغنائم مسؤولية الجميع: سلطات و هيئات، مواطنين و جماعات، في المجهود الوطني لمكافحة كل أشكال الفساد، و ما سواه من الممارسات المخالفة للقانون و القيم الأخلاقية[21]. لهذا أصبح موضوع تخليق الحياة العامة أحد الرهانات الأساسية للدولة و المجتمع بهدف الارتقاء بعلاقة الإدارة بالمرتفق إلى جو تسود فيه الثقة و الشفافية و المصداقية، بل و الجزر إذا تطلب الأمر ذلك لتغيير السلوكيات في الإدارة، استنادا إلى ما توفره الحكامة الإدارية من مبادئ مرجعية تؤسس للشفافية في تدبير الشأن العام، و قطع الطريق أمام استغلال النفوذ و الثراء غير المشروع، باعتماد قاعدة تلازم ممارسة المسؤوليات بالمحاسبة اعتمادا على مبدأ" أينما حلت السلطة حلت المسؤولية، أينما حلت المسؤولية ينبغي أن تحل المساءلة و المحاسبة" لعل الدينامية الجديدة، التي شهدها المغرب في الآونة الأخيرة جعلت استراتيجية محاربة الفساد تأخذ بعدا مؤسساتيا مهيكلا من خلال التأسيس لمجموعة من الأجهزة: تم تمتيع هذه المؤسسة الدستورية بمجموعة من الوسائل، التي تمكنها من الكشف عن حالات الفساد الإداري و التدخل للضرب على يد الفاسدين، و برنامج حماية الشهود و المبلغين، عندما يتعلق الأم بمعلومات تثبت الرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس. 2- الرقابة و دورها تخليق العمل الإداري تقوى دور المجتمع المدني خصوصا بعد صدور الدستور الجديد الذي أكد على ضرورة مساهمة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد القرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، والحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع و تقديم عرائض إلى السلطات العمومية. و في خطوة تشاركية منفتحة، فقد أصبحت هذه الأخيرة تلعب أدوارا إلى جانب الجهات الرسمية في إطار تكثيف الجهود لتخليق المرفق العمومي و محاربة الفساد الذي يستشري في دواليب الإدارة من خلال اليات كالتحسيس بالقيم و الأخلاق و الشعور بالمسؤولية من جهة و تسليط الضوء على كل الممارسات الفاسدة و رصد الانحرافات القانونية و مقاومتها من جهة أخرى. 4- تحسين علاقة الإدارة بالمواطن إن التواصل كمعيار من معايير الإدارة المواطنة، لذا فأن تحسين علاقة الإدارة بالمواطنين يتم عبر انتقال الإدارة من إدارة امرة إلى إدارة مرشدة و خدومة و جعل حسن استقبال المواطنين و إرشادهم و توجيههم من الأولويات المركزية للمصالح الإدارية، و الحرص على تقيد كافة العاملين بالإدارة العمومية بهذا التوجه، و هذا ما حث عليه الملك محمد السادس في خطاب له بمناسبة السنة التشريعية " إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات، هو خدمة المواطن، و بدون قيامها بهذه المهمة فإنها تبقى عديمة الجدوى"[24] فمن الضروري أن يجتهد الجهاز الإداري في تحسين بنية استقبال المرتفقين و الإنصات إلى مشاكلهم و مساعدتهم في حل قضاياهم على صعيد مختلف الإدارات، ففي حكم المؤكد أن القصد من اتجاه الإدارة العمومية الحديثة نحو الاهتمام بالمرتفق هو حتما: - إعادة كسب ثقة المرتفقين؛ - تسهيل ولوج المواطنين إلى خدمات الإدارة؛ - الرفع من جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. رابعا: مدخل التحول الرقمي لتحسين الخدمة العمومية قد أدى إلى تأزم العلاقة ما بين الإدارة و المرتفق إضافة إلى غياب ثقافة الجودة و الإدارة الخدومة و بطء الخدمة و عدم قدرتها على الانفتاح على محيطها الخارجي. ولهذا الغرض أنشئت اللجنة الاستراتيجية لتكنولوجيا الإعلام سنة 2004. كما أعلن المغرب عن استراتيجية المغرب الرقمي 2009-2013 و التي تضع من بين أولوياتها الرئيسة برنامج " الحكومة الرقمية" الرامي إلى تمكين المواطنين من خدمات رقمية تضاهي تلك المعمول بها على الصعيد الدولي، و تبعا لهذه التوجيهات السامية، حددت النقاط الأساسية للإصلاح المتمثلة في: اعتماد الاليات و الوسائل التكنولوجية الحديثة و استثمارها من طرف مختلف الإدارات العمومية من أجل تعميم و دعم الخدمات الرقمية المشتركة بينها و تسيير ولوج المواطن إليها[25]. و ذلك بالاعتماد على النظم المعلوماتية التي تساعد على اتخاذ القرار الإداري في أسرع وقت و بأقل تكلفة، بغية إحلال الشفافية و المساءلة، مما يبرر ضرورة اعتماد الإدارة الإلكترونية داخل كل مؤسسة و تعميمها على جميع القطاعات، تتعدد ايجابيات و حسنات اعتماد الإدارة الرقمية، إذ يمكن من خلالها تحقيق أ: تحقيق الشفافية إن عنصر الشفافية يعد من السمات الهامة للإدارة الرقمية، و ضمان علاقة تعاون إيجابي بين الطرفين، فسواء تعلق الأمر بإعلان عن توظيف أو صفقة عمومية أو مساطر إدارية، لأن تدال المعلومات و المعطيات على نطاق واسع، و يتيح للمواطن الحق في الإعلام و الأخبار و الاطلاع و تتبع طرق عمل المرافق العمومية[27]. فضلا عن تعطيل الخدمة لسبب من الأسباب كتغيب الموظف القائم على الخدمة أو تلكؤه في أدائها[29]. تعمل الإدارة الرقمية على القضاء على كمية النماذج الورقية العادية و المستندات والتوقيعات المطلوب استيفاؤها في هذه النماذج من المعاملات الإدارية، و الاستغناء تدريجيا عن المستندات الورقية، إضافة إلى إحداث بنوك للمعطيات على مواقع الشبكة العنكبوتية للتعريف بالخدمات و الوثائق الإدارية ذات الطابع العمومي، و ذلك استعدادا للانتقال إلى ما أصبح يعرف بالخدمات المسافية أو الخدمات عن بعد، و هو ما يساعد على سرعة اتخاذ القرار الإداري، و تقديم الخدمة العامة رقميا في أسرع وقت ممكن[30]. يشـكل القانـون رقـم 19. حيث يحدد هذا القانون المبادئ والقواعد التي تنظم المساطر والإجراءات الإدارية المتعلقة بالقرارات الإدارية التي يطلبها المرتفقون من الإدارات العمومية والجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها والمؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري آخر خاضع للقانون العام والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام[31]. ت: تخفيض التكاليف و من شأن ذلك كله ارتفاع تكاليف أداء الخدمة وذلك لارتفاع أثمان الموارد اللازمة لأداء الخدمة، إلا أنه باتباع نظام الإدارة الرقمية سوف تقل التكلفة[32]، أو من حيث عدد الموظفين المطلوبين لأداء الخدمة، فضلا عن تخفيف أعباء التنقل و الانتظار التي يعاني منها المواطن،