المبحث الأول منهج الرازي في تفسير القرآن بالقرآن أجمع العلماء على أن تفسير القرآن بالقرآن أشرف أنواع التفسير وأجلها؛ إذ لا أحد أعلم بمعاني كلام الله من الله - عز وجل - ولذلك كان السلف حين يتصدون لتفسير آية من الكتاب العزيز وقد عني الرازي في كتابه مفاتيح الغيب بهذا المنهج في التفسير، فكان يورد الآيات المتشابهة أو ثم في سائر الآيات فإنه أفرد عهدك بالذكر، أما عهدك فقال فيه: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَنْهَدُوا [البقرة: ۱۷۷]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأُمَنَتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَعُونَ ) [المؤمنون: ۸]، وقال: ﴿وَيَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: (١]، وقال: ﴿ يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: ٢، ٣]، وأما عهده سبحانه وتعالى فقال فيه: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: ١١١]، ثم بين كيفية عهده إلى أبينا آدم فقال: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: ١١٥]، ثم بين كيفية عهده إلينا فقال: الز أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَبَنِي ءَادَمَ ﴾ [يس: ٦٠] ، ثم بين كيفية عهده مع الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - فقال: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ [البقرة: ١٢٥]، ثم بين في هذه الآية أن ٩٤عهده لا يصل إلى الظالمين، ثم إن العاقل إذا تأمل في حال هذه المعاهدة لم يجد من نفسه إلا نقض هذا العهد، فلنشرع في معاقد هذا فنقول: أولها: أول إنعامه عليك إنعام الخلق والإيجاد والإحياء وإعطاء العقل والآلة، ونزه نفسه أن يكون هذا الخلق والإيجاد منه على سبيل العبث، ۳۹]، وقال: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: ١١٥]، ثم بين على سبيل التفصيل ما هو والحكمة في الخلق والإيجاد، فهو سبحانه وفي بعهد الربوبية حيث خلقك وأحياك وأنعم عليك بوجوه النعم، وجعلك عاقلاً مميزاً، فإذا لم تشتغل بخدمته وطاعته وعبوديته فقد نقضت عهد عبوديتك، وثانيها: أن عهد الربوبية يقتضي إعطاء التوفيق والهداية، وعهد العبودية منك يقتضي الجد والاجتهاد في العمل، ثم إنه وفى بعهد الربوبية، والعبودية. وثالثها: أن نعمة الله بالإيمان أعظم النعم، لقوله: ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ﴾ [النحل: (٥٣) ثم مع أن هذه النعمة منه فإنه يشكرك عليها وقال: ﴿ فَأُولَيْكَ كَانَ سَعْيُهُم مشكُورًا ﴾ [الإسراء: (۱۹) فإذا كان الله تعالى يشكرك على هذه النعمة فبأن تشكره على ما أعطى من التوفيق والهداية كان أولى، ثم إنك ما أتيت إلا بالكفران على ما قال: ﴿قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ﴾ [عبس: ۱۷ فهو تعالى وفي بعهده وأنت نقضت عهدك. ورابعها أن تنفق نعمه في سبيل مرضاته فعهده معك أن يعطيك أصناف النعم وقد فعل، وعهدك معه أن تصرف نعمه في سبيل مرضاته وأنت ما فعلت ذلك: كلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّمَاهُ استفى ) [العلق: ٧، ٦]. النساء: ٣٧]. وسادسها : أنه أعطاك النعم العظيمة لتكون مقبلاً على حمده وأنت تحمد غيره، فانظر إلى السلطان العظيم لو أنعم عليك بخلعة نفيسة، ثم إنك في حضرته تعرض عنه وتبقى مشغولاً بخدمة بعض واعلم أنا لو اشتغلنا بشرح كيفية وفائه سبحانه بعهد الإحسان والربوبية وكيفية نقضنا لعهد الإخلاص والعبودية لما قدرنا على ذلك، وكل واحدة من تلك النعم تستدعي شكراً على حدة وخدمة على حدة، ثم إنا ما أتينا بها بل ما تنبهنا لها وما عرفنا كيفيتها وكميتها، ثم إنه سبحانه على تزايد غفلتنا وتقصيرنا يزيد في أنواع النعم والرحمة والكرم، فكنا من أول عمرنا إلى آخره لا نزال نتزايد في درجات النقصان والتقصير واستحقاق الدم وهو سبحانه لا يزال يزيد في الإحسان واللطف والكرم واستحقاق الحمد والثناء،