انتشرت في العقد الأخير تجارة العملات الرقمية عبر المنصات الإلكترونية فيما يسمى بـ«الفوريكس»، ولكن ما نظرة الشرع إلى هذا التداول؟ وهل يمكن أن تصبح العملة سلعة يتم البيع والشراء بها من خلال هذه المنصات الإلكترونية؟ وما هي المحاذير الشرعية من تداول الفوريكس؟ وما هو الأساس الذي تقوم عليه هذه المنتجات التي أفرزها النظام الرأسمالي؟ كل هذا وغيره تمت مناقشته في برنامج سؤال أهل الذكر الذي يقدمه د. ويستضيف فيه فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان.وقد بدأ سماحة مساعد المفتي بتوطئة لهذا الموضوع بقوله: الأصل في المعاملات المالية الواردة إلينا من النظام الرأسمالي الوقوف حتى يتبين لنا رشدها هذا في الحد الأدنى وإلا فإن من يأخذ الموضوع بحزم واحتياط فإنه لا عتب عليه إن قال: إن الأصل في المعاملات المالية المصممة في النظام الرأسمالي الواردة إلينا اليوم الحرمة حتى يثبت العكس، لكني مع ذلك خففت هذا وقلت بأن الأصل الوقوف حتى يتبين لنا الرشد.والأمر الثاني اللازم في فهم هذه القضايا مما يقع فيه كثير من الناس هو أنهم يكيفون هذه المنتجات والأدوات المالية حسب فهمهم لا حسب واقعها، وهذا أدى إلى خلل في التكييف الشرعي الذي رتب عليه الحكم الشرعي، فكثير من هذه الأدوات والوسائل المالية والمنتجات لها تكييف وماهية، وعلى الفقيه أن يتعرف عليها ثم يسلط عليها ملكته الفقهية ليصل إلى الحكم الشرعي فيبينه للناس، ليتحمل الناس بعد ذلك مسؤولياتهم سواء أكانوا أفرادا أم مؤسسات مشرفة على حفظ أموال الناس، ولكن الفيصل هو أن تدرس هذه الأدوات والمنتجات والمشتقات المالية ما يرد إلينا من هذه الأنظمة بحسب ما يعرفونها بها أو بحسب ماهيتها في ذاتها ثم بعد ذلك ينظر هل لها متسع في الشرع أم لا متسع لها؟الأمر الثالث هو أن بيان الحكم الشرعي في مثل هذه المعاملات المالية وإن بدا للناس أنه قد يكون على خلاف ما يتوقعون في كثير من الأحيان لكنه مع ذلك مبني على التوسعة لا على الورع لإدراك الفقهاء المعاصرين احتياج الناس إلى وسائل لتنمية أموالهم واستثمارها والتربح المشروع فليس الفقيه من يحمل الناس على الضيق وعلى الاحتياط والورع، وإنما الفقيه من يحملهم على ما يسعهم في دينهم مما يعني أن بعض المعاملات التي يصل فيها فقيه ما أو يتخذ فيها مجمع من مجامع الفقه الإسلامية أو هيئة من الإفتاء إلى حكم بالمنع أنهم ما وجدوا لها مدخلا بحسب ما أداه إليه اجتهاده إن كان فقيها فردا أنه لم يجد متسعا وإلا إن كان في الأمر ما يمكن أن تحمل عليه تلك المشتقات لما ضيقوا على الناس.منتجات الرأس ماليةلماذا التوجس الشديد من منتجات الرأسمالية؟أولا لأن هذه المنتجات نشأت في جانبها المالي في بيئة قائمة أصلا على الربا، وهذا هو جوهر الحرمة لكثير من المعاملات المالية في فقه المعاملات المالية الإسلامية، ثم أنها أنظمة قائمة أيضا على عدم الالتفات إلى حلية مأخذ الأموال وهذا فارق جوهري، لأن المعاملات المالية في الإسلام تشترط أن يكون الكسب فيها مشروعا حلالا طيبا، وهذا غير صحيح في فقه المعاملات المالية الإسلامية؛ لأنه قائم على عدم تكدس الثروات لدى الأفراد، وعلى التوزيع العادل للثروة، وعلى حسن استغلال الموارد لا على استهلاكها، فالنظام الرأسمالي مكيف على أساس شح الموارد وأنها نافذة، بينما المعاملات المالية الإسلامية قائمة على أن الموارد كافية، وإنما يراد حسن استغلالها وحسن توزيعها وإدارتها، لا يعني هذا خلو هذه الأنظمة أيضا من مبتكرات مالية، وبعض المحاسن، لكنها هي في الهدف نفسه، وهي قليلة جدا إلى جانب هذه المنتجات المالية، كذالك قائم على الغرر والجهالة والغبن الفاحش، لأنها أقرب إلى المعاني الخلقية المتصلة، ومعاني العدالة والإنصاف، وإتاحة فرص متساوية، ومراعاة حقوق الضعفاء والمظلومين، وعدم تكدس الثروات وغيرها من الأسس المعروفة في الاقتصاد الإسلامي، فكثير من هذه المحاذير الشرعية التي هي من المهالك، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من غشنا فليس منا» وأن ينهى على سبيل المثال عن الاحتكار، لأن الاحتكار يؤدي إلى استغلال حاجة الناس، ومنع ما تشتد إليه حاجتهم عند الحاجة، من أجل الإثراء على حساب حاجة الناس،الميسروكان في نفسي عجب من أنماط نجدها في كتاب الله عز وجل، محرمة بعبارات واضحة صريحة، وفي سياق النهي بمؤكدات غليظة، وإذا بي أجد أن الكثير من المعاملات المالية البعيدة عن العدالة تقوم على الميسر، وأن الناس لا تنتبه إلى أن كثيرا من وجوه الإثراء السريع التي يتصورونها هي في حقيقتها غير بعيدة عن القمار ولا عن الميسر، فهو فيما يظهر أنه تكسب سريع فيه قدر من المراهنة والمقامرة، دون بذل أدنى جهد، وهذه المحرمات موجودة في كثير من المعاملات، فعلى سبيل المثال سوق المقامرة يقدر بمليارات الدولارات حول العالم، وكذا الحال بالنسبة لأنماط من التكسب داخلة في الميسر، يعني لا حاجة إلى تسميتها الآن حتى لا ندخل في حوارات حولها، لأننا إذا أخذنا في الحسبان ما تقدم بيانه من أن طائفة من طلبة العلم ومن بعض الفقهاء المعاصرين يتعجبون، ويظنون أن بعض هذه المنتجات ناشئة في بيئات إسلامية، فيقولون: «إن كان كذا وكذا، فلا مانع» ويقولون: «إن ذلك جائز بشرط كذا وشرط كذا»، ولا خطأ في قولهم، لأنهم يقولون: إن العالم الفلاني والمفتي الفلاني أصدر فتوى في الأمر الفلاني بالجواز، ويقولون: إن هذه الشروط متحققة، وهذه المحاذير منتفية، وهذا غير صحيح.معاملة مالية لا يوجد لها نص شرعيالفقيه الذي لا يجد نصا شرعيا يحكم به على منتج معين أو معاملة مالية معينة، ما الذي يتبعه؟ وفيم ينظر الفقيه؟أولا الحكم على الشيء فرع عن تصوره، الفقيه يدرس الحالة أولا على ما هي عليه، فعليه أن يتبين حقيقة الموضوع محل البحث، فإذا وصل فيه إلى تعرف على ماهيته وحقيقته، حينئذ يرجع إلى الأدلة الشرعية من كتاب الله- عز وجل- ومن سنة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-، فإن وجد أن بعض المحاذير على سبيل المثال هي مما اختلف فيه أهل العلم، ومما يمكن أن يأخذ فيه بقول طائفة من العلماء المعتبرين توسعة على الناس كما قلت في مسألة فرعية ليس فيها شديد خلاف ولا هي مصادمة لنص شرعي صحيح، فهذا مما يدفعه إلى أن يوسع للناس، قد يحتاط لنفسه وقد يوصي أهل الورع أن لا يدخل فيه، ولكن من ابتلي بالفتوى في الشأن العام،