"لا يمكن أن نجد ديناً يحتل العلم والمعرفة
فيه محلاً بارزاً كما كان الأمـر في الإســلام"
- كونستان جيورجيو – تميزت الحضارة العربية الإسلامية بغايتها الربانية ، ورؤيتها الإنسانية ونزعتها العالمية ، وصبغتها الأخلاقية . وهذه الحضارة هي الوحيدة في التاريخ التي وصلت الدنيا بالآخرة ، وربطت السماء بالأرض ، وآخت بين العقل والقلب ، ومزجت المادة بالروح ، وأرضت الفرد والمجتمع ، ووازنت بين الحقوق والواجبات ، وجمعت بين الواقع والمثال . لقد وحّدت بحق بين الثنائيات ، وأخرجت منها شراباً خالصاً سائغاً للشاربين . 
وفيما يلي أنقل شهادات غربية منصفة في حضارتنا انتُزعت من أقلام مفكرين غربيين درسوا الإسلام فراعهم جماله ، ولكنهم لم يُنزلوا قناعاتهم من سماء العقل إلى أرض القلب ، ولم يسقوها بماء الوجدان ، فلم تنمُ غراسها ولم تثمر !
وفشلوا في أن يحوّلوا الاقتناع بالحق إلى اعتناق له ، والإعجاب بالإسلام إلى عقيدة تجري في العروق ، نعم لم يبقَ أمامهم إلا ضربة معول واحدة كي يصلوا إلى النبع الثّر الزلال ، 
حاموا وهم الظّماء حول الماء ولم ينهلوا !!
وإنما أعرض أقوالهم لأولئك المهزومين أمام الغرب ، الذين لا يشربون الكأس الرويّة إلا إذا كانت بيد غربية ! ولا يجرعون الدواء إلا من تلك الصيدلية !!
على أن بعض هذه العبارات كانت في سياقها شَرَكاً نُصب للعقل المسلم ، ولا حرج علينا – أظن – إن لقطنا الحبة ، يقول المؤرخ الإنجليزي (ويلز) : "كل دين لا يسير مع المدنية في كل أطوارها فاضرب به عرض الحائط ، وإن الدين الحق الذي وجدته يسير مع المدنية أينما سارت هو الإسلام … ومن أراد الدليل فليقرأ القرآن وما فيه من نظرات ومناهج علمية ، وقوانين اجتماعية ، فهو كتاب دين وعلم واجتماع وخلق وتاريخ ، وإذا طُلبَ مني أن أحدّد معنى الإسلام فإني أحدده بهذه العبارة " الإسلام هو المدنية وتقول المستشرقة زيغريد هونكه في كتابها القيم : (شمس الله تسطع على الغرب) : "إن هذه القفزة السريعة المدهشة في سلم الحضارة التي قفزها أبناء الصحراء ، والتي بدأت من اللا شيء لهي جديرة بالاعتبار في تاريخ الفكر الإنساني… وإن انتصاراتهم العلمية المتلاحقة التي جعلت منهم سادة للشعوب المتحضرة لفريدة من نوعها ، لدرجة تجعلها أعظم من أن تُقارَن بغيرها ، وتدعونا أن نقف متأملين : كيف حدث هذا ؟! إنه الإسلام الذي جعل من القبائل المتفككة شعباً عظيماً ، آخت بينه العقيدة ، وبهذا الروح القوي الفتي شق العرب طريقهم بعزيمة قوية تحت قيادة حكيمة وضع أساسها الرسول بنفسه … أو ليس في هذا الإيمان تفسير لذلك البعث الجديد ؟! والواقع أن روجر بيكون أو جاليليو أو دافنشي ليسوا هم الذين أسسوا البحث العلمي . إنما السباقون في هذا المضمار كانوا من العرب الذين لجأوا – بعكس زملائهم المسيحيين – في بحثهم إلى العقل والملاحظة والتحقيق والبحث المستقيم ، لقد قدّم المسلمون أثمن هدية وهي طريقة البحث العلمي الصحيح التي مهدت أمام الغرب طريقه لمعرفة أسرار الطبيعة وتسلطه عليها اليوم … وإن كل مستشفى وكل مركز علمي في أيامنا هذه إنما هي في حقيقة الأمر نُصب تذكارية للعبقرية العربية … وقد بقي الطب الغربي قروناً عديدة نسخة ممسوخة عن الطب العربي ، وعلى الرغم من إحراق كتب ابن سينا في مدينة بازل بحركة مسيحية عدائية ، فإن كتب التراث العربي لم تختف من رفوف المكتبات وجيوب الأطباء ،