المجتمع والدولة والتربية والتعليم عند أخوان الصفاء وخلان الوفاء أ.م. د. عبد الستار نصيف جاسم جامعة بابل/ كلية التربية للعلوم الإنسانية والدولة والتربية والتعليم عند أخوان الصفاء وخلان الوفاء، من خلال رسائلهم الاثنان والخمسون، التي بثوها في المجتمع خلال القرن الرابع الهجري. إن اختيارنا لمفاهيم (المجتمع والدولة والتربية والتعليم) عند أخوان الصفاء، انطلق من القناعة بوجود قاسم مشترك يربط بين هذه المفاهيم وهو (الإنسان)، فالإنسان هو نواة المجتمع والركيزة الأساسية التي ترتكز عليها جميع القوانين والأنظمة الاجتماعية في أي مجتمع، أما الدولة فهي الأداة التي تضبط وتنظم حياة الإنسان، وبإمكانيات الإنسان وقدراته تحقق الدولة برامجها وأهدافها وسياساتها، في حين يمثل الإنسان الهدف المركزي والأساسي لأية فلسفة تربوية وتعليمية في المجتمعات الإنسانية المختلفة. وقد حاولنا في هذا البحث تتبع المشتركات بين أفكار أخوان الصفاء وبين بعض الفلاسفة المسلمين الذين سبقوهم أو جاءوا من بعدهم ممن اشتهروا بعنايتهم وأبحاثهم في مجال فلسفة المجتمع والدولة والتربية والتعليم وأن هدفنا في ذلك هو الوقوف على حالة التواصل والامتداد الفكري بين العلماء والفلاسفة المسلمين، وما حققوه من نتاج فكري فلسفي خاص بهم تكيف مع اتجاهات وظروف المجتمع الإسلامي الجديد، واخترنا من بين هؤلاء الفلاسفة، الفارابي (ت339هـ) في نظريته السياسية والاجتماعية، والغزالي (ت505هـ) في نظريته التربوية والتعليمية وابن خلدون (ت808هـ)، في فكره الاجتماعي والسياسي، وتمهيد، وثلاثة مباحث وخاتمة، مع ملحق واحد. وآراء بعض المؤرخين في أصولهم ورغم أن هذا الموضوع قد تناوله الكثير من الباحثين إلا أن المنهجية العلمية في كتابة بحث علمي يتطلب البحث في نشأتهم وقد أوجزنا الحديث تجنباً لتكرار ما كتبه من سبقنا من الباحثين الذين سنذكر بعضهم في محور تحليل المصادر في المقدمة. تضمن المبحث الأول دراسة لأفكار أخوان الصفاء في مجال المجتمع والعوامل المأثرة في بنائه، ومكونات هذا المجتمع، من خلال استحضارنا للنصوص المعبرة عن هذا الموضوع الواردة في مواضع متعددة من الرسائل، وخصصنا المبحث الثاني لدراسة نظرية أخوان الصفاء في المجال السياسي ونشأة الدولة وتطورها، وتتبع التشابه والتطابق في الأفكار والرؤى بينهم وبين ما ورد عند الفارابي وابن خلدون من أفكار في هذا المجال. فقد تضمن البحث في الجانب التربوي والتعليمي الذي نال اهتمام أكبر من الجوانب الأخرى في اعتقادنا، من خلال عنايتهم بشكل خاص في بيان مواصفات أركان العملية التربوية والتعليمية (المعلم، والمتعلم، المناهج الدراسية) والمؤثرات الاجتماعية في نشأة الإنسان، وقد تبين أن هناك امتداد وتشابه بين أفكارهم وأفكار الغزالي في هذا المجال. أما الخاتمة: فتضمنت مجموعة من الاستنتاجات العلمية في أطار ما توفر من تصور عام عن موضوع البحث من خلال المادة العلمية التي تضمنتها محاور البحث من لكي لا تكون هذه الاستنتاجات بعيدة عن أهداف البحث ومضامينه. تحليل المصادر: اعتمد البحث بشكل أساسي على (رسائل أخوان الصفاء وخلان الوفاء) في تقصي أفكارهم في الجوانب الاجتماعية والسياسية والتربوية والتعليمية، وقد عبروا عن أفكارهم بشكل واضح وصريح مبثوثة في مواضع عديدة من الرسائل. وتبعت رسائل أخوان الصفاء في الأهمية بالنسبة للبحث، كتب (آراء أهل المدينة الفاضلة)، لأبي نصر محمد بن طرخان الفارابي(ت339هـ)، و(المنقذ من الظلال) لأبي حامد بن محمد بن احمد الغزالي (ت505هـ)، و(المقدمة) لعبد الرحمن بن خلدون (ت808هـ) فكانت أساس بحثنا في متابعة حالة التوافق والتجانس الفكري بين أخوان الصفاء وهؤلاء الفلاسفة المسلمين الذين خاضوا في المجالات الاجتماعية والسياسية والتربوية نفسها. كما اعتمدنا على كتابي (الإمتاع والمؤانسة) و(المقابسات) لأبي حيان التوحيدي (ت نحو 400 هـ) في التعرف على أصول أخوان الصفاء وأبرز مؤسسي هذه الجماعة في البصرة وبغداد ومنطلقاتهم الفكرية والسياسية. أما المراجع فهي كثيرة ومتنوعة لعل أهمها، كتاب (أخوان الصفاء) لعمر الدسوقي، وكتاب (تاريخ الفلسفة في الإسلام) لدي بور، و(موسوعة الفلسفة والفلاسفة)، لعبد المنعم الحنفي، و(فلسفة تصنيف الكتب كمدخل لفلسفة تصنيف العلم) لخالد الحديدي، و(أخوان الصفاء رواد التنوير في الفكر العربي) لإسماعيل محمود، و(دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي) لحسام الدين الآلوسي و(أخوان الصفاء، و(كتاب المدينة الفاضلة للفارابي) لعلي عبد الواحد الوافي وكتاب (فلسفة أخوان الصفاء الاجتماعية والأخلاقية) لفؤاد البعلي و(المذاهب الكبرى في التاريخ) لويدجيري البان، و(فلسفة التاريخ) لجميل موسى، وكتاب (رسائل أخوان الصفاء) لجبور عبد النور وكتاب (فلاسفة العرب أخوان الصفاء) ليوحنا قيمر، وغيرها الكثير، تمهيــد: ظهرت في البصرة خلال القرن الرابع الهجري، ولها فرع في بغداد، كانت هذه المجموعة قد تألفت العثرة، وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة ويبدو ذلك جلياً في الاسم الذي أطلقوه على أنفسهم (أخوان الصفاء وخلان الوفاء، أهل العدل وأبناء الحمد)( ). وبالرغم من أن أخوان الصفاء غير معروفين بشخوصهم وذلك كما كانوا عليه من التستر، كما أنهم كتموا أسمائهم عندما صنفوا رسائلهم وبثوها في الوراقين فأن ابو حيان التوحيدي ( )، حول احد عناصر أخوان الصفاء وهو زيد بن رفاعة وشهرته في فنون النظم والنثر مع الكتابة البارعة في الحساب والبلاغة والذي أقام بالبصرة زماناً طويلاً، حتى صادف بها جماعة وصفهم ابو حيان بأنهم " جماعة لأصناف العلم وأنواع الصناعة، وهم أبو سليمان محمد بن معشر البستي المقدسي، أبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، أبو زكريا الصميري، أبو محمد العروضي، المقدسي، ويبدو واضحاً التناقض في روايتي أبو حيان التوحيدي بخصوص أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني، الذي ذكره ابن النديم، ثم ردها عليَّ وقال: تعبوا وما أغْنوا، ونسجوا فهلهلوا،