الحكمة همش العلم تماما بما أنه لا طائل منه بالنسبة للمؤمن، أي بما أنه لا يحقق غبطته يقول ما أشقى من يعلم كل شيء ولا يعرفك أنت أيها الرب الإله ! وما أسعد من يعرفك وأن كان يجهل كل شيء ! أن الذي يعرفك ويعرف الأشياء كلها لا يزداد سعادة بمعرفتها بل أنت وحدك مصدر سعادة له إذا عرفك إلها فسبحك وشكرك ولم تطع عليه أفكاره .ويدعو أوغسطين المسيحيين صراحة إلى الإعراض عن العلم الدنيوي في بعض نصوصه، فالإنسان ليس في حاجة لأن ينقب في الطبيعة ويعرف كل ما فيها ليبلغ الحكمة على طريقة الفلاسفة الطبيعيين عند اليونان. لذلك يقول: في الموجز عندما نتساءل ما الذي يجب أن نؤمن به في مجال العقيدة فإن الأمر لا يتطلب التنقيب في الطبيعة على طريقة من يطلق عليهم اليونان اسم الطبيعيين. لا مجال إذن للخوف ألا يعرف المسيحي بعضا مما يتعلق بخصائص العناصر وعددها، لم تكن لدى أوغسطين مشكلة في الجهل العلمي، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الجهل الإيماني.وفي تأكيد على أن العلم يأتي في مرتبة تالية على الحكمة، يميز أوغسطين بين الأشياء التي هي غاية في ذاتها، وبين الأشياء التي هي مجرد وسائل نصل بها إلى تلك الغايات ومعرفة الغايات هي الهدف الأسمى والسعادة والخير الأقصى. أما الانبهار بمعرفة الوسائل فهو خطأ جسيم، لأننا لابد أن نتجاوز تلك الوسائل نحو الغايات وغاية الغايات هو الله الذي هو الغاية القصوى والخير الأقصى.ولكن أليس للعلم دورا في الإيمان عند أوغسطين؟لم تؤرق تلك القضية اللاهوتيين القدماء فحسب، بل هي قضية فكرية تطرح نفسها في كل العصور بشكل أو بآخر ؟ وفي العموم هناك وجهتان من النظر ؟ وجهة نظر تفصل بين العلم والدين تماما ؟ ووجهة أخرى تربط بينهما ؟! ما رأيك وما حجتك ؟!).