الموقف الصحيح من مصادر المعرفة رأينا في العرض السابق أن كل مذهب من هذه المذاهب قد حصر المعرفة في طريق واحد، أو اعتمد مصدراً رئيسياً واحداً وجعل للمصادر الأخرى دوراً ثانوياً، فضيقوا بذلك طرق المعرفة ومصادرها . أما الإسلام فإنه لما كانت المعرفة التي يدعو إليها معرفة شاملة كانت وسائل تحصيلها متنوعة، فلم يحصر المعرفة في طريق واحد كما ذهب إلى ذلك أتباع المذاهب السابقة، وهي على تنوعها إلا أنها منسجمة متألفة لا تعارض بينها، يقول ابن تيمية تعلنة : فطرق المعارف متنوعة في نفسها، والمعرفة بالله أعظم المعارف، وطرقها أوسع وأعظم من غيرها، فمن حصرها في طريق معين بغير دليل يوجب نفياً عاماً لما سوى تلك الطريق لم يقبل منه، الدليل، كما أن المثبت عليه الدليل . وهذه الطرق هي : الحس والعقل والخبر، يقول ابن تيمية : فطرق العلم ثلاث : أحدها : الحس الباطن والظاهر، وهو الذي تعلم به الأمور الموجودة بأعيانها، والثاني : الاعتبار بالنظر والقياس، وإنما يحصل العلم به بعد العلم بالحس، فما أفاده الحس معيناً يفيده العقل والقياس كلياً مطلقاً، فإن الكليات إنما تعلم بالعقل، والثالث : الخبر، لكن الحس والعيان أتم أكمل . فمن اعترف بهذه المصادر الثلاثة واعتبرها مصادر رئيسية في المعرفة كان أكمل علماً من أتباع تلك الفلسفات الذين قصروا طرق المعرفة على طريق واحد منها، يقول ابن تيمية : أكمل الأمم علماً المقرون بالطرق الحسية والعقلية والخبرية، فمن كذب بطريق منها فاته من العلوم بحسب ما کذب به من تلك الطرق .