قبل الحديث عن الثقافة المادية ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أرى أولاً ضرورة تأسيس مفهوم يقوم على أن أي مشاريع للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يجب أن تقوم على فهم الواقع الثقافي للشعوب. فالمقصود بالتنمية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي هو الإنسان فإذا لم تفهم النتاج الثقافي لهذا الإنسان في أي مكان كان لايستطيع التأسيس لتنمية مستدامة، وكان الغرض الأكثر أهمية هو البحث عن مناهج تؤدي إلى الملاءمة بين أصالة الثقافات التقليدية وظروف الحياة الحديثة وتأثيراتها وعندما نشرت اليونسكو تقريرها - يكتب(1) رشدي صالح في مقال له بعنوان الفولكلور والتنمية - "حرصت على التنويه بأنهم لم يبتغوا البحث العلمي البحت، أو بتحسين ظروف الحياة أو بالمساعدات الفنية من أجل التنمية الاقتصادية للشعوب النامية. إذ أن كل عمل دولي يوشك أن يكون عقيماً إذا لم يحسب حساب اختلاف الثقافات وأصالتها، كما أن جهل أو تجاهل القيم العقلية والأخلاقية والروحية الخاصة بكل ثقافة لن يفسد المرامي التنموية فقط بل يعرّض أنبل المشروعات للفشل وكوارث لا يمكن تجنبها". نأتي لنناقش بعد هذه المقدمة مفهوم أو مصطلح الثقافة المادية. أرى أن ميادين الموروث الثقافي للشعوب حسبما ورد في تصنيفات بعض الباحثين في هذا المجال أن جميع الميادين وهي - الأدب الشفاهي - الثقافة المادية - فنون الأداء - العادات والمعتقدات والممارسات والمعارف الشعبية ما هي إلا حلقات يأخذ بعضها برقاب بعض. هل هناك فرق أساسي بينها؟ وهل تلعب هذه الميادين وظائف مختلفة في المجتمع الإجابة بالقطع. كتبت في مقال سابق لي: "أن(2) الإنتاج اليدوي وتوثيقه مهم ولكن ألا تهمنا الفكرة من ورائه ومعرفة طريقة إنتاجه ومكانه في الحياة البشرية. هذا من ناحية، من ناحية أخرى فإن ميادين الثقافة الشعبية الأخرى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإنتاج اليدوي والعادات والممارسات وفنون الأداء والمعارف الشعبية كلها لها جوانبها المادية، فحياة الشعوب وثقافاتها لا تفصَّلها كما نشاء إلى ميادين متعددة لأنها هي حياة متكاملة لا ينفصل بعضها عن بعض. فمثلاً القصص الشعبي يحتوي على مخزون كبير من أدوات الثقافة المادية وكذلك الأمثال والألغاز في رأيي الخاص أرى أن التصنيف غير حقيقي وغير واقعي بين المادي وغير المادي، فمثلاً إذا أردنا دراسة بعض الحرف اليدوية فالتركيز لا يكون على شكل المنتوج وهذا بالطبع مهم ولكن بالإضافة إلى ذلك تهمنا معرفة تقنية الصناعة أو الحرفة واستخدامها ووظيفتها في الحياة اليومية بالإضافة إلى معرفة العادات والمعتقدات والروايات الشفاهية التي تتعلق بها". في جامعة الخرطوم عقدت ندوة بعنوان: الفولكلور والتنمية في السودان (1981م) تناولت الأوراق قضايا التنمية مع إثبات دور الفولكلور في تأمين مسار التنمية من مداخل متعددة لضمان فرص النجاح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. عودُُ على بدء ما ذكرت، همنا وشغلنا وشاغلنا من كل هذا هو الفهم الموضوعي والدراسة التي تقودنا لاستيعاب مخزون عقلية المجموعات البشرية واستنطاقها توطئة لتنميتها فأنت لا تستطيع أن تحدث التأثير المستدام ما لم تعرف هذه الثقافة مخزون ذاكرة وحاضرة . عليه يتوجب علينا توخي الحذر في التعامل مع عمليات التنمية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، والاستبصار بما تريده المجموعات البشرية من تنميتها والابتعاد عن القرارات الفوقية دون وعي بحقيقة أن تحقيق التنمية لا يتأتى دون فهم ثقافات الشعوب. هذا الفهم هو الذي يؤسس لتنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة. أسأل هنا ما قيمة التوثيق والجمع الميداني إذا لم يقدنا إلى هذا الفهم. الجمع الميداني وتحليل مادته المجموعة من أفواه الرواة تعود كما كتبت في خمس مقالات متسلسلة نشرت بصحيفة الأيام في العام 2001م: كتبت "علينا فهم الواقع الثقافي المستند على الجمع والتوثيق الميداني المباشر ثم من بعد ذلك تحليلها التحليل الذي يقودنا إلى الفهم، يتماشى مع توسع دوائر التغيير(4). بعد هذه المقدمة يمكننا تفصيل كيفية الاستفادة من الموروث الثقافي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. أولاً جميعنا يعي حقيقة أن الحياة الحديثة والمعاصرة أثرت وتؤثر يوماً بعد يوم على إرث الشعوب فماذا نحن فاعلون تجاه ذلك. في العالمين العربي والأفريقي بدأت حركة الاهتمام بتوثيق ودراسة التراث فتأسست بجامعة الخرطوم شعبة الفولكلور في عام 1974م تحت مظلة معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، الخ. ذلك أن الثقافات جميعاً تأثرت تأثراً عميقاً بالتكنولوجيا والتبدلات السياسية والحروب والهجرات، تحت تأثير ما يقع في ظروف الحياة المادية من تعديلات وتغيُّرات نتيجة للتأثيرات القادمة إليها من خارج حدودها. إن الجهد المبذول لتعميم خبرات التصنيع والتقدم التكنولوجي على جميع الشعوب يصاحبه بالضرورة تفككات ثقافية عميقة. أصبح كوكب الأرض الذي نعيش فيه الآن قرية صغيرة في مواجهة التقدم في الاستخدامات التقنية الحديثة في المجالات جميعاً، وأخطرها وسائل الاتصال الحديثة والمعاصرة ومواقعها والتي أثرت هي بالتالي على المواقع التقليدية من وسائل إعلامية كالإذاعة والتلفزيون والصحف الورقية. في هذه الحالة علينا الاهتمام والوقوف على ما تبقى من موروث تقليدي في محاولة قد تنجح في المواءمة بين الموروث والمعاصر. كيف؟ بدأت في الإجابة على هذا والسؤال سابقاً في هذا البحث وهو: تأسيس أقسام لدراسة الموروث الثقافي على مستوى التعليم العام والجامعي وفوق الجامعي وهذا بالطبع يحدث الآن في كثير من جامعاتنا ومراكزنا وهذا فعل محمود وهم مشترك لكل المختصين في هذا المجال. وعقد دورات تـــدريــبــيـــة للــعــامــلــين في المــجــال وكــذلك مجال التربية والإعلام. تطوير السياحة الثقافية وتأسيس معاهد للتدريب الحرفي لاستيعاب الفاقد التربوي وجمع ما تبقى من موروث بفعل واتساع دوائر التحديث وبذا تستطيع تأسيس دار للنشر تهتم بنشر كتاب الموروث الثقافي وما تبقى ليس بالقليل. هذا إلى جانب تأسيس مجلة مختصة محكمة في مجال المـــوروث الـثـقـافـي المعاصر، على غرار مجلة الثقافة الشعبية في البحرين ومثيلاتها في كل من قطر والعراق. بلاد بعينها قامت بتأسيس أقسام في جامعاتها - أقسام للفولكلور أو الموروث الثقافي أو الثقافة الشعبية أو المأثورات الشعبية، ولنسميها ما شئنا لأن مشكلة المصطلح العلمي الذي نطلقه على مادة دراستنا ما زال مثار خلاف بين الدارسين والباحثين والعلماء. حتى في أوروبا منذ أن صك وليام تومز مصطلح فولكلور في العام 1846م قبله البعض ورفضه البعض الآخر مثل سيقرد إريكسون في السويد عام 1937م حين اقترح استخدام مصطلح الحياة الشعبية وأسس مجلة بهذا الاسم. على كل هذه إشارة لنقاش قد يطول الحديث حوله اختلافاً واتفاقاً ومن المهم الإشارة إليه ولكنه يتعدى حدود بحثنا الحالي. السياحة هي إحدى الوظائف التي تؤسس من أجلها المتاحف وسوف يأتي الحديث عنها عند مناقشة مسألة السياحة الثقافية. Here the visitor can study the typology, chronology and distribution of cultural material. where specimens are exhibited in the houses, while the houses are set out in their true environment suitably planned and planted(5). من هذا التعريف للمتحف الفولكلوري يتضح لنا أن إنشاءه ليس بالأمر الهيَّن. buildings, يضاف إلى ذلك الوحدات الإنتاجية التي يوظف فيها حرفيون مختصون كل في مجال حرفته مثل خراطة الخشب، صناعة الفخار، دباغة الجلود بمصنوعاتها الجلدية، منتجات الألبان، إلى آخره من النشاط البشري في تلك المقاطعة في عرض حي مهيب مدهش وجاذب تأتي مقتنيات هذه المتاحف لتؤكد أهميتها. هذا التوثيق يجب أن يقوم به مختصون مدربون تدريباً علمياً وعملياً في مجال المتاحف والثقافة المادية والموروث الثقافي على اتساعه. عامل الجذب السياحي في متحف الموروث الثقافي أو متحف الفولكلور يختلف في صورته المثلى عن أي متحف آخر. فعنصر الجذب في مثل هذا المتحف يتلخص في الآتي: أن الزائر المحلي أو السائح الأجنبي يقف على الحياة الثقافية في حركتها العادية اليومية - أو ربما قريباً منها - فالزائر هنا يرى الأشياء تصنع وتستخدم. كثير من الزوار المواطنين لا يعرفون كيف تصنع هذه الأشياء وإنما يستخدمونها دون سؤال. من ناحية أخرى يعتبر المطعم الملحق بالمتحف مهماً جداً إذ أنه يمكن أن يقدم للزائر وجبات من الوصفات المحلية للطعام بجانب الوصفات الحديثة الأخرى وهنا نكون قد نشرنا ووثقنا لثقافة الطعام التقليدية كل ما ذكرناه سابقاً يباع ويشترى في حركة عادية مثل سوق وتقدم المعلومة للزائر منسابة سلسة وممتعة وراسخة. كل ذلك يمكن أن يسهم في الدخل القومي وكذلك استيعاب الفاقد التربوي في معاهد التدريب الحرفي ، 1. الموروث الثقافي والسياحة قدم الدكتور شرف الدين الأمين (رحمه الله) في ورقته التي أشرت إليها آنفاً في هذا البحث قدم رؤية مستقبلية للتراث والسياحة وأبان أن السودان يزخر بالكثير من التراث الغني الذي يمكن أن يستغل سياحياً مثل الحرف والصناعات اليدوية في مجال الثقافة المادية ويذهب للقول إلى أن المشغلين في مجال السياحة لم يولوها الاهتمام الكافي ولم يفكروا في طريقة عرضها لتصبح في متناول السائح وليكون التعامل فيها مباشرة بين السائح والمنتج. أتــــفــق مــع هـــذا الــــرأي إذ أننــــا وإلى الآن - رغـــم أن السودان هو من أوائل الأقطار الأفريقية التي بدأت إنشاء متاحف التراث متمثلاً في متحف الاثنوغرافيا الذي تأسس في عام 1932م وافتتح في عام 1956م - لم نوفق في تأسيس متحف تراث يرضي طموحات المتخصصين أو السائح الأجنبي أو المحلـي. كما هو مذكور أعلاه. وضع د. شرف الدين في ورقته اقتراحات محددة تهدف إلى الاستغلال الأمثل للتراث الشعبي كأحد مجالات السياحة والجذب السياحي، لتكون السياحة وصناعتها والتراث الشعبي مصدراً من مصادر الدخل القومي. انشاء ساحات للإبداع التراثي على مستوى عواصم الولايات وتنظيم هذه الساحات بحيث تستوعب القدر الأكبر من ميادين التراث. مثل أغاني الحماسة والدوبيت . الخ ويكون موسم العرض في هذه الساحات معروفاً ومعلناً إقامة معارض دائمة للمصنوعات الشعبية في بعض مدن السودان وخاصة في المناطق السياحية كالدندر وجبل مرة وسواكن وفي مناطق الآثار. ولننفذ هذه الفكرة يمكن العمل على تخصيص جزء من سوق كل مدينة من مدن البلاد الكبرى ليكون نواة للمعرض الدائم بدلاً من إصدار القرارات بمحوها من خارطة تلك الأسواق كما حدث لسوق الطواقي بأمدرمان. تخصيص جناح للتراث الشعبي في معرض الخرطوم الدولي: يحتوي على مصنوعات يدوية وعروض فيديو بدلاً عن عرض نماذج لعينات فولكلورية من صور ومصنوعات في أجنحة الأقاليم على أن يشرف على هذا الجناح متخصصون في مجال الفولكلور كمرشدين وضباط سياحة يتولون الشرح الكافي. وفي هذا الإطار أيضاً يمكن تخصيص جناح للفولكلور في المعارض التي يشترك بها السودان خارج البلاد. إنشـــاء متـــاحـــف متــخـصـصــة في مجــال التـــــراث الشعبي: تعنى بالناحية الإعلامية والتثقيفية والتوثيقية. ويمكن الاستفادة من التجارب الأخرى في هذا المجال بإيفاد مبعوثين لأماكن من الأقطار الاسكندنافية التي عرفت بعنايتها الفائقة في مجال متاحف الفولكلور المفتوحة. ففي هذه المعارض فرصة للتعريف بأسلوب حياة تلك المجموعة وتراثها. وسائل الدعاية السمعية والبصرية: وهي يمكن استعمالها في إطار إبراز دور الفولكلور كعامل جذب سياحي ومن ذلك إصدار الكتيبات ونشرات تعريفية بمختلف جوانب الفلولكلور السوداني يقوم عليها متخصصون في علم الفولكلور ودراسته. ويجوز أن تستخدم هذه الكتيبات في مجال التبادل الثقافي أو أن يتم توزيعها بواسطة الملحقيات الثقافية هذه هي اقتراحات د. كما أنها أقل تكلفة من الناحية المالية. وهي عادة تكون فنادق يؤمها عامة الناس، ليس على غرار الفنادق ذات الخمس نجوم. كما أن المقترح الثامن من الناحية الأخرى يجعل التراث ديكوراً وهامشياً. وقد رأيت مثل هذه الفنادق في زامبيا عندما حضرت مؤتمرالتراث الأفريقي في مدينة ليفنقستون في العام 2008م. ثم أن كل الذي جاء في مقترحات د. شرف الدين (رحمه الله) وهو اجتهاد مقدر ومقبول - كل الذي جاء في مقترحاته يمكن أن يضمه تأسيس متحف تراثي قومي أو متاحف تراثية في المناطق المختلفة تقوم على غرار المتحف الذي استشهدت به وهو متحف الفولكلور في ويلز في معرض حديثي عن متحف التراث. ورقة أخرى مهمة قدمها الأستاذ فرح عيسى الباحث في التراث السوداني وأمين أرشيف قسم الفولكلور بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية - جامعة الخرطوم وهي بعنوان الفولكلور وتنمية السياحة في السودان. واقتبس عن أحد الكتاب قوله: ولكنها عبارة عن صالات لعرض الفولكلور التايلاندي حيث يعرض الفنون والرقصات الشعبية من داخل مسرح أنيق". لاتخذت هذه الصناعة مكانتها بين مصادر الدخل النسبية للدولة في استقطاب العملة الصعبة، ويذكر فرح أنه رغم الفترة الطويلة التي مرت بها تأسيس السياحة في السودان - وهي فترة كافية لتأسيس صناعة سياحية تقوم على أسس علمية ودراسات تصل بالعمل السياحي إلى ذروة عطائه الاقتصادي والثقافي ولكن هذا لم يحدث. ويصف فرح قائلاً أننا لا نجد مبرراً واحداً يقنع بهذا التباطؤ في تنشيط قطاع السياحة. قدم بعد ذلك الاستاذ فرح في ورقته مداخل الفولكلور لتنمية السياحة في السودان. نختصرها في الآتي: العادات والتقاليد والمعتقدات فنون الأداء الشعبي الثقافة المادية. والورقة منشورة في كتاب دور الفوكلور في السلام والتنمية والذي قام بتحريره وقمت بنفسي بكتابة المقدمة له وكانت الأوراق ثمرة تعاون بين قسم الفولكلور - معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية وشركة سودانيز ساوند صدر الكتاب في 2004م وتقع ورقة الأستاذ فرح بين صفحتي 98 - 110. متاحف التراث هي متاحف للحياة والثقافة كما جاء في كتابات لوروويرت بيت Lorwerth Peate أول أمين لمتحف الفولكلور في ويلز كما ذكرت آنفاً. هذا بالإضافة إلى أنها مراكز لتوثيق التراث بميادينه الأربعة وهي التراث الشفاهي - الثقافة المادية - فنون الأداء - والعادات والتقاليد والممارسات. وهي كذلك مزارات يؤمها السائحون إذا ما أسسناها التأسيس الذي اقترحنا في هذه الورقة وتدر على البلاد خيراً من العملات الأجنبية كذلك أركز على فكرة انشاء فنادق تقوم على استخدام المواد المحلية واستلهام نمط العمارة المحلية. هذا بالإضافة إلى أن المتاحف مؤسسات تعليمية تربوية وكذلك تساهم في تنمية المجتمع وزيارة دخل الفرد إذا أخذنا في اعتبارنا تأسيس معاهد حرفية في المتاحف وانشاء مطاعم في المتاحف تقوم على الوصفات والوجبات المحلية. هذا بالإضافة إلى أنها تكون مراكز لدفع حركة البحث العلمي في مجالات التراث المتعددة. وأوصي في ختام الحديث عن السياحة بتأسيس متاحف للتراث في الحواضر والأقاليم وثانياً عقد دورات تدريبية في علم المتاحف والتوثيق التراثي بالتركيز على الجمع الميداني وطرق العرض والتصنيف والتوثيق والترميم والتخزين وكل التقنيات المتعلقة بعلم المتاحف. الدور الاجتماعي للموروث الثقافي يتأتى عبر تأسيس متاحفه ومراكزه ومعاهده الحرفية. أفرد هنا كلمة عن متاحف الموروث وأهدافها. 2. أهداف وأغراض المتاحف أهداف وأغراض داخلية تتعلق بالعمل داخل المتحف من مباني وطرق عرض وحفاظ على المقتنيات وكذلك دراستها والبحث في خصائصها. لذلك فأمين المتحف له وظيفتان: واحدة تتعلق بمقتنياته، والأخرى تتعلق بجمهوره. وبالتالي فهو له نظرتان: الأولى تتعلق بالاهتمام بمقتينات المتحف ودراستها وتفسيرها والثانية عرضها عرضاً مفيداً وتقديم المعلومة الكاملة للزائر أو الباحث وبالتالي فقدرات العامل في مجال المتاحف يجب أن تتضمن القدرات الفنية التقنية وتتعداها إلى العلم الكامل القائم على النظرية والمنهج العلمي السليم. عليه يجب أن يكون العاملون في مجال المتاحف دارسون متخصصون قادرون على تقييم مقتنياتهم وفهمها بمعانيها ومدلولاتها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياحية والطبيعية. كذلك يجب على أمناء المتاحف أن تكون لهم قدرات عالية على توصيل المعلومة وفهمها وتفسيرها حسب حاجات الجمهور الذي يخدمه في هذا إشارة إلى الاهتمام بعلم المتاحف Museology وتدريسه كمادة منفصلة مساعدة الموروث الثقافي بالتالي أي محاولة لتخطيط برنامج تدريسي أو تدريبي يجب أن يحتوي على مجموعة من التوازنات بين عنصرين، وبالتالي على العاملين في مجال المتاحف أن يتلقوا تدريباً عالياً في العلوم التي تتبع لها متاحفهم، ففي المتاحف التاريخية يجب أن يلم العاملون فيه بمادة التاريخ وعلومه، والعاملون في مجال متاحف الموروث الثقافي التقليدي والآثار عليهم الالمام التام بعلوم الآآثار والتراث . الخ. وهذا لكي يكون قادراً على تقييم ودراسة محتويات المتحف من التقنيات المختلفة فأمين المتحف يجب أن تتوفر فيه قدرات العالم العارف بتقنيات الحفاظ على محتويات المتحف، وكذلك قدرات الفني الملم بتقنيات العرض والتوثيق وكذلك بعض قدرات الفيلسوف الذي يعرف لماذا وما هي الفلسفة التي تسند العرض الجمع والمحافظة على مقتنيات المتحف، مثلاً الحفاظ على الموروث الثقافي القومي من تاريخي وعسكري وفني وصناعي من أجل خدمة أهداف الوحدة الوطنية. هذا بالإضافة إلى ملكات الإداري القادر على إدارة مؤسسته والتي تقوم على متين التأهيل في مجال الإدارة. 3. المتحف ودوره التعليمي والتربوي الوطني تقول نائبة وزير التربية والثقافة الهندي في عام 1994م: "في بيئة متفاعلة في المتحف حيث يجد الزائر المواطن هويته ويتآلف مع معروضات المتحف، كذلك تقول رشيدا أياري دي سوزا مديرة الثقافة في بنين في غرب أفريقيا في مقال لها بعنوان: المتاحف والتربية: مجلة أيكوم 2004م. فهو يجب أن يكون مكاناً للحوار بين الزوار العاديين وبين المتخصصين والباحثين ويكون ذلك من خلال النشاطات التربوية التعلمية والثقافية". فهو إذا عودة للتبادل المعرفي عن تاريخ البلد وعلومه وثقافته المعاصرة متمثلاً في طريقة التعليم غير الرسمي التقليدي المعروف في أفريقيا وهذه مشاركة تجعل المعرفة متاحة للجميع. التجارب الواقعية التي تشرح التاريخ المعرفي من خلال المقتنى والمكان فأي مقتنى هو إنتاج مباشر لمكانه بمكونات المكان جميعا المكونات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والطبيعية في إطار تراكمها التاريخي. القدرة على التقييم والتحليل سنجة، وقد ظهر في هذه الأماكن بنفس شكله في أزمان مختلفة، فالمتحف يكون فاعلاً من خلال التعليم الطازج النشط والمعلومة المباشرة المفهومة، أو هو إعادة تعريف للمؤسسة التعليمية الرسمية وطالما هو ليس امتداداً للنظام التعليمي الهرمي الرأسي بل هو نظام أفقي يغطي كل الأعمار والفئات والطبقات من الذكور والإناث في آن واحد. عرفت المتاحف كواحدة من المؤسسات القديمة التي تقدم وتساهم مساهمة فعالة في تعليم الكبار وذلك من خلال المحاضرات العامة والقراءات وتقديم المعلومة عن طريق المقتنيات نفسها وعن طريق الوسائل السمعية والبصرية. ومتحف لندن في وبريطانيا. وفي كل المتاحف البريطانية التي أعرفها توجد وظيفة لضابط التعليم، أي أنها وحدة من وحدات المتحف تقدم خدماتها التعليمية والتربوية بكل المؤسسات التعليمية وتضع الخطط والبرامج لذلك في المجالات التي تخص المتحف وذلك لربط المتحف بالمجتمع عبر وسائل التعليم المعروفة من الشرح والتوضيح، للمحاضرات العامة، ففي بريطانيا يوجد 46 متحفاً تقدم هذه الخدمات التعليمية. أشرت في صدر هذا البحث إلى ندوة الفولكلور والتنمية التي عقدت في 1981م - قسم الفولكلور - معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية - جامعة الخرطوم السؤال الذي أثير في تلك الندوة: لماذا الاهتمام بدراسة الموروث الثقافي ولماذا الاهتمام بخطورة التحديث الذي تتسع دوائره إلى الخارج على حساب الثقافات المحلية على إطلاقتها. إذا كنا غير قادرين على إيقاف هذه الحركة فنعمل على المواءمة بين ما عندنا من موروث وبين الحديث والمعاصر، فالثقافة المعاصرة أصبحت واقعاً ليست غريبة عنا، إذ نحتاجها ونستخدمها، إلخ هذه المواءمة مهمة ولكن إذا تعجلنا تحويل التقنيات الحديثة دون تروٍ وإمعان نظر في مستودعاتنا الثقافية المحلية لاستعجال طفرة التنمية وقعنا في هوة جهلنا. وقد عدد المشاركون في الندوة مجموعة أمثلة للاخفاقات التي صاحبت بعض ما سميت مشاريع تنموية. أذكر منها مثال مصنع تجفيف الألبان بمدينة بابنوسة في كردفان - مصنع تعليب اللحوم بمدينة كوستي على النيل الأبيض، من أهم الأوراق التي تحدثت عن مشاريع الزراعة والنقلة الفجائية من القطاع التقليدي إلى القطاع الحديث مقال لسيد حامد حريز بعنوان وكانت الأوراق كلها مقدمة باللغة الانجليزية عنوانها: "Folklore and National Development: A challenging Paradox" يـــوضـــح ســيــد حـــريـــز في مقــالـــه هــذا أن الأزمــــة الاقتصادية التي عانى منها السودان في سبعينات القرن الماضي تعود أصولها إلى الاستعجال الذي صاحب إحلال آلات الزراعة الحديثة في نقلة متعجلة من القطاع التقليدي إلى الميكنة الزراعية إذ حلت هذه محل أساليب الزراعة والري التقليدية المؤسسة على متين الممارسات والمعارف المحلية المتوارثة. جراء هذا التعجل في تحقيق الطفرة وتوسيع الرقعة المزروعة كانت المفارقة إذا لم تكن هي تنمية وإنما هو الفشل التام في تسيير الأمر بسبب انعدام التخطيط وتجاهل الثفافة المحلية. كانت السواقي القديمة تؤمّن عيش الناس إذ أن كل ما تحتاجه من أخشاب وروافع فخارية والبقر الذي يديرها والإنسان الذي يقوم على تشغيلها واصلاح إعطابها. تكتب إيمان مهران(9) عن هذه المسألة في مقال لها منشور بمجلة الثقافة الشعبية تنبه الدكتورة إيمان مهران إلى تحرك مهم على المستوى الإقليمي إذ تكتب: ".. ليس بوصفه منتجاً للعروض التي تمثل الدول في المناسبات القومية، بل لأنه مجال ذو بٌعد اقتصادي واجتماعي وثقافي هام لأي أمة تحاول الحفاظ على ملامح هويتها وخصوصيتها الثقافية". ولكني أسأل أو أشك في تحقيق ما قالت عن. الحفاظ على ملامح هويتنا وخصوصيتها الثقافية كما قالت في الاقتباس أعلاه. يتبع ذلك تراجع ملامح الموروث المحلي الذي يمثل الهوية التي قد تتلاشى يوماً مع بقاء الثوابت - الدين واللغة وهذه ثوابت لا تمسها ولا تشوبها شائبة وهذا هو الذي يشكل طابع هويتنا. هذه الثوابت قد تنعكس على منتوجنا الثقافي في أي شكل من الأشكال. الإجابة بالطبع لا. الإجابة طبعاً لا: بل هي ثابتة في مكانها. والسؤال هنا: هل استخدام وسائل الاتصال الحديثة في زمن العولمة هذا يقدح في عروبتنا أو إسلامنا. وهنا أدعو إلى التنمية كنمو مدروس على أسس علمية من أجل تنمية شاملة ومتكاملة ومستدامة على كل الأصعدة - التخطيط - الاقتصاد - الاجتماع.